كثرت بل وتكاثرت الأفكار العلمية والأدبية ما بين فلجان قهوتى ومحبرتى، فاحتار قلمى بين هذه وتلك واذا به يخط كلمات أرى أنها ذات أهمية كبيرة عند القاصى قبل الدانى، كلمات وثقت حروفا أرى أنها ذهبية فى معناها حيث تمثلت فى هذه العبارة ” ان المرء دائما يرى فى الأخرين كل أو بعض خصاله “. نضحت المحبرة بما فيها من حبر ونضح فلجان القهوة بما فيه من قهوة ومن ثم فان الوعاء البشرى لن ينضح الا بما فيه من خصال. نضوح بشرى ترجمه السلوك الكائن اما فى صورة فعل أو فى صورة قول، فالكائن البشرى لن يتلفظ الا بكل ما يصف طبيعته كما أنه لن يفعل الا كل ما ترسخ فى الوجدان من شعور واحساس.
فلجان قهوتى
يحتل فلجان القهوة أهمية كبيرة في الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية، فكثيرا ما تجده فى المآتم والأفراح يدور دورانا مستمرا وسريعا على كل الحاضرين لهذه المناسبات السعيدة منها والحزينة. ولكن لما القهوة بالذات؟ أهو لوجود مادة الكافيين بالقهوة أم للنكهة المميزة لهذه القهوة، أعتقد أن الأمر يتعلق بكل من هذه المادة وتلك النكهة. ومن حيث النكهة، كان لرائحة القهوة أثر عظيم فى تخفيف التوتر خاصة إذا كان التوتر ناجم عن قلة النوم، ذلك وفقا لدراسة علمية أجريت في جامعة سيول الوطنية والتى تم فيها تعريض مجموعة من الفئران المحرومة من النوم لرائحة القهوة. لم تتوقف الدراسة على النكهة القهوية ولكن كان للقهوة نفسها بما تحتوية من مادة الكافيين تأثير عظيم على الحماية من خطر الإصابة بالاكتئاب من خلال تعزيز إنتاج بعض الهرمونات مثل السيروتونين والنورادرين، هذا ما تمخضت عنه دراسة أخرى من جامعة هارفارد للصحة العامة. هذا ما كان من فلجان القهوة الذى لم يترك مائدة أصحاب العلم والفكر لما فيه من ركيزة أساسية فى تنشيط الخلايا العصبية اعتمادا على عمل المادة القهوية على تحفيز عملية إنتاج بعض الهرمونات مثل الدوبامين ومن ثم العمل على تحسين مستوى الذاكرة، ومعدل الأدراك وسرعة رد الفعل، بل والتفكير المنطقي. نضح فلجان القهوة بكل أو بعض خصاله هكذا سيكون نضوح الفلجان البشرى بكل أو بعض خصاله.
محبرتى
احتوت المحبرة على حبر الكتابة الذى امتزج به لسان قلمى فصاغ كلمات العلم والفكر المتوارثة عبر سنون التاريخ المتعاقبة. احتسى القلم بعضا من حبر المحبرة وشيد المعادلة الكيميائية لخصال الكائن البشرى والتى كان مفادها أن المرء يرى فى الأخرين خصاله، بمعنى أن صاحب الخلق السئ والغير أمين يرى دائما فى الأخرين هذه الخصال، فالخائن يتعامل مع الكل من منطلق مبدأ الخيانة والعكس صحيح فالوعاء البشرى دائما ما ينضح بما فيه. فلم يستطع القلم أن يلتقط الا ماكان فى المحبرة من بقايا حبر للخيانة المكونة من عناصرها التى كان منها انعدام البصر والبصيرة وديمومة الشعور بالعجز والنقص أمام الأخرين المنتجة بدورها الى ضرورة سد هذا العجز باستظهاره فى الأخرين حتى يصبح الكل مصاب ومدان. ولما انتهى ما كان فى المحبرة من حبر الخيانة، طهرنا المحبرة وأضفنا اليها بعضا من حبر الأمانة لدرجة أن القلم لم يجد أمامه غير صياغة كلمات الأمانة، فالمرء كالمحبرة لا تنضح الا بما فيها من خصال الخير أو خصال الشر، فأفعال وأقوال المرء ما هى الا القلم الذى يسجل خصاله سواء كانت معبأة بالخير أو مغمورة فى مستنقع الشر. وفى كل الأحوال ما هى الا معادلات كيميائية ( طردية أو انعكاسية) يسطرها المرء بنفسه عن نفسه وعن الأخرين الذين لن يراهم الا من خلال نفسه التى قد يغلب عليها شرها أو قد يتغلب عليها خيرها ، فمرآة المرء لن تدها الا فى الأخرين، يرى محاسنه ومحاسنهم ان كان سليم البصر والبصيرة ويراهم مرضى ومخطئين ان كان عليل البصر والبصيرة. هذه هى المحبرة وهذا هو فلجان القهوة وهذا هو الوعاء البشرى الكائن فى المرء.