عند الحديث حول الموت دماغيا، فإن هذا يجعلنا نتوجه للحديث حول التقدم التكنولوجي والطبي، والذي بات يقدم مفاهيماً جديدة حول الطبيعة والحياة وأجسامنا، وإمكانيات لم يكن بالإمكان تصورها أبداً من قبل، ولكنه يجلب معه أيضاً الكثير من التعقيدات والمعضلات الأخلاقية التي عادة ما تكون شائكة ويصعب التمييز بينها بسهولة، حيث أن العلماء وصناع القرار كانوا دائماً يشتكون من الفترة الطويلة التي تفصل بين طرح التكنولوجيات الجديدة وتوضيح القضايا الأخلاقية والقانونية والإجرائية اللازمة لتشذيبها، ولكن في نهاية المطاف، لا يمكن سوى أن نعترف بأن العلوم الطبية قد غيّرت كثيراً من الكيفية التي نحدد فيها أكثر لحظات الحياة محورية، وخاصة فيما يخص بدايتها ونهايتها.
لا يزال النقاش محتدماً حول موضوع الإجهاض والفترة التي يبدأ فيها الحمل وهل يحق لنا إنهاء حياة قبل أن تبدأ، وفي الوقت نفسه، فقد نجد بأن التكنولوجيا قد سمحت لنا بإطالة الحياة بعيداً عما كنا نعتبره يوماً بأنه النهاية الطبيعية لها، وهذا جعل تحديد مفهوم الموت وما يجب أن يكون عليه صعباً للغاية، وخاصة عندما يعني الأمر التخلي عن شخص ما في أسرتنا.
يمكن القول بأن مفهوم الموت الأساسي بدأ يتخلخل نتيجة لظهور التكنولوجيات الداعمة للحياة، ولكن على الرغم من أنه قد أصبح بالإمكان الآن الإبقاء على القلب في حالته النابضة لأسابيع ضمن جثة حية، وعلى الرغم من أن بشرة الشخص قد تبدو دافئة عند لمسها، إلّأ أنه ومن دون وجود نشاط داخل الدماغ، فإن الشخص يعتبر ميتاً دون شك، ومع ذلك، ومع وجود كل هذه العلامات، فإنه قد يكون من الصعب على العائلات التخلي عن أحبائها، وذلك على الرغم من معرفتهم بأنه بمجرد توقف الدماغ عن العمل، فإن الشخص لن يعود معهم.
– الفوبيا أو الرهاب .. التعريف، الأسباب، الأنواع، العلاج
هل متوفي دماغيا يرجع يعيش؟
هنا يكمن موضع الجدل، فهناك الكثير من الحالات التي يقول الأطباء فيها بأن الشخص ميت دماغياً، في حين تحارب الأسرة لإبقائه لأطول فترة ممكنة على الأنظمة الداعمة للحياة، فعلى سبيل المثال، كانت (جوهي مكماث) البالغة من العمر ثلاثة عشر عاماً، من أوكلاند، كاليفورنيا، تخضع لعملية جراحية روتينية لمعالجة توقف التنفس أثناء النوم، وكان الجراحون قد أزالوا لوزتيها وبعض الأنسجة الرخوة الأخرى، وبدؤوا القيام بإجراء ما لمساعدتها على النوم بشكل أفضل، ولكن للأسف، حدث شيء رهيب أثناء وجودها على طاولة العمليات.
تم الإعلان بأن (مكماث) كانت ميتة دماغياً في 12 كانون الأول من ذلك العام، وهنا بدأت عائلتها تحارب في المحكمة لإبقائها على جهاز التنفس الصناعي، وتم نقلها إلى منشأة طبية أخرى، وعلى الرغم من عدم وجود نشاط في دماغها، كانت علاماتها الحيوية الأخرى عادية تماماً، ومن جهة أخرى نجد حالة (مارليس مونوز)، وهي إمرأة كانت حامل في أسبوعها الـ14 عندما عانت في 26 تشرين الثاني من عام 2014 من انسداد رئوي، وسرعان ما أعلن مستشفى جون بيتر سميث في فورت وورث، تكساس بأنها ميتة دماغياً، ولكن في حالة هذه المرأة أصرت أسرتها أن يتم سحب جميع أنظمة دعم الحياة عنها، في حين رفض المستشفى فعل ذلك لأن القانون في تكساس يمنع سحب الأنظمة الداعمة للحياة عن المريضات الحوامل.
ما هو الموت الدماغي ؟
الموت الدماغي (المعروف أيضًا باسم موت جذع الدماغ) هو عندما لا يكون لدى الشخص الذي يستخدم جهاز دعم الحياة الاصطناعية أي وظائف دماغية. هذا يعني أنهم لن يستعيدوا وعيهم ولن يكونوا قادرين على التنفس بدون دعم.
تم التأكد قانونًا من وفاة الشخص المتوفى دماغًا. ليس لديهم فرصة للشفاء لأن أجسامهم غير قادرة على البقاء على قيد الحياة دون دعم الحياة الاصطناعي.
موت دماغي يعني توقف لا رجعة فيه عن جميع وظائف الدماغ بالكامل ، بما في ذلك جذع الدماغ. الشخص المتوفى دماغيا ميت ، مع عدم وجود فرصة للنهوض.
الفرق بين الغيبوبة والموت الدماغي والموت السريري والحالة الخضرية (الحالة الإنباتية)
عادة ما يعتقد الأشخاص بأن الموت الدماغي والغيبوبة هما الشيء نفسه، ولكن في الطب، هما عالمان متباعدان.
-
الغيبوبة
هي حالة من فقدان الوعي، وذلك وفقاً لعيادة مايو كلينيك، وبصفة عامة، فإن الغيبوبة لا تدوم أكثر من بضعة أسابيع، حيث يستيقظ الشخص بعد ذلك، وفي أفضل السيناريو، يكون بإمكانه استعادة الأداء الإدراكي والجسدي بشكل كامل، في حين أنه في أسوأ الأحوال، يمكن أن يبقى في حالة خضرية دائمة، ومثل هؤلاء الشخص يمكن أن يكونوا قادرين على تحريك عيونهم أو إصدار الأصوات، إلّا أنهم مع ذلك، لا يكونون قادرين على فهم الكلام أو الرد عليه، ولكن لحسن الحظ، فإن معظم المرضى المصابين بغيبوبة يتعافون مع مرور الوقت.
-
هل الغيبوبة تسبب الوفاة
على الرغم من تعافي العديد من الأشخاص تدريجيًا من الغيبوبة ، يدخل آخرون في حالة إنباتية أو يموتون. ينتهي الأمر ببعض الأشخاص الذين يتعافون من الغيبوبة بإعاقات كبيرة أو طفيفة. يمكن أن تحدث المضاعفات أثناء الغيبوبة ، بما في ذلك تقرحات الضغط والتهابات المسالك البولية والجلطات الدموية في الساقين ومشاكل أخرى.
-
موت دماغي
من ناحية ثانية فإن الشخص المتوفى دماغياً يكون ميتاً من الناحية العملية، ولن يكون بإمكانه التعافي أبداً، وبمجرد إزالة الآلات عنه، فإن جميع وظائف الجسم ستتوقف في نهاية المطاف، وتبعاً لقانون الموت فإن توقف وظائف الجهاز التنفسي أو القلب، أو الدماغ داخل الجذع الدماغي يعتبر موتاً دماغياً.
إن وظائف الدماغ الدنيا تأتي من الجزء العلوي من الحبل الشوكي لدينا، وهذا هو الجزء المسؤول عن تنظيم وظائف جسمنا مثل التنفس، ضربات القلب، ردود الفعل، دورات النوم واليقظة، ودرجة حرارة الجسم، في حين أن الدماغ الأعلى يتولى تنظيم الوظائف الأعلى مكانة، مثل الحواس الخمس، ولكن في حالة الموت الدماغي، يتوقف كل من الجزء الأعلى و الأدنى من وظائف الدماغ عن العمل، في حين قد تبقى بعض وظائف الجسم، بما في ذلك ضربات القلب، مستمرة في العمل، ورغم أن هذا قد يعطي الأمل لبعض الأسر، إلّا أن المريض لن يشفى أبداً.
-
الموت السريري
الموت السريري هو عندما يتوقف قلبك عن ضخ الدم. بدون الإنعاش القلبي الرئوي ، يبدأ الموت البيولوجي في الظهور بعد حوالي 4-6 دقائق. الموت البيولوجي هو المكان الذي يتلف فيه دماغ الضحية وتموت خلايا قلب الضحية ودماغه وأعضاء أخرى من نقص الأكسجين. الضرر الناجم عن الموت البيولوجي لا رجعة فيه.
-
الحالة الخضرية (الحالة الإنباتية)
يختلف موت الدماغ عن الحالة الإنباتية، الفرق بين موت الدماغ و الحالة الإنباتية ، والذي يمكن أن يحدث بعد تلف شديد في الدماغ ، هو أنه من الممكن التعافي من حالة إنباتية ، لكن موت الدماغ دائم.
شخص ما في حالة إنباتية لا يزال لديه جذع دماغ عامل ، مما يعني:
- قد يوجد شكل من أشكال الوعي
- عادة ما يكون التنفس بدون مساعدة ممكنًا
- هناك فرصة ضئيلة للتعافي لأن الوظائف الأساسية لجذع الدماغ قد لا تتأثر
- يمكن لأي شخص في حالة غيبوبة أن تظهر عليه علامات الاستيقاظ. على سبيل المثال ، قد يفتحون أعينهم لكن لا يستجيبون لما يحيط بهم.
في حالات نادرة ، قد يُظهر الشخص في حالة إنباتية بعض الإحساس بالاستجابة التي يمكن اكتشافها باستخدام فحص الدماغ ، ولكن لا يكون قادرًا على التفاعل مع محيطه.
اعراض الموت الدماغي
تتضمن بعض اعراض الموت دماغيا ما يلي:
- العيون لا تستجيب لأشعة للضوء.
- لا يظهر الشخص أي رد فعل تجاه الألم.
- عند لمس سطح العين فإن العين لا ترمش (انعكاس القرنية).
- عند تحريك الرأس لا تتحرك العينان (منعكس عيني الرأس).
- لا تتحرك العيون عند سكب الماء المثلج في الأذن (انعكاس العين الدهليزي).
- عند لمس مؤخرة الحلق لا يوجد منعكس قيء .
- عند إيقاف تشغيل جهاز التنفس الصناعي لا يتنفس الشخص.
- يُظهر اختبار مخطط كهربية الدماغ عدم وجود نشاط للدماغ على الإطلاق.
أسباب الموت دماغيا
يمكن أن يحدث موت الدماغ عندما يتوقف إمداد الدماغ بالدم و / أو الأكسجين.
يمكن أن يكون سبب ذلك:
- السكتة القلبية – عندما يتوقف القلب عن النبض ويجوع الدماغ من الأكسجين
- نوبة قلبية – عندما يتم منع تدفق الدم إلى القلب فجأة
- سكتة دماغية – عندما يتم حظر أو انقطاع تدفق الدم إلى الدماغ
- جلطة دموية – انسداد في وعاء دموي يعيق أو يمنع تدفق الدم حول الجسم
- إصابة شديدة في الرأس
- نزيف في المخ
- الالتهابات ، مثل التهاب الدماغ
- ورم في المخ
هل يتعافى الميت دماغيا .. هل يمكن الشفاء من الموت الدماغي ؟
يقول الأطباء أنه من الصعب على الكثير من الأسر أن تفهم أن أحد أحبائها قد مات، وخاصة عندما تكون قلوبهم ما تزال تنبض، وعلى الرغم من أن القلب عادة ما يتوقف عند نقطة ما خلال الـ 72 ساعة الأولى، إلّا أنه يمكن أن يستمر في بعض الحالات بالعمل لمدة أسبوع أو أكثر، ولكن بدون وجود وظائف دماغية، فقد يبدو الشخص بأنه يتنفس على جهاز التنفس الصناعي، لكنه لا يمكن أن يفعل ذلك من تلقاء نفسه.
قامت الأكاديمية الأمريكية لعلم الأعصاب بإجراء تحديث على المبادئ التوجيهية التي تحدد الموت دماغيا في عام 2010. وخلالها، يجب على الأطباء أن يقوموا بإجراء سلسلة من الاختبارات تتضمن 25 وحدة منفصلة قبل أن يعلنوا موت الشخص دماغياً، ويجب أن يكون الشخص متوافقاً مع كافة المعايير، ولكن مع ذلك، فإن هذه التعاريف تختلف من الناحية القانونية من دولة إلى أخرى، علماً أنه لم يسبق وأن تم إعلان أي أحد بأنه متوفي دماغياً ليعود وينجو بعد ذلك.
ما تزال العديد من البلدان تجادل حول مفهوم الموت دماغيا، فليس هناك شيء يدعى الموت دماغيا في الثقافة اليابانية مثلاً، لأنهم لا يميزون بين القلب والدماغ، في حين تمتلك أمريكا تعريفاً جاداً ومفصلاً له، فمن دون هذا التعيين، ستتعرقل عملية التبرع بالأعضاء.
هل يظل الجسد حيّاً بعد موت الدماغ؟
مع ذلك، فإن هذا لا يمنع تجار الأعضاء والمراكز الطبية عديمي الضمير من استخراج الأعضاء حتى قبل أن يتم إخبار العائلات بأن أحبائهم قد توفوا، ولأن عدداً كبيراً من حوادث السيارات وحوادث العنف تحدث في المدن الداخلية الأمريكية وغيرها من البلدان، فإن عدداً كبيراً من الأعضاء تأتي من هذه الأماكن، وفي كثير من الأحيان لا يتم إخبار الأسر بالموضوع، أو لا تفعل المراكز الطبية كل ما في وسعها لإحاطة العائلات علماً قبل أن تتحول أعضاء جسم أحبائهم إلى سلعة.
لقد شهدت التكنولوجيات الطبية الكثير من التقدم، وقد ساعد هذا في تحسين حياة الإنسان بطرق هائلة، لكن الفارق الأخلاقي يعني أن هناك الكثير من الزوايا المظلمة والمنافذ التي تسبب الخداع والأذى، لذلك يجب إعادة النظر في الكيفية التي يمكننا خلالها أن نمضي قدماً في هذه الحالات، وفي الدوافع التي تقف وراء هذا التقدم.
اختبارات لتأكيد الموت دماغيا
على الرغم من ندرتها ، إلا أن بعض الأشياء يمكن أن تجعل الأمر يبدو كما لو أن شخصًا ما مات دماغًا.
وتشمل هذه الجرعات الزائدة من المخدرات (خاصة من الباربيتورات) وانخفاض درجة حرارة الجسم الشديدة ، حيث تنخفض درجة حرارة الجسم إلى أقل من 32 درجة مئوية.
يتم إجراء عدد من الاختبارات للتحقق من موت الدماغ ، مثل تسليط شعلة في كلتا العينين لمعرفة ما إذا كانت تتفاعل مع الضوء.
هل الميت دماغيا يفتح عيونه؟
الموت دماغيا هو فقد السيطرة على الوظائف الحيوية والاساسية لحياة المريض، لذلك، عند حدوث موت دماغي، يعني حدوث فقد لأداء الوظائف بشكل كلي ونهائي.
هل المتوفي دماغيا يرجع للحياه
كما ذكرنا سابقا، الجسد يعتمد اعتمادا كليا على وجود الدماغ لأداء الوظائف الحيوية الأساسية،
ومجرد حدوث خلل أو اصابة بسيطة فإن ذلك يسبب أزمات وأمراض خطرة وتهدد حياة المصاب، لذلك،
فإن الموت الدماغي هو فشل الدماغ في إداء وظائفه بشكل نهائي بدون وجود أي فرصة لإعادته إلى سابق عهده.