لطالما شكّلت سيكولوجية الإقناع موضوع اهتمامٍ طويل الأمد للباحثين، نظرًا لارتباطها -في أغلب الأحيان- بمجالاتٍ حسّاسةٍ كالسياسة وصناعة الإعلان.
دراسةٌ حديثةٌ تحت عنوان “الإقناع والعاطفة واللهجة: نية الإقناع تحوّل اللهجة إلى عاطفية”، نُشرت في مجلة Psychological Science بتاريخ 15 مارس 2018، بيّنت إلى أي حدٍّ قد يستخدم الناس خياراتٍ لغويةً عاطفيةً عند محاولة الإقناع.
فقد وجدت الدراسة أن معظم الناس عند محاولتهم الإقناع، لم يقتصروا على استخدام كلمات الوصف، سواءً الإيجابيّة أو السلبيّة، مثل “ممتاز” أو “متقن”، بل كانوا ميالين لاستخدام الكلمات التي تنقل التأثير العاطفي، مثل “مثير” و”أخّاذ”.
وفي حين يركّز معظم الباحثين في هذا المجال على كيفيّة صياغة العبارات المناسبة للإقناع، اتخذ الباحث ماثيو د.روكلاج -من كلية كيلوغ للإدارة في جامعة نورث وسترن- وزملاؤه، نهجا مغايرًا، ركّز على فهم كيفية تواصل الناس عندما يضطرون إلى إقناع من حولهم، حيث وضّح الباحث أنّ السبب الكامن خلف اعتبار الناس إيجابيين أو سلبيين، هو مدى قدرتهم التلقائية على استخدام لهجةٍ أكثر عاطفيةً عند محاولة الإقناع.
وفي تفاصيل الدراسة، تم تزويد 1285 مشاركًا بصورة وتفاصيل منتجٍ معينٍ معروضٍ في أحد مواقع التسوق عبر الإنترنت، وطُلب منهم كتابة تعليقٍ جذّابٍ يهدف لإقناع القراء بشراء المنتج، ثم طُلب منهم كتابة تعليقٍ موضوعيٍّ يصف السمات الإيجابية للمنتج.
واستعان الباحثون بقاموس Evaluative Lexicon، وهو أداةٌ معترفٌ به عالميًّا للتحليل اللغوي الكمي، سمحت لهم بقياس مدى عاطفية الكلمات المستخدمة في التعليقات، علمًا بأن جميع تلك التعليقات كانت إيجابيةً بنفس القدر تقريبًا، وقد أظهرت نتائج التحليل بأن المشاركين استخدموا لهجةً أكثر عاطفيةً، عند محاولة إقناع القراء بشراء المنتج.
ويرى الباحثون أن هذا البحث أظهر بوضوحٍ أن نية إقناع الغير، ترفع من مستوى عاطفية الكلمات التي يستخدمها الناس بشكلٍ تلقائي، وبعبارةٍ أخرى، يبدو هذا التحوّل في اللهجة تلقائيًا أكثر من كونه قرارًا واعيًا متأنيًا، فقد بقيت النزعة لاستخدام العاطفة في الكلمات، حتى عندما حاول المشاركون إقناع مجموعةٍ من المفكرين “العقلانيين”.
ويوضّح روكلاج أن أبحاثًا سابقةً بيّنت خطأ استخدام اللهجة العاطفية أمام مستمعين يفضّلون اللهجة العقلانيّة، ومع ذلك، فقد أشارت النتائج التي توصّلوا إليها، إلى وجود علاقةٍ قويةٍ جدًا بين الإقناع والعاطفة في أذهان الناس، إلى درجةٍ تجعلهم يستمرون في استخدام اللهجة العاطفية، حتى في وجه مستمعين يمكن لهذا النهج أن يأتي بنتائج عكسيةٍ معهم، ممّا يقدّم دليلًا على وجود اتّحادٍ في الذاكرة بين الإقناع والعاطفة، فكلما كانت الكلمات أكثر عاطفيةً، ازداد احتمال أن يربطها الناس بالإقناع بأسرع الطرق الممكنة.
وأخيرًا، يرى روكلاج أنّ على الأبحاث المستقبلية التركيز على دراسة حالاتٍ أخرى، يمكن استخدام هذه الطريقة من الإقناع فيها، ويسأل:
هل سيستخدم الناس قدرًا أقل من العاطفة في اجتماعٍ لمجلس الإدارة؟ أم عند كتابة خطابٍ رسميٍّ للتزكية مثلًا؟