ما حققته قطر في مجال الصحة يثبت الإمكانيات العربية في مجال البحث العلمي

فريق التحرير
الدكتور ليث أبو رداد، أستاذ علوم الصحة السكانية وكبير الباحثين في مجموعة وبائيات الأمراض المُعدية في وايل كورنيل للطب – قطر

تمتلك قطر إحدى أفضل القواعد البيانية الخاصة بهذه الجائحة ما أتاح للباحثين إنجاز أكثر من عشرين من اكتشافات الصفوف الأمامية لجائحة (كوفيد-19) ونشرها في مجلات علمية مرموقة

يؤمن الدكتور ليث أبو رداد، أستاذ علوم الصحة السكانية وكبير الباحثين في مجموعة وبائيات الأمراض المُعدية في وايل كورنيل للطب – قطر، الجامعة الشريكة لمؤسسة قطر، أن سهولة الحصول على الموارد والدعم الكبير من قِبل الدولة هي من أهم المزايا التي يمتلكها الباحثون في قطر، التي ساهمت بشكل رئيسي في تمهيد الطريق وإرساء قاعدة راسخة لمواجهة تحدِ مفاجئ وغير مسبوق كجائحة (كوفيد-19).

ووصف الدكتور أبو رداد تفشي جائحة كوفيد-19 بالفرصة الاستثنائية من حيث توقيت حدوثها حيث قال: “أتاحت لنا تلك الفرصة الاستفادة مما بنيناه على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، حيث أصبح لدينا برنامجًا علميًا متماسكًا وكوادر مدرّبة ومؤهلة للعمل بالمجال البحثي، بالإضافة إلى العلاقات الوثيقة التي تكوّنت على مدار السنوات مع الحكومات في الوطن العربي ومنظمة الصحة العالمية نظرًا لطبيعة الأبحاث التي نقوم بها المتعلقة بمجال الصحة العامة”.

أردف: “لذلك عندما أُعلن عن تفشي الجائحة كنا على أهبة الاستعداد للمواجهة، وكان هناك اهتمام كبير من القيادات الصحية في قطر لمواجهة الوباء بكفاءة وبأقل خسائر بشرية ممكنة، وبصورة لا تؤثر على المجتمع واقتصاد الدولة”. وقام الفريق الذي شكله الدكتور أبو رداد في وايل كورنيل للطب – قطر بقيادته بالعمل مع وزارة الصحة العامة في قطر، ومؤسسة حمد الطبية لإعداد قاعدة بيانية متطورة وشاملة حول البيانات المتنوعة الخاصة بالوباء لتمكين الباحثين من إجراء الدراسات العلمية المتعلقة بوباء (كوفيد-19). وكان هناك دعم هائل من المسؤولين في وزارة الصحة العامة في قطر ومؤسسة حمد الطبية من حيث توفير الموارد البشرية والمادية المطلوبة لإنجازها.

وفقًا لدكتور أبو رداد، تمتلك قطر حاليًا واحدة من أفضل القواعد البيانية وأنظمة المراقبة الخاصة بـ(كوفيد-19) على مستوى العالم، والتي تشمل إجمالي سكان دولة قطر وتطبق أفضل معايير رصد البيانات والبروتوكولات المتّبعة مثل تقييم مدى خطورة كلٍ من الحالات المُصابة بـ(كوفيد-19) على حده، وفقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية.. يقول الدكتور أبو رداد: “تعتبر قطر البلد الوحيد في العالم التي قامت باتّباع تلك المعايير لتقييم مدى خطورة الإصابة بـ(كوفيد-19) منذ اليوم الأول للجائحة وحتى يومنا هذا، حيث واجهت البلدان الأخرى العديد من التعقيدات فيما يتعلق باتباع معايير المراقبة الفعّالة بمرور الوقت، بينما أتاحت لنا القاعدة البيانية التي أثمر عن تصميمها ذلك التعاون المحلي إنجاز ما يقرب من مائة دراسة، بما في ذلك أكثر من عشرين من اكتشافات الصفوف الأمامية لجائحة (كوفيد-19). وقد كنا أول فريق في العالم يقوم بإنجاز تلك الاكتشافات التي نشرت في أهم المجلات العلمية المرموقة مثل نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين، وهي أهم دورية علمية متخصصة في الطب في العالم، وتم نشر تلك الأبحاث نظرًا لإجابتها عن أسئلة محورية تتعلق بالجائحة. كما نشر الفريق 13 دراسة في مجلة نيو إنغلاند الطبية، وهو إنجاز غير مسبوق في التاريخ الحديث للعلوم الطبية في العالم العربي. حيث لم تُنشر سوى دراسة واحدة فقط من العالم العربي في هذه المجلة قبل ما تم نشره من دراساتنا حول (كوفيد-19)”.

وظّف الدكتور أبو رداد ولعه بالرياضيات والإحصائيات الذي بدأ منذ الصغر ونما على مدار حياته في تطبيقات الطب، فطالما سعى للتوصل إلى المعادلة المثلى التي يضمن من خلالها ممارسة هواياته واتباع شغفه بالأرقام، وتكريس ذلك الشغف في التوصل إلى نتائج علمية تطبيقية مؤثرة في مجال الصحة العامة. ومع تطور الطب إلى مجال يحتاج إلى تحليل كم هائل من البيانات لاستنتاج المعلومات خلال أيام قليلة، فقد وجد الدكتور أبو رداد ضالته في اختصاص وبائيات الأمراض المعدية الذي يجسر الرياضيات والإحصاء مع الطب.

درس الدكتور أبو رداد وحصل على الدكتوراة من الولايات المتحدة الأميركية، وطالما كانت لديه الرغبة في العودة للوطن العربي في مرحلة ما. من هنا تنامى اهتمامه ببحث الأمراض التي لا تحظى بالاهتمام والبحث الكافيين في الوطن العربي، مثل مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، حيث بدأ سلسلة أبحاث حول مرض الإيدز على مدار 15 عامًا ومازلت مستمرة، وكذلك بدأ بحثه حول التهاب الكبد الوبائي فيروس سي، نظرًا لانتشاره بكثافة في المنطقة. ويقول الدكتور أبو رداد: “إن الإنجازات البحثية التي قدمتها وايل كورنيل للطب – قطر حول مرض نقص المناعة المكتسبة، وفيروس سي، والأمراض الجنسية المنقولة، تجعلنا الفريق الرائد في العالم العربي فيما يتعلّق بتلك القضايا الصحية العامة”.  

أشار الدكتور أبو رداد إلى التزام قيادة البلاد، والتمويل الذي توفره قطر للأبحاث، مثل تمويل الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، باعتبارها إحدى نقاط القوة التي تتمتع بها قطر التي تسمح بازدهار بيئة البحث والابتكار. حيث يقول: “قد يصعب مقارنة تمويل الأبحاث في قطر بالدول الأخرى في العالم العربي التي قد يتعذر عليها تمويل الأبحاث بنفس القدر، وقد لا تمتلك ذات الالتزام من جانب قياداتها لبناء مجتمع علمي مزدهر. وهذه إحدى المزايا التي يتمتع بها الباحثون في قطر”.

يتطلّع الدكتور أبو رداد لإنتاج المزيد من الأبحاث، وتدريب الكوادر العلمية في المستقبل، حيث يقول: “لدينا حاليًا  قرابة المائة متدرب على البحث العلمي ضمن برامجنا من مختلف المستويات من الطلاب، والحاصلين على الماجستير، والدكتوراه، وكذلك متدربين ما بعد الدكتوراه، وعمل بعضهم بعد انتهاء فترة التدريب في وزارة الصحة، وبعضهم الآخر في مؤسسة حمد الطبية، وسدرة للطب،  وجامعة قطر، ، وآخرين في الخارج مثل جامعات هارفارد والجامعة الأمريكية ببيروت، فبرامج التدريب تسهم في تعزيز ثقافة العلم وتزود المجتمع بأفراد قادرين على إنتاج أبحاث علمية يمكنها تحسين الصحة والمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية  للبلاد”.

شارك المقالة