قد يصل طول الجينوم البشري لما يقرب من ستة أقدام إذا ما تم فضه، ومع ذلك، فإن كل خلية في جسمك تحتوي على نسخة كاملة منه، فكيف يمكن لهذا أن يحدث؟
يلف الحمض النووي نفسه مثل خيط حول بكرات من البروتين تسمى الهستونات، وهذه الجينات والبروتينات مجتمعةً تشكل مركب معقداً يشار إليه باسم الكروماتين، ولكن مع ذلك، فإن حجم الحيوانات المنوية (الخلايا التناسلية لدى الرجال) أصغر بكثير من معظم الخلايا، لذلك وفي وقت مبكر من تطورها، يتم استبدال بكرات الهيستون ببروتينات أدق تدعى بالروتامين، ولكن مؤخراً، اكتشف باحثون من مختبر (CSHL) أن لحظة الاستبدال هذه – التي يشار إليها بإعادة بناء الكروماتين – أمر ضروري لخصوبة الرجال، وعندما يحدث خطأ ما في هذه العملية المستمرة، يكون العقم هو النتيجة.
العقم عند الذكور
عندما يفكر الأشخاص بالخصوبة، فإنهم غالباً ما يفكرون بالنساء، ولكن الرجال يتساوون مع النساء فيما يتعلق بموضوع الخصوبة، وربما يكون سبب في عدم الانجاب، بل في الواقع، أكثر من ثلاثة ملايين رجل أمريكي يعانون من تجربة العقم.
يمكن أن يكون العقم عند الرجال مسألة مؤقتة سببها رد فعل لظروف معينة، مثل مرض ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي أو حتى وجود ورم، ولكن من ناحية أخرى، قد يكون العقم حالة دائمة ناجمة عن مشكلة أساسية في الحيوانات المنوية نفسها، بما في ذلك قلة عدد الحيوانات المنوية التي يتم إنتاجها، أو إنتاج حيوانات منوية مشوهة، أو مشاكل في حركة الحيوانات المنوية (عندما لا تستطيع الحيوانات المنوية السباحة بشكل صحيح)، أو وجود انسداد يمنع الحيوانات المنوية من الارتباط بالسائل المنوي.
من أجل الحصول على فهم أفضل للعقم، يقوم العلماء عادةً بدراسة الحيوانات المنوية، والخلايا المتخصصة التي تكون صغيرة جداً – أكثر صغراً بـ30 مرة من البويضة – والتي تحتوي الحمض النووي والمحركات الجزيئية، والتي تكون غير مرئية للعين المجردة من الرأس وحتى الذيل، حيث أن حجمها يساوي فقط حوالي 1/500 من البوصة، لهذا السبب، يجب أن يكون الحمض النووي الموجود فيها مطوياً بشكل أكبر من أي خلية أخرى، ليتسع داخل حدودها الضئيلة.
بحسب البروفيسور (عليا ميلز) والدكتور (وان غزو لي)، المؤلف الرئيسي للدراسة جديدة التي نشرت في مجلة (Nature Communications)، فإن هناك بروتين يدعى (Chd5) يلعب دوراً أساسياً في العقم عند الذكور، وهو البروتين الذي ينظم إعادة صياغة الكروماتين، أي اللحظة التي يتم فيها استبدال البروتامينات بالهستونات، وقد اكتشف الفريق بأن بروتين (Chd5) قد يكون سبباً محتملاً للعقم عندما حللوا البيانات التي حصلوا عليها من خزعات مأخوذة من خصيتي رجال يعانون من عيوب في الحيوانات المنوية تسبب لهم العقم، حيث أشارت (ميلز) بأنهم وجدوا بأن الرجال الذين يعانون من عيوب أشد حدة كانت مستويات الـ(Chd5) أدنى من غيرهم.
لمعرفة المزيد عن (Chd5)، قام فريق الباحثين بإزالة نسخ من جين (Chd5) من ذكور من الفئران، واكتشفوا بأن هذا أدى إلى حصول مشاكل شديدة في الخصوبة لدى ذكور الفئران، بدءاً من انخفاض عدد الحيوانات المنوية إلى انخفاض قدرة تلك الحيوانات على الحركة، وفي الواقع، عندما أجرى الباحثون عملية الإخصاب في المختبر، كانت الحيوانات المنوية المأخوذة من الفئران المعالجة غير قادرة على إخصاب البويضات.
من خلال القيام بالمزيد من التحقيقات، اكتشف الباحثون بأنه عندما يكون بروتين (Chd5) غير موجود، يتم تعطيل عملية إعادة صياغة الكروماتين تماماً، ولا يكون بإمكان البروتامينات أن تحل بكفاءة محل الهستونات، مما يؤدي إلى توليد جينوم أقل كثافة، وفي المقابل، عندما لا يكون الجينوم مطوياً بالشكل الصحيح داخل الخلايا المنوية، فإن الحمض النووي نفسه يتغير بشكل كبير – يصاب الحلزون المزدوج بتلف وكسر في نقاط متعددة في جميع أنحاء الجينوم.
لذلك، بالإضافة إلى خطر الإصابة بالعقم، فإن فقدان الـ(Chd5) قد يضع الأجيال القادمة – الأجنة النادرة التي قد تتخصب عن طريق الحيوانات المنوية المشوهة- في خطر الإصابة بالأمراض، فبحسب (ميلز)، فإن بروتين الـ(Chd5) يمكن أن يحمي الشخص من الإصابة بالحالات الطبية المتعلقة بتلف الحمض النووي أو الطفرات، مثل السرطان ومرض التوحد، وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن فريق الباحثين ما زال مستمراً في تقصي آثار الـ(Chd5) على الخصوبة البشرية.