إذا جلست يوماً ما في المستقبل القريب أمام طبيب وتساءلت عما يخربشه على مفكرته، فإن الجواب قد لا يكون مجرد ملاحظات طبية عن حالتك الصحية، وإنما تحضيرات كيميائية لإجراء اختبار تشخيصي لحظي أيضاً، فبفضل عمل بحثي قام به فريق من الباحثين من جامعة كاليفورنيا، وتم نشره مؤخراً في مجلة (Lab on a Chip)، فإنه يمكن جعل المواد الكيميائية التي تم تشكيلها بهيئة أقلام خشبية تتفاعل مع بعضها البعض ببساطة عن طريق الرسم بها على الورق.
على الرغم من أن الفريق قد استوحى ابتكاره لتصنيع هذه الأداة الكيميائية من خلال كتب التلوين، إلّا أن هذا النهج يمكن أن يجعل تنفيذ العديد من الاختبارات التشخيصية البسيطة والشائعة التي تعتمد على التفاعلات الكيميائية – مثل مرض السكري وفيروس نقص المناعة أو اختبارات تلوث البيئية – أمر أسهل بكثير.
بدأ المشروع مع تقنية ناشئة تدعى “الموائع الدقيقة الورقية”، وهي تقنية تستخدم التأثير الشعيري للورق لخلط ما يسمى بالكواشف معاً – وهي المواد الكيميائية التي تخلط لتشكيل تفاعل ما أو لقياس وجود أو عدم وجود مواد معينة-، ويظهر التأثير الشعيري بسهولة من خلال إسقاط نوعين من الأحبار اللونية المختلفة على قطعة من المناديل الورقية، فعندما يتم امتصاص السائل بواسطة ورقة تنتشر قطرات اللون على سطحها حتى تندمج مع بعضها البعض وتشكل مزيج لوني تجانس، وبنفس الطريقة يمكن أن يتم خلط نوعين أو أكثر من الكواشف مع الماء على قطعة من الورق.
الفرق بين تلك الطريقة وطريقة الأقلام هو أنه في طريقة الأقلام لا يتم وضع الكواشف على الورقة عن طريق التقطير، بل يتم تصنيعها على شكل أقلام رصاص، وهذا يعني أنه يمكن لأي شخص أن يقوم بإجراء مجموعة من التفاعلات الكيميائية عن طريق استخدام الأقلام والرسم بها على الورق ببساطة ودون الحاجة لاستخدام أي معدات متخصصة.
قام الفريق بتصنيع أقلام الرصاص الكاشفة من خلال طحن خليط من الغرافيت (تماما كما يتم تصنيع أقلام الرصاص العادية) مع مواد اختبارية كاشفة وبولي ايثيلين الغليكول، حيث تسمح هذه المادة بالحفاظ على الكاشف متناثراً في أنحاء الخليط، وبعد ذلك يقومون يتم ضغط الخليط إلى حبيبات صغيرة ويضعونها في أقلام رصاص ميكانيكية ذات جودة عالية.
يشير فريق الباحثين إلى أن حلول تقنية الأقلام الكاشفة مكان بعض الاختبارات الشائعة التي يستخدمها مرضى السكر للتأكد من مستويات السكر في الدم هو أحد الاستخدامات المحتملة لهذه الأقلام.
وللتأكد من فعالية هذه الأقلام، قام الفريق بتصنيع أحد الأقلام باستخدام خليط من الإنزيمات يدعى إحداها ببيروكسيديز الفجل (HRP) والآخر يدعا بأوكسيديز الجلوكوز (GOx)، ومن ثم قاموا بتصنيع قلم ثاني يحتوي على كاشف يسمى (ABTS)، وتبين أنه عند وجود الجلوكوز إلى جانب هذين الكاشفين فإن التفاعل يعطي خليط أزرق اللون، وبعد مقارنة النتائج التي حصل عليها العلماء من أقلام الرصاص مع أسلوب تقطير الذي يستخدمه مرضى السكر وجد الفريق أن النتائج كانت متطابقة تماماً.
تعتبر هذه التقنية بالطبع من أسهل التقنيات لإجراء الاختبارات الكيميائية، فالاختبارات التشخيصية التقليدية تتطلب التدريب، في حين أن نظام قطعة الورق والأقلام لا يتطلب مهارة أكثر من تلك التي يتطلبها التلوين داخل الخطوط في كتب التلوين، كما أن الكواشف التي توجد في أقلام الرصاص بدت مستقرة للغاية – حيث أنه عادة ما تتلف هذه المواد في غضون أيام عندما تكون في حالتها السائلة- وهذا يتيح إمكانية أكبر في اختيار المكان والزمان الذي سيتم فيه إجراء الاختبارات، كما لوحظ أن الأقلام الكاشفة لم تبد أي علامة على انخفاض فعاليتها خلال شهرين من الزمن.