يعاني ما بين 1% و 2% من الأشخاص حول العالم من اضطراب الشخصية الحدي، أو ما يعرف بـ(BPD)، وتكون النساء معرضات للإصابة به أكثر بثلاث مرات من الرجال، وغالباً ما يرتبط هذا الاضطراب بأمراض عقلية آخر، مما يعني أنه يمكن أن يساء تشخيصه بسهولة، فهو يمكن أن يختبئ تحت عباءة الاكتئاب، القلق، واضطراب ثنائي القطب، وقد يكون وراثياً، أو قد ينتج عن التعرض لصدمة، وقد يكون أيضاً ناتجاً عن كلاهما، وقد لا يكون ناتجاً عن أي منهما.
من الصعب تقديم تعريف طبي بسيط للـ(BPD)، ولكن يمكن تلخيصه بكلمتين: “اللاعقلانية المزمنة”، فالمصاب به يُظهر عوارض مثل تقلب المزاج الحاد والاندفاع وعدم الاستقرار، والكثير من الغضب المتفجر.
يشعر الشخص المصاب بالـ(BPD) وكأنه شخص غريب في حفل عشاء، يشاهد اللغو والضحكات، وينظر إلى الأشخاص المبتسمين ويفكر: لماذا لا أستطيع أن أكون منهم؟
هذا المرض يجعلك تتوه في حلقة من الكراهية وعدم الثقة بالنفس، وعلى الرغم من أنك قد تشعر بأن هناك شيء غير صحيح في داخلك، إلّا أنه وبمجرد أن يخبرك شخص ما بذلك، فإنك تبدأ بالتساؤل عن السبب.
هناك دائماً ذلك الشعور الخانق من العزلة، ذلك الشعور الذي يجعلك تعتقد بأن أكثر الأصدقاء الداعمين لك يسعون لأذيتك أو السخرية منك وراء ظهرك، وهذه هي بالضبط مأساة الأشخاص المصابين بالـ(BPD)، حيث أنه يؤثر على الايمان بالذات ويحول الشخص إلى شخص آخر تماماً، كما أن الكره الذاتي الذي يشعر به المصاب بالـ(BPD) يكون كبيراً لدرجة أنه قد يعكس انعدام الأمن العاطفية لديه على من حوله.
بطبيعة الحال، فإن هذه الأعراض تجعل من الصعب على الشخص المصاب بالـ(BPD) الحفاظ على علاقاته، فمزيج عدم الشعور بأي شيء على الإطلاق والإحجام عن كل شيء لا يجعل الكثيرين يستطيعون البقاء بالقرب من المصاب به لفترة طويلة، فالـ(BPD) يجعل المصابين به انتقاديين بطريقة لاذعة، ويطلقون كلاماً جارحاً من أفواههم، وصدقوني، لا يمكن للكثيرين أن يغفروا هذا إذا ما تكرر كثيراً، حتى أحباؤكم.
غالباً ما يصف الأشخاص الـ(BPD) بـ”عدم الشعور”، ولكن بالنسبة للمريض، فالأمر يبدو أشبه بالتذبذب بين منطقتين من اللاشيء وكل شيء، فهو يشبه الوقوف في منتصف حوض فارغ للسباحة، لا شيء سوى مساحة فارغة من البلاط الأزرق المرتص بجانب بعضه، ليمتلء ذلك الحوض فجأة ويغرق الشخص الواقف في منتصفه، لذلك فإن الأمر أشبه بالـ”تحول”، أو توقف عمل آلة عن العمل في لحظة غير مرئية.
هذا التذبذب العشوائي هو ما يجعل الآخرين يجدون الأشخاص المصابين بالـ(BPD) غير قابلين للتواصل – وخاصة بالنسبة للمقربين منهم- لأنهم بالظاهر يبدون وكأنهم أشخاص عنيدين، ولكن وكجميع الأمراض العقلية، فمن المفترض التعامل مع هذا المرض بالصبر والتعاطف، إلّا أنه ولسوء الحظ، وتماماً كالاكتئاب أو الهوس الخفيف، فإن المسؤولية غالباً ما تقع على عاتق الشخص الذي ليس بالضرورة في وضع يمكّنه من المساعدة أو الفهم، وذلك بغض النظر عن مقدار اهتمامه بالمريض، مما يجعل كلا الطرفين يشعران بالعزلة.
يمكن أن يخرج الـ(BPD) أسوء ما في الشخص، ويجعله يتعامل مع من حوله بطريقة شيطانية وبغيضة، وهنا يمكن تشبيه الـ(BPD) بالمكبر الذي يسلط الضوء على الشقوق التي توجد في درع كل شخص، ولكن وللأسف فإن التلفظ بتلك الكلمات التي قد تكون مؤذية جداً في بعض الأحيان، لا تعطي أي شعور بالارتياح للمريض، بل تتحول إلى مونولوج داخلي من تبادل الاتهامات الشخصية وكراهية الذات.
إنه مرض مبهم، يجعلك تشعر بأنك شخص لا يمتلك هوية، تنتقل بين الأشياء والأشخاص والعواطف باستمرار، وعلى الرغم من أنه في الظاهر يجعلك تبدو كشخص جريء، إلّا أنه في الواقع، يجعلك شخصاً لا يمتلك شعوراً بالذات، وأحياناً كثعبان يسلخ طبقات لا نهائية من جلده.
من المؤسف أنه لم يتم مناقشة اضطراب الشخصية الحدي كما يجب، على الرغم من أنه أمر ضروري، فالعديدون يصمون الشخص المصاب بالـ(BPD) بالخبيث، حيث يتهم الآخرون الأشخاص الذين يعانون منه بأنهم يستخدمونه بمثابة عكاز أو ذريعة للتصرف بشكل خاطئ، وهذا لا يدفع المصابين به سوى للدخول عميقاً في عزلتهم مما يفاقم من الأعراض والألم، ولكن المحادثة يمكن أن تبدد الكثير من الأذى.
لحسن الحظ، يمكن علاج اضطراب الشخصية الحدي باستخدام العلاج الدائم، والوعي الذاتي، والدعم، لذلك، ليس من الضروري أن يصاحب هذا المرض صاحبه مدى الحياة مثل الاكتئاب أو القلق، ولكن مثل جميع أنواع الأمراض العقلية، فإن هذا يتطلب بعض الحب من الأصدقاء والغرباء، ومن المريض أيضاً، غير أن الشيء المحطِم هو أن الـ(BPD) يجعل من الصعب على الحب الاقتراب من المصابين به.