أعلن الباحثون يوم الثلاثاء الماضي عن اكتشاف كوكب كيبلر-186F, و هو كوكب شبيه بالأرض, لا ينتمي لمجموعتنا الشمسية, ويقع مداره في فضاء صنفه العلماء بأنه قابل للحياة. فهل يمكن أن يقربنا هذا من اكتشاف حياة في الكون؟
ليس منذ زمن بعيد, كانت الكواكب الوحيدة التي كنا متأكدين من وجودها هي تلك التي تدور حول شمسنا، ولكن خلال العشرين سنة الماضية, قام الفلكيون باكتشاف أكثر من ألف كوكب يقبع خارج نطاق مجموعتنا الشمسية, عوالم بكاملها تدور حول نجوم أخرى. و عند الأخذ بعين الاعتبار بأن هذه الكواكب كلها تقع في نطاق مجاور لمجموعتنا الشمسية بنفس المجرة, بصبح من الواضح لنا أن مجرتنا لوحدها تستضيف ملايين الكواكب.
(لم يعد خبر اكتشاف كوكب جديد خارج مجموعتنا الشمسية بالأمر المثير للاهتمام, و هذا شيء محبط حقاً. إذ إننا نعثر على أجسام صغيرة في مجموعات شمسية أخرى بعيدة عنا، بعيدة لدرجة أن شموس هذه المجموعات تبدو لنا نقطة مضيئة صغيرة، وعلى الرغم من أن هذا شيء رائع، إلا أننا نصاب بالملل من أخبار اكتشاف الكواكب الخارجية, لكوننا قد اعتدنا على الثروة و السعادة.)
في الحقيقة فإن الهدف الأساسي من وراء اهتمامنا المستمر في الفضاء هو اكتشاف كوكب مماثل للأرض, الهدف الذي لم نستطع تحقيقه حتى الأن، ولكن هذا الهدف أصبح قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه, حيث أعلنت مجموعة من العلماء في يوم الثلاثاء الماضي عن اكتشافهم لكوكب أكبر بقليل من حجم أرضنا, يدور في مجموعة شمسية قابلة للحياة، وكون الماء هو العنصر الأساسي لوجود الحياة على الأرض, لذا فإن النطاق القابل للحياة هو عبارة عن نطاق محدد في النظام الشمسي، حيث تكون كمية الحرارة التي يتلقاها الكوكب من النجم المشع المضيف له، دافئة لتكفي لإبقاء الماء على الكوكب بحالته السائلة، وباردة لدرجة لا تجعل الماء يتبخر. حجم النطاق القابل للحياة يعتمد على درجة حرارة النجم المشع: فنجم متوسط الحجم و ذو لون أصفر مثل الشمس لديه نطاق حياة كبير, بينما نجم أحمر صغير الحجم لدي نطاق حياة أصغر.
اكتشاف معظم الكواكب الخارجية تم عن طريق ملاحظة الانخفاض البسيط لمستوى الضوء القادم من النجوم المشعة المضيفة، حيث ينخفض مستوى الضوء أثناء مروره الكوكب أمام النجم المشع مباشرة. و يدعى المصطلح العلمي لهذه الظاهرة “العبور”, وهو نفس مبدأ الكسوف الشمسي, فكما أن مرور القمر بين الأرض و الشمس، يحجب معظم الضوء الصادر عن الشمس بمواجهة الأرض.، ذات المبدأ يطبق في حالة “العبور”، والفرق في حالة الكواكب الخارجية أنها تحجب قسط يسيراً فقط من ضوء النجم, ويقيس العلماء حجم الكواكب بناء على مقدار الضوء المحجوب، وبالمقابل فإن حجم الكوكب يخبرنا فيما إذا كانت بنية الكوكب صخرية مثل الأرض أو غازية مثل الكواكب العملاقة (المشتري, نيبتون,…).
تم اكتشاف الكوكب المعروف رسمياً باسم كيبلر-186F عن طريق تقنية العبور, حصل هذا الكوكب اسمه لأن اكتشافه كان عن باستخدام مرصد كيبلر الفضائي, بينما جاء الحرف (F) لأنه الكوكب الخامس في بعده عن النجم. قطر كوكب كيبلر-186F أكبر من قطر الأرض بحوالي 11% ,بما معناه أن سطحه أكبر من الأرض بحوالي 25%، بناء عليه فإن كوكب كيبلر-186F يعد الأخ الأكبر للأرض و ليس توأمها.
بشكل عام، فإن عدد النجوم الحمراء الصغيرة (وهي نجوم تشبه الشمس ولكنها أصغر) في الكون، يزيد عن عدد الشموس الصفراء الأكبر حجماً, و كوكب كيبلر-186F يقع مداره في نطاق أحد النجوم الحمراء الصغيرة, هذا يدل أنه ليس مماثلاً تماماً للأرض, حيث أن مداره كيبلر صغيرة وهو أصغر من مدار كوكب عطارد في نظامنا الشمسي. و قطر نجمه المشع أقل من نصف قطر شمسنا, أي أن الضوء المنبعث من نجمه أقل بكثير من الضوء المنبعث من شمسنا, وهذا يعني أن الكوكب يتلقى ما يقارب ثلث الضوء فقط الذي تتلقاه الأرض. و مع ذلك فهذا يكفي لتدفئة الكوكب و جعله في نطاق قابل للحياة.
و السؤال الذي يطرح هنا: هل يحتوي كيبلر-186F على مياه سائلة؟ و هل يمكن أن تزهر فيه الحياة ؟
للإجابة على السؤال السابق، يجب علينا الاجابة على اسئلة أكثر تعقيداً، فإذا أخذنا بعين الاعتبار الكواكب المشابهة للأرض في مجموعتنا الشمسية, مثل كوكب الزهرة, نرى أنه نظرياً يقع في النطاق القابل للحياة, وهو يصغر الأرض بمقدار ضئيل جداً, و مع ذلك فإن غلافه الجوي سميك جداً و يتألف في معظمه من غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يسبب احتباساً حرارياً, إضافة إلى أنه مغطى بالغيوم بنسبة 100% طوال الوقت. جميع هذه العوامل تجعل سطح الكوكب ساخناً لدرجة يمكنه فيها إذابة الرصاص على مدار العام. و هذا يجعله غير شبيه بالأرض من ناحية قابلية الحياة عليه.
من جهة أخرى فالمريخ أصغر بكثير مقارنة من الأرض مع غلاف جوي أرق من غاز ثاني أوكسيد الكربون, ولكن سمحت له الظروف فيما مضى على الأقل بتكوين بعض المياه على سطحه, و هذا السبب الذي جعلنا نولي هذا الكوكب الأحمر كل ذلك الاهتمام بحثاً عن الحياة فيه, حتى لو كان اقل شبهاً بالأرض من الزهرة بكثير من النواحي. حتى الأن يبدو المريخ هامداً, ولكن الباحثون لم يفقدوا الأمل منه بعد. و لجعل الأمور تبدو أكثر تعقيداً, يبدو أن أفضل أمل للحياة ضمن المجموعة الشمسية قد يكون على الأقمار أوروبا وإنسيلادوس التي تمتلك محيطات من المياه السائلة تحت أسطحتها المتجمدة, و هي تقع في مدارات المشتري و زحل على التوالي, ولكنها تقبع بعيداً جداً عن النطاق القابل للسكن, حيث أن حرارتهم الداخلية تأتيهم من الجاذبية أكثر مما تأتي من الأشعة التي يتلقونها من الشمس.
بناء على ما سبق لكي نعرف فيما اذا كان كيبلر-186F كوكب قابل للحياة، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الكثير من الاحتمالات, مثل إن كان يملك غلافاً جوياً مشابهاً للأرض يساهم في إبقاء سطحه دافئاً بالحد المعقول, أو إن كان يحتوى على مياه سطحية, قسم منها -على الأقل- بالحالة السائلة. وبلإضافة إلى كل تلك الاحتمالات, فإننا للأسف, لا نستطيع أن نعرف ما هي التركيبة الكيميائية للغلاف الجوي لهذا الكوكب, و لا يمكننا معرفة ما هو نوع الهواء الموجود على كيبلر-186F هذا إن وجد.
إن جميع ما سبق لا يعني انقاص أهمية اكتشاف كوكب كيبلر, فالعلم عادةً ما يعمل بخطوات صغيرة و ليس بقفزات عالية. فمع كل كوكب خارجي جديد يكتشف نقترب خطوة من إيجاد توأم الأرض و ربما أثر للحياة في مكان ما من الكون.