هناك مجموعة واحدة فقط من الأشخاص الذين يعلمون حقاً ما يحدث عندما نموت، إنهم الموتى، ولكن بما أن الموتى لن يكشفوا أسرارهم لنا في أي وقت قريب، فإن الأمر متروك للعلماء لشرح ما يحدث عندما يموت الإنسان.
ماذا يحدث للقلب والدماغ والجسم؟ إذا كنت تتساءل ماذا سيحدث لك بعد أن يتم دفنك تحت التراب، استمر بالقراءة.
أولاً: احتضار القلب
بحسب العلماء، فإن الموت كالحياة تماماً، مجرد عملية ممنهجة، والمرحلة الأولى من هذه العملية تعرف بالموت السريري، وهي تستمر من أربع إلى ست دقائق، وتبدأ عند يتوقف الشخص عن التنفس ويتوقف القلب عن ضخ الدم، وخلال هذا الوقت، قد يكون هناك ما يكفي من الأوكسجين في الدماغ لكي يمنع حدوث أي ضرر دائم فيه، أما الأجهزة الأخرى، مثل الكلى والعينين، فهي تبقى حية طوال فترة الموت السريري.
على الأقل، هذه هي وجهة النظر التقليدية للوفاة.
وجدت دراسة تم إجراؤها في عام 2015، كان العلماء خلالها يدرسون نشاط القلب والدماغ لدى الفئران في اللحظات التي سبقت موتها بسبب قلة الأكسجين، بأن أدمغة الحيوانات بعثت بموجة من الإشارات إلى القلب تسببت بإحداث أضرار به لا يمكن إصلاحها، وكانت هي ما تسبب في حدوث الوفاة، ولكن حينما قام الباحثون باعتراض هذه الإشارات، استطاع القلب البقاء لفترة أطول، وبعبارة أخرى، فإن توقف القلوب ليس ما سبب وفاة الفئران، بل النشاط الصادر عن أدمغتها.
تبين أيضاً أنه حتى عندما يتعرض الشخص لسكتة قلبية ويفقد نبضه ولا يعود يظهر أي علامات على الحياة، فإن الدماغ يبقى نشطاً، ففي دراسة سابقة نشرت في مجلة ((PNAS في عام 2013، وجد الباحثون من جامعة ميشيغان في آن أربور أنه عندما يكون القلب في حالة من الاحتضار، يكون هناك الكثير من الإشارات الصادرة من الدماغ إليه، وربما تكون هذه الإشارة هي محاولة يائسة لإنقاذ القلب.
تبعاً للباحثين، فإن هذا الوابل من الإشارات قد يكون المسؤول عن المرور بتجربة الاقتراب من الموت التي يشير بعض الأشخاص بمرورهم فيها، حيث أشار الباحثون أنه عندما يكون القلب والدماغ في حالة من التزامن، يكون هناك طوفان يتضمن أكثر من 12مادة كيميائية عصبية، مثل الدوبامين الذي يولّد مشاعر السرور، والنورادرينالين الذي يسبب مشاعر اليقظة، وهذا الفيضان من المواد الكيميائية يمكن أن يفسر السبب الذي يجعل الأشخاص الذين مروا بتجارب الاقتراب من الموت يصفونها بأنها “أكثر حقيقية من الحقيقة ذاتها”.
ثانياً: موت الدماغ
في المرحلة الثانية من الموت، والمعروفة باسم الموت البيولوجي، تبدأ خلايا الجسم في التدهور، وتبدأ أجهزة الجسم – بما في ذلك الدماغ – بالتوقف، ولكن الجدير بالذكر أن الأطباء يكونون قادرين في بعض الأحيان على تأخير الموت البيولوجي عن طريق تبريد الجسم إلى أقل من درجة حرارته العادية، فهذه الطريقة يمكن أن توقف تدهور الخلايا وقد تم استخدمها لإحياء مرضى السكتات القلبية.
بحسب الدكتور (سام بارنيا)، الأستاذ المساعد في قسم طب الرعاية الحرجة في جامعة ولاية نيويورك في ستوني بروك، فمن الناحية التاريخية، عندما يتوقف قلب الشخص ويتوقف عن التنفس، فإنه يكون ميتاً في جميع المقاصد والنواحي، ولا يكون هناك شيء يمكن القيام به لتغيير ذلك.
ولكن مع ذلك، وخلال عملية كشف أسرار الموت على المستوى الخلوي، علم العلماء أن الموت لا يحدث في لحظة واحدة، ولكنه عملية متدرجة، ففي الواقع، بعد موت الشخص – وفقاً للتعريف الحالي للموت – تبدأ خلايا الجسم بعمليتها الخاصة من الموت.
يضيف (بارنيا)، قد يستغرق هذه العملية ساعات من الزمن، ومن المحتمل أن نكون قادرين على عكس ذلك، فحتى التلف الدماغي الذي يحدث بسبب نقص وصول الأكسجين إلى الدماغ يأتي على مراحل، فعلى الرغم من أن النشاط الدماغي يتأثر بذلك خلال ثوان، ولكن الأمر يأخذ عدة دقائق كي تبدأ الخلايا المحرومة من السكر بالمرور بخطوات موت الخلايا المبرمج.
بحسب الدكتور (لانس بيكر)، وهو أستاذ طب الطوارئ في جامعة بنسلفانيا، فعندما يصبح جسم الشخص محروماً من الأكسجين، فإن هناك مجموعة كاملة من الإشارات التي تبدأ بإخبار الخلايا بأن الوقت قد حان للموت، لذلك فقد يكون لدينا الفرصة لتعديل هذه البرمجة قليلاً فقط، ونجعلها تخبرها بأن تتوقف عن العمل وحسب.
أتت بعض الأفكار عن كيفية وقف عملية الموت من تقارير عن حالة أشخاص تم إعادتهم إلى الحياة مع وجود القليل أو عدم وجود أي تلف دماغي يذكر بعد ساعات من توقف الدماغ والقلب، والسبب الرئيسي في نجاح هذه الحالات – بالإضافة إلى الرعاية الحرجة الجيدة- هو خفض حرارة الجسم، وخفض حرارة الجسم هي الحالة التي يتم جعل درجة حرارة الجسم الأساسية أقل ببضع درجات من درجة الحرارة العادية التي تساوي 98.6 درجة فهرنهايت (37 درجة مئوية).
ثالثاً: توقف الأجهزة
عادة، يتوقف قلب الشخص عن النبض ثم يتوقف الدماغ عن العمل، لكن في بعض الأحيان، ومع القليل من المساعدة، يمكن الإبقاء على عمل القلب حتى بعد توفق الدماغ عن العمل بشكل كامل.
يعتبر الشخص ميتاً دماغياً عندما لا يعود لديه أي نشاط في الجهاز العصبي في جذع الدماغ – أي أنه لا يتم إرسال أي نبضات كهربائية بين خلايا الدماغ- وعادة ما يقوم الأطباء بإجراء العديد من الاختبارات لتحديد ما إذا كان الشخص ميتاً دماغياً، أما في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى، فإن الشخص يعتبر ميتاً من الناحية القانونية إذا ما كان يفتقد بشكل كامل ومستمر لأي نشاط دماغي (الموت الدماغي) أو كان تنفسه ودورته الدموية متوقفان.
بحسب الدكتور (ديانا غرين-شندوس)، وهي أستاذة مساعدة في قسم الجراحة العصبية وعلم الأعصاب في المركز الطبي بجامعة ولاية أوهايو يكسنر، يمكن للنظام الكهربائي داخل القلب أن يبقي على العضو في حالة من العمل لفترة قصيرة بعد أن يكون الشخص قد أصبح ميتاً دماغياً، وفي الواقع، يمكن للقلب أن يستمر في النبض لفترة وجيزة حتى وهو خارج الجسم، ولكن من دون وجود جهاز تنفس صناعي للإبقاء على حركة الدم والأكسجين داخل الجسم، فإن هذا النبض سيتوقف بشكل سريع جداً، عادة خلال أقل من ساعة، أما مع وجود جهاز تنفس صناعي، فيمكن لبعض العمليات البيولوجية – بما في ذلك وظائف الكلى والمعدة- أن تستمر لمدة أسبوع تقريباً.
أكد (كينيث غودمان)، مدير برنامج أخلاق الطب الحيوي في جامعة ميامي، بأن استمرار هذه الوظائف لا يعني بأن الشخص على قيد الحياة، فإذا كان الشخص ميتاً دماغياً، فهو ميت، ولكن مع وجود التكنولوجيا، يمكننا أن نجعل الجسم يقوم ببعض العمليات التي كان يقوم بها وهو على قيد الحياة.
دون الدماغ، لا يستطيع الجسم إفراز الهرمونات الهامة اللازمة للاستمرار بالعمليات البيولوجية – بما في ذلك وظائف الجهاز الهضمي والكلى ووظائف جهاز المناعة – لفترات أطول من أسبوع تقريباً، فعلى سبيل المثال، يعتبر هرمون الغدة الدرقية مهماً لتنظيم التمثيل الغذائي في الجسم، أما الفازوبرسين فهو مهم لجعل الكلى تحتفظ بالماء.
تضيف (غرين-تشندوس)، بأنه غالباً لا يمكن الحفاظ على ضغط الدم الطبيعي -الذي يعتبر أيضاً أمراً حاسماً لوظائف الجسم- دون استخدام أدوية لضغط الدم في حالة الأشخاص المصابين بالسكتات الدماغية.
لا يستطيع الأشخاص المصابين بالسكتات الدماغية أيضاً الحفاظ على درجة حرارة أجسامهم، لذلك، يتم تدفئة الجسم باستخدام البطانيات أو برفع درجة حرارة الغرفة، وفي بعض الأحيان، إدخال السوائل الحارة عبر الوريد إلى الجسم.
رابعاً: الضرر الذي يصيب الجسم
بمجرد أن يصبح موت الشخص حقيقة واقعة بكل المقايس، تبدأ عملية التحلل.
بعد الموت، تسترخي عضلات الجسم فوراً، لأنه لا يعود هناك أكسجين يمر خلال العضلات لإبقائها في حالة من الشد، ولهذا يزداد وزن الجسم كثيراً.
بعض العضلات، وبشكل خاص تلك العضلات الدائرية التي تعرف باسم المصرات، والتي تساعد على إبقاء نفايات الجسم في داخله تسترخي أيضاً، مما قد يؤدي للتغوط أو التبول لدى الشخص الميت.
مباشرة بعد الوفاة يبدأ الجسم بالتخلي عن حرارته، حيث تبرد الجثة في المتوسط بمعدل 0.83 درجة مئوية كل ساعة حتى تصل إلى درجة حرارة الغرفة.
بعد ذلك تبدأ رحلة ازرقاق الجثة، حيث تقوم الجاذبية بسحب الدم داخل الجسم وإجباره على التموضع في أدنى نقطة منه، وهذه العملية هي ما يعطي الجثث لونها الشاحب، وتجعل الشفاه تبدو زرقاء، كما أن الأشخاص الذين يمتلكون بشرة بيضاء يظهرون لطخات من الدم الأرجواني المتخثر حول جانب الجسم الأقرب إلى الأرض.
بعد وقت قصير رقود الدم في الجسم، يتيبّس جسم الميت بالكامل، وهذا يحدث نتيجة عملية كيميائية طبيعية تجعل العضلات تتوتر بشكل متزايد لفترة قد تتراوح بين 24-60 ساعة، وهنا تبدأ الأمور لتصبح أكثر فوضوية، فخلال الأيام القليلة الأولى من الموت، يبدأ الجسم بالتحلل في عملية تعرف باسم النخر، فعلى اعتبار أن نظام الدورة الدموية لا يعمل، فإن الجسم لا يكون قادراً على التخلص من الخلايا الميتة، كما أن ثاني أوكسيد الكربون يبدأ بالتراكم، وترتفع درجة الحموضة في الأنسجة، ونتيجة لهذا تضعف الخلايا وتتحلل أغشيتها محررة ما يوجد في داخلها من أنزيمات وسوائل إلى الأنسجة المحيطة بها، مما يسبب بدوره ظهور تقرحات وتغير في اللون، وهذه العملية تستمر لبعض الوقت.
بعض انقضاء حوالي الأسبوع على الوفاة، تبدأ رائحة الجسم المتعفن بجذب المزيد من الحشرات لتأتي وتضع بيوضها وتغزو الجسم، حيث تقوم ذبابة واحدة بوضع 300 بيضة يمكن أن تفقس خلال يوم واحد، وهذه اليرقات ستبدأ بأكل الأنسجة وتبقى قرب مكان تفقيسها لأسبوع قبل أن تكبر وتستطيع الطيران، والجدير بالذكر أن هذه اليرقات والديدان يمكن أن تستهلك 60% من الجسم خلال أسبوع واحد فقط.
فيما بعد تبدأ عملية التخمر البيوتريكي، كما تبدأ الأعضاء والأنسجة بالجفاف والتشمع.
يتم هضم الأنسجة ببطء من قبل المزيد من أنواع البكتيريا والحشرات والفطريات والطفيليات، وهذه المرحلة تأخذ وقتاً طويلاً قد يصل إلى سنة أو حتى أكثر، وذلك تبعاً لدرجة حرارة المكان الذي توجد فيه الجثة.
بمجرد أن تجف معظم السوائل، تبدأ عملية الاضمحلال، وخلال السنوات التالية، ستقوم مختلف أنواع الحشرات والحيوانات بأكل ما تبقى من الجثة، ويعود ما كان من التراب إلى التراب.