تعتبر محطة الفضاء الدولية (ISS) من أكثر المشاريع العلمية والهندسية الدولية تعقيداً في التاريخ، وأكبر بناء استطاع البشر وضعه في الفضاء، هذا القمر الصناعي الذي يحلق عالياً، هو عبارة عن مختبر للتكنولوجيات الجديدة ومنصة مراقبة للبحوث الفلكية والبيئية والجيولوجية، وكمنطقة مأهولة بشكل دائم في الفضاء الخارجي، فهو يمثل نقطة انطلاق لمزيد من الاستكشافات الفضائية.
تحلق المحطة على متوسط ارتفاع يصل إلى 248 ميلاً (400 كيلومتر) فوق سطح الأرض، وهي تدور حول الكرة الأرضية كل 90 دقيقة بسرعة حوالي 17500 ميل في الساعة (28,000 كيلومتراً في الساعة)، وخلال اليوم الواحد، تسير المحطة مسافة تعادل المسافة التي يتطلبها السفر من الأرض إلى القمر والعودة منه، كما يمكن لمحطة الفضاء أن تنافس كوكب الزهرة الرائع في السطوع وتبدو بمثابة ضوء يتحرك نحو المشرق عبر سماء الليل، ويمكن للمراقب الأرضي أن يراها من دون استخدام التلسكوب إذا كان يعلم المكان والزمان الذي ستكون فيه في الفضاء.
الجدير بالذكر أن هناك خمس وكالات فضاء مختلفة، تمثل 15 دولة، ساهمت في بناء محطة الفضاء الدولية بقيمة إجمالية وصلت إلى 100 مليار دولار، وهي المسؤولة عن تشغيلها حتى اليوم، وهذه الوكلات هي وكالة ناسا، وكالة الفضاء الاتحادية الروسية (روسكوزموس)، وكالة الفضاء الأوروبية، وكالة الفضاء الكندية، ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية.
بناء المحطة
تم إرسال محطة الفضاء الدولية إلى الفضاء الخارجي قطعة تلو الأخرى، وبعد ذلك تم بناؤها تدريجياً في المدار، وهي تتألف من وحدات ونقاط وصل تحتوي على أماكن للمعيشة ومختبرات، وذلك فضلاً عن الدعامات الخارجية التي تقدم الدعم الهيكلي، والألواح الشمسية التي توفر الطاقة، وقد تم إطلاق الوحدة الأولى، وحدة زاريا الروسية، في عام 1998، ومنذ 2 شباط/ نوفمبر من عام 2000 والمحطة الفضائية لم تخلُ أبداً من رواد الفضاء.
منذ عام 2015، تم البدئ بإجراء بعض التغييرات على محطة الفضاء الدولية لإعدادها لاستقبال طواقم المركبات الفضائية التجارية، والتي سوف تبدأ بالوصول في وقت مبكر من عام 2017، حيث سيتم إضافة محولين لرسو السفن الدولية إلى المحطة.
تبعاً للخطط الحالية، فسيتم تشغيل محطة الفضاء الدولية حتى عام 2020 على الأقل، وقد طلبت وكالة ناسا تمديد هذه الفترة حتى عام 2024، ولكن كان هذا الطلب واجه بعض التعقيدات وخاصة بعد تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في عام 2014 بشأن الأنشطة العسكرية الروسية في أوكرانيا، ولكن المباحثات حول تمديد عمر محطة الفضاء الدولية جارية بين جميع الشركاء الدوليين.
خلال مرحلة البناء الرئيسية لمحطة الفضاء الدولية، تم إطلاق بعض الوحدات الروسية والموانئ لرسو السفن مباشرة إلى المختبر المداري، في حين تم نقل الوحدات الخاصة بناسا والمكونات الدولية (بما في ذلك الأجهزة الروسية) على متن مكوك فضائي أمريكي.
تمتد مساحة محطة الفضاء الدولية، مع ألواح الطاقة الشمسية الكبيرة، على مساحة ملعب لكرة القدم الأمريكية، وتزن حوالي 391,000 كجم، وذلك ما عدى المركبات التي تزورها، وحالياً يمتلك المجمع غرف أكثر ملائمة للمعيشة من المنزل العادي فهو يتضمن خمس غرف نوم، حمامين، صالة للألعاب الرياضية، ونافذة تتيح رؤية بزاوية 360 درجة، وتبعاً لرواد الفضاء فإن مكان المعيشة في محطة الفضاء الدولية يشبه مقصورة طائرة بوينغ 747 جامبو.
وهنا فيديو يوضح كيف تم بناء محطة الفضاء الدولية عبر الفترات الزمنية المختلفة:
حجم الطاقم
طاقم البعثة عادة ما يكون مؤلفاً من ستة أشخاص وعادة ما يبقى لمدة تتراوح بين 4 إلى 6 أشهر على متن المحطة الفضائية الدولية، ولكن أول طاقم وصل إلى محطة الفضاء كان مؤلفاً من ثلاثة أشخاص، وبعد الكارثة المأساوية التي تعرض لها مكوك كولومبيا تقلص حجم الطاقم مؤقتاً ليصبح الفريق مؤلفاً من شخصين، وفي 2009 وصل حجم الطاقم الذي يقيم على متن محطة الفضاء إلى عدده الأقصى، وهو ستة أشخاص، وذلك عندما تم جلب الوحدات والمختبرات والمرافق جديدة إلى المحطة.
مع طاقم كامل مؤلف من ستة أفراد، تعمل المحطة كمنشأة بحوث كاملة، وفي السنوات الأخيرة، أُضيف إلى المحطة الفضائية تقنية جديدة مثل الطابعات الثلاثية الأبعاد (3D)، تقنية حديثة لتصوير الأرض، الاتصالات الليزرية، وقاذفات الأقمار الصناعية المصغرة، ويتم التحكم ببعض هذه التقنيات من قبل أفراد الطاقم، ويتحكم فريق المراقبة الأرضي ببعضها الآخر.
حالياً يتم إجراء عشرات الدراسات تبحث في تأثير بقاء رواد الفضاء في المحطة لعدة أشهر على صحتهم، وذلك بمساعدة رائد الفضاء الأمريكي (سكوت كيلي)، ورائد الفضاء الروسي (ميخائيل كورنينكو)، اللذان من المقرر أن يبقيا على متن محطة الفضاء الدولية لمدة تصل إلى عام كامل.
لا تنحصر مهام الطاقم بإجراء الأبحاث العلمية فقط، ولكنهم أيضاً يقومون بالمحافظة على وضع المحطة الفضائية، ففي بعض الأحيان، قد يتطلب منهم الأمر السير في الفضاء لإجراء الإصلاحات للمحطة، ومن وقت لآخر، يمكن لهذه الإصلاحات أن تكون عاجلة، مثلما حدث عندما فشل جزء من نظام الأمونيا، وهو الأمر الذي حدث عدة مرات.
تم تغيير إجراءات سلامة السير في الفضاء بعد حادثة، كادت تكون مميتة، جرت في عام 2013، حينما امتلئت خوذة رائد الفضاء (لوكا بارميتانو) بالماء بينما كان يعمل خارج المحطة، كما تقوم ناسا حالياً باختبار تقنيات يمكن أن تكمل أو تحل محل عمليات سير رواد الفضاء في الفضاء خارج المحطة الفضائية، ومن الأمثلة على ذلك (Robonaut)، وهو نموذج أولي موجود حالياً على متن المحطة الدولية قادر على تحريك مفاتيح التشغيل والقيام بالمهام الروتينية الأخرى تحت إشراف رواد الفضاء، ويأمل العلماء أن يتم تعديل هذا النموذج في نقطة ما ليكون قادراً على العمل “خارج” المحطة كذلك.
إذا اضطر الطاقم لإخلاء المحطة، فيمكنه العودة إلى الأرض على متن مركبتين روسيتين متصلتين بمحطة الفضاء الدولية، أما أفراد الطاقم الجدد فيتم نقلهم إلى المحطة الفضائية الدولية على متن مركبات سويوز الروسية أيضاً، ولكن بحلول عام 2017، من المفترض أن تحل مركبة (دراغون) التابعة لشركة (سبيس اكس)، ومركبة (CST-100) التابعة لشركة (بوينغ) محل معظم رحلات (سويوز).
يتمتع طواقم العمال المتواجدين على متن المحطة الفضائية الدولية بمساعدة مراكز مختلفة، كمراكز مراقبة العمليات في هيوستن وموسكو ومركز مراقبة الحمولة في هانتسفيل بولاية ألاباما، كما أن هناك مراكز مراقبة دولية أخرى تدعم محطة الفضاء من اليابان وكندا وأوروبا، ويمكن التحكم بمحطة الفضاء الدولية أيضاً من مراكز مراقبة العمليات في هيوستن أو موسكو.
بعض الحقائق عن محطة الفضاء الدولية
- يمكن لمساحة سطح الألواح الشمسية التي تحملها محطة الفضاء الدولية أن تغطي غرفة مجلس الشيوخ الأمريكي بمعدل ثلاث مرات.
- هناك خمسين جهاز كمبيوتر يتحكم في نظم محطة الفضاء الدولية.
- تم إجراء أكثر من 115 رحلة فضاء على متن خمسة أنواع مختلفة من المركبات منذ بناء المحطة.
- يكبر حجم محطة الفضاء الدولية عن حجم محطة الفضاء الروسية مير بأربع مرات، وتكبر محطة سكايلاب الأمريكية بخمس أضعاف.
- هناك حوالي 8 أميال (12.8 كم) من الأسلاك التي تربط نظام الطاقة الكهربائية.
- يسير الوقت بشكل أبطأ في محطة الفضاء الدولية بسبب ما يدعى باتساع الوقت، وعلى الرغم من أن هذا البطأ لا يشكل فرقاً كبيراً ولكنه كبير بما يكفي ليتم قياسه.
- تعمل محطة الفضاء الدولية على نظام لينكس، حيث تخلت المحطة في العام الماضي عن نظام ويندوز وبدأت بتشغيل أجهزة الكمبيوتر المحمولة فيها على نظام لينكس، فوفقاً لـ(كيث تشوفالا)، الذي يدير عمليات الحوسبة الفضائية في ناسا، فإنه من الأفضل الاعتماد على نظام لينكس لأنه أكثر استقراراً وموثوقية.
- قد يتم استبدال محطة الفضاء الدولية في آخر حياتها بقرية قمرية في عام 2030.