ووفقاً لناسا، فإن طبقات السماء العالية التي تقع فوق الأرض تكتظ بما يقرب من 23000 قطعة خردة فضائية تتراوح قياساتها بين 10سم أو أكثر من صنع الإنسان، وجميعها تنطلق بسرعة كبيرة وتشكل خطراً على الأقمار الصناعية التي لا تزال تعمل على طول مسار تواجدها، وتبعاً لوكالة الفضاء الأوروبية (ESA) فإن تنبيهات الاصطدام الناتجة عن الأقمار الصناعية البالية والصواريخ القديمة والأنواع الأخرى من الركام الفضائي (مثل محولات الإطلاق وأغطية العدسات والأسلاك النحاسية والقفازات الغريبة) قد تضاعف في العقد الماضي، كما أن كل اصطدام يحدث بين هذه القطع من الخردة يزيد من القطع الغير مرغوب بها -وهي ظاهرة تعرف باسم متلازمة كيسلر، وقد تم تسميتها تبعاً للفيزيائي الأمريكي (دونالد كيسلر) الذي وضع هذه الفرضية في سبعينيات القرن الماضي- ولكن لماذا تشكل النفايات الفضائية مثل هذا القلق المتزايد؟
تبعاً لـ (كيسلر) فإن مدار الأرض المنخفض – الذي يقع في المسافة الممتدة بين 160 و2,000 كم فوق الأرض- يعتبر منطقة بالغة الأهمية بالنسبة لاستكشاف الفضاء، فهذا المدار يتوضع فيه حوالي نصف عدد الأقمار الصناعية التي تقوم بتقديم صور مفصلة جداً عن الأرض لأغراض عسكرية ومدنية على حد سواء، ولكن هذا المدار يحتوي أيضاً على نحو 5000 قطعة من الأشياء المبعثرة التي إما أن تكون أجزاء من صواريخ أو حمولات تالفة، وهذا خطير جداً، حيث يمكن لقطعة صغيرة من الطلاء التي تسافر في الفضاء بسرعة مدارية تصل إلى 17,500 كم/سا أن تحدث إصابة خطيرة في المركبات الفضائية، مما يؤدي إلى قتل رواد الفضاء الذين بداخلها أو إلحاق ضرر يكفي لرمي القمر الصناعي بعيداً عن مساره، كما يمكن للوقود الغير مستخدم في الصواريخ المعطلة أن يؤدي لحدوث تفجيرات عشوائية.
في شهر شباط الماضي تسبب حدوث عطل في بطارية قمر صناعي أمريكي للطقس في حدوث انفجار أدى لبعثرة أكثر من 100 قطعة جديدة من النفايات الفضائية غير المرغوب بها في الفضاء، وفي عام 2007، قامت الصين عمداً بتحطيم واحدة من مركباتها الفضائية في اختبار لسلاح مضاد للأقمار الصناعية، وبعد عامين اصطدم قمر صناعي روسي عن طريق الخطأ بآخر أميركي، وقد ساهمت تلك الحوادث وحدها بزيادة كمية الحطام الفضائي الذي يدور في المدار المنخفض للأرض بمقدار الثلث، وإذا ما استمر رمي النفايات على هذا المنوال في الفضاء دون رادع، ستواجه البعثات المقبلة قيوداً جديدة كبيرة جداً.
اقترحت وكالات الفضاء الأمريكية والعديد من الشركات الخاصة من مختلف البلدان مجموعة متنوعة من الأساليب لتنظيف الفوضى الفضائية، فمثلاً قدم علماء من اليابان الشهر الماضي بحث أوصى بتركيب ليزر على متن المحطة الفضائية الدولية لدفع الحطام إلى الغلاف الجوي للأرض، حيث يمكن أن يحترق دون التسبب بأي أذى، في حين اقترح علماء وكالة ناسا مؤخراً فعل الشيء نفسه باستخدام ليزر أرضي، وفي شهر آذار الماضي، قامت وكالة الفضاء الأوروبية بتجربة شبكات مصممة لالتقاط الحطام الفضائي المتحرك، وفي شهر كانون الثاني كشفت وكالة استكشاف الفضاء اليابانية عن حبل كهروديناميكي يقوم بإبطاء حركة قطعة الخردة الفضائية عند الارتباط بها، ومن ثم يقوم بإرسالها إلى المدار المنخفض.
تعمل وكالات الفضاء في جميع أنحاء العالم على درس خيارات أخرى أيضاً، فمثلاً يمكن أن يتم دفع الأقمار الصناعية المعطلة التي توجد في المدار المتزامن مع الأرض (حوالي 36,000 كم فوق سطح الأرض) في بعض الأحيان إلى “مدار المقبرة” حول 300 كم، كما أصبح هناك تقنيات جديدة تسمح للصواريخ التي سلمت حمولاتها بأن تجدد محركاتها وتنخفض في مداراتها لتحترق في الغلاف الجوي للأرض، وقد وافقت العديد من الدول على أن يتم تصميم الأقمار الصناعية بحيث يتم تدميرها من خلال حرقها في الغلاف الجوي دون التسبب بأي أذى في غضون 25 عاماً من اقتراب انتهاء عمر التشغيل المفترض لها.
على الرغم من وجود العديد من الأفكار الجيدة في هذا المجال، إلّا أن إصلاح المشكلة لا يزال أمراً صعباً، فبحسب قول (كيسلر)، ليس هناك وكالة تنظيمية دولية لفرض هذه القواعد، حيث أن الوكالات الفضائية ومشغلي الأقمار الصناعية التجارية يترددون في تكريس بعض من الوقود الثمين، أو التقليل من متوسط العمر التشغيلي للأقمار الصناعية، للتأكد من أن يتم إنقاذ السماء العالية بشكل صحيح.
من جهة ثانية فإن العبث مع النفايات الفضائية التي تنتمي إلى بلدان أخرى تعتبر إشكالية أيضاً، فبحسب (براين ويدين)، وهو خبير في الحطام الفضائي في مؤسسة الأمن العالمي، في ظل النظام القانوني الدولي الحالي، فإن الدولة المطلقة لها حقوق السيادة الدائمة والسيطرة على الأشياء التي تطلقها في المدار، ولكن من بين الـ22,000 قطعة خردة التي توجد في المدار، هناك 16,000 قطعة منها فقط تعود لدولة مطلقة معروفة، وحتى عندما تعرف ملكيتها، فإنه ليس من الواضح من سيكون المسؤول إذا ما اتجهت هذه الأجسام عن طريق الخطأ إلى مسار غريب لتنفجر قبل الأوان.
بسبب العمل ضمن هذه القيود، تقوم وزارة الدفاع الأمريكية بتبادل المعلومات عن مسارات الحطام لمساعدة الوكالات الأخرى في تجنب المتاعب، وعلى الرغم من أن هذه المشكلة تعتبر صعبة للغاية، إلّا أنها ليس مستحيلة الحل، فتبعاً للسيد (كيسلر)، فإن إزالة 500 قطعة من قطع الحطام الفضائي الأكثر خطورة، حتى ولو على المدى البطيء -بوتيرة خمسة قطع سنوياً- يمكن أن يحل معظم المشكلة بتكلفة متواضعة، وعلى الرغم من توافر التكنولوجيا اللازمة للقيام بذلك، إلّا أن العقبة الوحيدة التي تقف في وجه تنفيذ هذه العملية هي التنظيم.