الحلم هو بشكل أساسي تجربة إنسانية تمثّل ظاهرة غير محدودة بزمان أو مكان، وقد حاول الإنسان منذ آلاف السنين فهمها وتكوين النظريات حولها بهدف إعطائها معنى، حيث أولت الحضارات القديمة اهتماماً كبيراً للأحلام، فكان الحلم يتم تفسيره بمعانٍ عديدة تختلف باختلاف الثقافات القديمة وتنوعها، ففي بعض الحالات تم اعتبار الحلم أحياناً بمثابة تحذيرات ورسائل من الآلهة أو الكيانات الإلهية، وفي بعض الحالات تم اعتبار الأحلام كدليل على وجود الأرواح الشريرة أو وسيلة للتنبؤ بالمستقبل أو للاتصال مع الموتى أو للسفر خارج الحدود المادية للجسد، ولهذا كان يُعتقد أن الأحلام ظواهر مهمة وقوية في ذات الوقت.
في القرنين التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أعطت محاولة الأطباء لاستكشاف المشهد العاطفي المعقد الناتج عن التجارب الإنسانية اهتماماً وأهميةً للأحلام، حيث ذكر (سيغموند فرويد) أن الأحلام هي تعبير ضروري يقوم به العقل اللاواعي، ووسيلة للعقل الواعي لاستكشاف المشاعر والرغبات المكبوتة، أما نظرية (كارل يونغ) فتقول بأن الأحلام تعطي وسيلة لحل النزاعات بين العقل الواعي واللاواعي للفرد، تلك النزاعات التي تعكس حالة التوتر الناجمة عن الشعور الداخلي للفرد حول نفسه وشعوره بنفسه في المجتمع، مما يساعد على إعادة التوازن إلى شخصيته، وبحلول منتصف القرن العشرين، انخرط العلماء في دراسة الآليات المعرفية والعصبية للحلم، والذي كان جزء من دراسة أوسع قاموا بها حول موضوع النوم، أما اليوم فقد تمكنت التكنولوجيات الجديدة من مراقبة واستكشاف حالة الحلم بطرق جديدة تماماً.
ولكن مع هذا يبقى الحلم لغزاً عميقاً في العديد من النواحي، فعلى الرغم من الاكتشافات العلمية المتواصلة والهامة، ما يزال هناك نقص في النظريات التي تحكم الأحلام، فحتى الآن لم يوفر لنا العلم الإجابة الشافية على السؤال الأساسي: لماذا نحلم؟ كما أن العلم لم يكشف لنا الميكانيكا الدماغية التي تجعل الأحلام تحدث أيضاً، لذلك إليكم بعضاً من أحدث النظريات التي توصلت إليها العلوم حول السبب الذي يجعلنا نحلم، وآليات الحلم التي تقود هذه الحالة في الدماغ.
إذا ما نظرنا إلى الحلم بشكله الأساسي و البسيط، سنجد أنه في الأساس عبارة عن مجموعة من الصور والانطباعات والأحداث والعواطف التي نعيشها جميعاً أثناء النوم، أحياناً تمتلك الأحداث في الحلم علاقات مترابطة وقوية، تحتوي على شخصيات وحبكة روائية، وأحياناً أخرى تكون الأحلام أكثر انطباعية وتجريداً، حيث تتمثل بشكل عواطف أو صور مرئية غير مترابطة.
إن الكيفية والسبب اللذان يجعلان الأحلام تحدث في المقام الأول لا يزالان محل للجدل والنقاش، ولكن هناك بعض التفاصيل التي نعرفها عن الحلم، فنحن نعرف مثلاً أن الإنسان عادة ما يقضي حوالي الساعتين أو أكثر من نومه وهو يحلم، وخلال هذه المدة يرى ما بين 3 إلى 6 أحلام منفصلة، وعلى الرغم من أن طول الأحلام يمكن أن يختلف إلى حد كبير، ولكن يبدو أن معظم الأحلام تأخذ ما بين 5-20 دقيقة، كما أن الغالبية العظمى من الأحلام التي نشاهدها لا نستطيع تذكرها أبداً، حيث أن ذكريات الأحلام عادة ما تتلاشى بسرعة كبيرة بعد أن نستيقظ، ولكن السبب الذي يجعلنا نتذكر أو لا نتذكر أحلامنا، لا يرتبط بطول مدة الحلم.
إن قدرة الفرد على تذكر أحلامه تختلف بشكل كبير باختلاف الأشخاص، حيث أن هناك بعض الأشخاص الذين يستطيعون تذكر أحلامهم بصورة منتظمة، وعادة ما يتذكرون أيضاً قدر كبير من تفاصيل الأحلام، في حين أن البعض الآخر قد لا يتذكر سوى بعض الذكريات الضبابية عن المواضيع أو الشخصيات التي كانت توجد في الحلم، والبعض لا يتذكر الأحلام على الإطلاق، وهناك العديد من التفسيرات التي يمكن أن تبيّن السبب الذي يجعل بعض الأشخاص أكثر أو أقل قدرة على تذكر الأحلام، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن استدعاء الحلم قد يكون مرتبطاً بأنماط مختلفة من النشاط الدماغي، كما تشير أبحاث أخرى إلى أن استدعاء الحلم قد يتأثر بشكل كبير بالطريقة التي نميل فيها لتكوين الروابط مع الأشخاص الآخرين في حياتنا، وأخرى تشير إلى أن تقلبات مستويات الهرمونات أثناء الليل قد يكون لها أيضاً دور في استدعاء الحلم، حيث أن مستويات هرمون الكورتيزول أثناء النوم الذي يتميز بحركة العين السريعة (REM) – وهي المرحلة التي تحدث بها الأحلام عادة – تكون مرتفعة، وهذا يمكن أن يسبب تداخلاً في الاتصالات بين مناطق الدماغ التي تشارك في تعزيز الذاكرة.
عادة – ولكن ليس دائماً – يحدث الحلم أثناء مرحلة النوم الذي يتميز بحركة العين السريعة (REM)، حيث تتميز هذه المرحلة من النوم بمستويات عالية من النشاط الدماغي، وذلك على غرار ما يحدث أثناء حالة اليقظة، وقد بينّت الأبحاث أن الأشخاص البالغين يقضون ما يقرب من 25 % من وقت نومهم في مرحلة نوم حركة العين السريعة (REM)، وهذه المرحلة غالباً ما تحدث في الساعات المبكرة من الليل والفترات الأولى من الصباح الباكر، والجدير بالذكر بأن مرحلة نوم حركة العين السريعة (REM) هو أحد أجزاء دورة النوم العادية التي تضم أيضاً العديد من المراحل الأخرى من النوم الخالي من حركة العين السريعة (NREM)، حيث تتضمن دورة النوم ثلاث مراحل، تتمثل المرحلة الأولى والثانية منها بالنوم الخفيف أما الثالثة فتكون مرحلة النوم العميق، والحلم يمكن أن يحدث خلال أي مرحلة من مراحل النوم، ولكن تشير البحوث إلى أن آليات الحلم الدماغية وتجربة الحلم بحد ذاتها تختلف بشكل لافت بين مرحلتي النوم (REM) و (NREM)، حيث يبدو أن الأحلام أثناء الـ(REM) تكون إلى حد كبير أكثر ميلاً إلى الواقع، وذات حبكة روائية مقنعة.
هناك سمة هامة تتميز بها مرحلة نوم حركة العين السريعة (REM)، وهي حالة تعرف باسم وَنَى النوم (REM atonia)، وهذه الحالة تؤدي إلى تجميد معظم العضلات وتجميد ردود الفعل الرئيسية في الجسم، ويصاب الجسم حينها بنوع من أنواع الشلل، وهذا يحدث على ما يبدو كاستجابة وقائية للطبيعة المشحونة عاطفياً وجسدياً التي يمر بها الفرد خلال الحلم، لذلك فإن شلل النوم يمنع النائم من القيام بأي رد فعل جسدي تجاه الأحلام، ولكن يبقى أمر الاستيقاظ أثناء حالة الشلل النومي أمراً ممكناً، إلّا أن هذا يمكن أن يكون تجربة مخيفة للغاية، لاسيّما في المرة الأولى التي يحدث فيها، حيث أنه عند التعرض لمثل هذه الحالة، يكون الشخص غير قادر على التحدث أو الحركة لفترة وجيزة من الزمن، كما أن الاستيقاظ أثناء مرحلة الشلل النومي قد يكون علامة على أن الجسم لا يستطيع القيام بالتنقل بين مراحل النوم بشكل سلس، وهذا يمكن أن يكون ناتجاً عن التعرض للإجهاد، أو الحرمان من النوم، أو نتيجة لاضطرابات أخرى قد تحدث أثناء النوم بما في ذلك الخدر، فضلاً عن أن الآثار الجانبية للأدوية أو الإفراط في استهلاك المخدرات أو الكحول يمكن أن تؤدي إلى الاستيقاظ في مرحلة الشلل النومي أيضاً.