في فيلم كوكب القرود (Planet of the Apes)، يجد رجل نفسه في عالم يحكمه قرود شديدو الذكاء يستعبدون البشر.
بحسب (بيير بول)، مؤلف الكتاب الذي تم نشره في عام 1963 والذي تستند عليه سلسلة الأفلام، فإن قصته الكلاسيكية هذه تندرج تحت بند “الخيال الاجتماعي”.
ولكن، ماذا كان سيحدث إذا ما كان هذه القصة الخيالية أكثر اتساعاً، وشملت جميع أنواع الحيوانات على الكرة الأرضية وليس فقط القردة التي تمتلك ذكاء يشبه ذكاء الإنسان؟ ماذا لو امتلكت جميع الحيوان على الكوكب فجأة نوعاً من الوعي الذاتي لأنفسها؟ هل سيكون هناك نوع يحكم باقي الأنواع الآخرين كما فعلنا نحن البشر؟ أو أننا سنصل إلى مرحلة تعيش فيها جميع الأنواع المتنوعة مع بعضها في نوع من التعايش السلمي والحضاري؟ قد يبدو الأمر وكأنه تجربة فكرية سخيفة – فهو أمر لا يمكن أن يحدث بالتأكيد – ومع ذلك، فإن البحث في هذه المسألة يمكن أن يكشف حقائق مثيرة للاهتمام (والاكتئاب) حول طبيعة الإنسان ومكاننا كنوع مسيطر على كوكب الأرض.
لسوء الحظ، فإن الجواب الافتراضي ليس جميلاً، فبحسب (اينيس كوثيل)، وهو عالم في البيئة السلوكية في جامعة بريستول، فإن الفوضى ستكون الكلمة الأبسط لما سيحدث، فلا ينبغي لنا بالتأكيد أن نفترض بأن الذكاء سيكون أمراً جيداً.
تبعاً لـ(روبين دنبار)، أستاذ علم النفس التطوري في جامعة أكسفورد، فإذا ما حدث ذلك، فسنقوم جميعاً بقتل بعضنا بعضاً، فالبشر غير معرفوين بسلميتهم عند مقابلة أشخاص جدد.
يوافق (جوسيب كول)، وهو طبيب نفساني في جامعة سانت اندروز على ما سبق، ويضيف بأن فكرة تكوين صداقات مع الأنواع الأخرى لا تبدو صالحة للتطبيق إذا أخذنا بعين الاعتبار تاريخنا البشري الدموي في هذا الخصوص، وعلى الرغم من أننا قد أصبحنا اليوم أفضل قليلاً مما كنا عليه في الماضي، ولكن بنظرة واحدة إلى ما يجري حول العالم اليوم يمكننا ببساطة أن ننفي أي احتمال لتكوين أي نوع من الصداقات مع أي نوع آخر من الأحياء.
نظراً لسجلنا الحافل بإبادة الأنواع الأخرى، وكذلك أبناء جنسنا، فيلس هناك سبب للاعتقاد بأننا أو الأنواع الجديدة من الحيوانات، التي ستمتلك الوعي الذاتي، سنتصرف بأي طريقة مختلفة، وفي الأساس، فإن الحرب العالمية الثالثة ستندلع قريباً على الأرجح، ولهذا نحن نتفاعل بسلبية شديدة تجاه الغرباء والتهديدات.
بالنظر إلى هذه الحقيقة المؤسفة، أي الأنواع سيتفوق على باقي الأنواع؟ بطبيعة الحال، فإن الكثير من الأنواع، لن يكون لديها أي فرصة، مثل الحيوانات العاشبة، فهي تحتاج إلى قضاء معظم الوقت في أكل العشب في أجل الحصول على ما يكفي من الطاقة للعمل، وهذا يحد من الوقت الذي يمكن أن تستثمره في التواصل، صنع الأدوات، وبناء الثقافة أو المشاركة في القتال، وبالتالي إن الحيوانات أكلة البروتين سيكون لها الغلبة عليهم، ولكن ليس جميعها، فأسماك القرش والدلافين والحيتان القاتلة ستستثنى من هذا القتال لأن حركتها تقتصر على المحياه – وهذا لا ينفي دخول مخلوقات المحيطات في حربها الخاصة تحت الماء لاغتنام على السلطة- وكذلك الحيوانات التي لا يمكنها البقاء على قيد الحياة خارج بيئتها- كالمستنقع، الغابات المطيرة، الصحراء – لأنها لن تكون قادرة على غزو العالم.
من جهة ثانية، سيكون بإمكان الحيوانات المفترسة الكبيرة مثل الأسود والنمور والدببة والذئاب وحتى غيرها من الحيوانات المفترسة مثل الفيلة ووحيد القرن، المضي في هذا المسعى، وذلك على غرار الحديقة الجوراسية، وعلى المدى القصير، فإنه من المحتمل أن تشكل أكبر تهديد لسيادتنا، فإذا ما تم تجريدنا من ملابسنا ورمينا في السافانا أو الغابات، فإنه هذه الكائنات ستغلبنا بالتأكيد، ولكن نظراً لأننا نمتلك الأسلحة الحديثة، وحقيقة أن البشر هم حالياً الكائنات الأكثر عدداً مقارنة مع باقي الحيوانات المفترسة الكبيرة الأخرى، لذلك، فإن ذكاء الحيوانات المكتشف حديثاً سيسمح لها بأن تتفوق علينا لفترة وجيزة فقط قبل أن نتخلص منها (وبالمناسبة، هذا هو الأمر الذي نقوم به حالياً بالنسبة للكثير من الأنواع)، وبحسب (اليكس كاسيلنيك)، وهو عالم في البيئة السلوكية في جامعة أكسفورد، ففي نهاية المطاف، من المرجح أن يهزم البشر جميع الأنواع الأخرى.
ولكن مع خروج الحيوانات الآكلة للحوم الأكثر شراسة من الصورة، سيظهر منافس جديد لنا، وهي الحيوانات الرئيسيات الأقرب لنا، فبحسب ما يشير إليه (كوثيل)، فقد مكنتنا تكنولوجيتنا إلى حد كبير من أن نحرز التقدم الذي وصلنا إليه اليوم كنوع من الأحياء، ولكن بذات القرود تمتلك الكثير من وظائف الأعضاء التي نمتلكها والتي أتاحت لنا استخدام تلك التكنولوجيا، وبهذا قد يكون بإمكان الشمبانزي، وإنسان الغاب، والبابون والغوريلا، إذا ما تمتعوا بالذكاء، الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر لدينا، واستخدام أسلحتنا مع التمتع أيضاً بفوائد بنية أجسامها التي تعتبر أقوى وأكثر مرونة من الأجسام البشرية، ويمكنها أيضا أن تقوم بسرعة بابتكار تقنيات فريدة من خلال تكييف الأدوات الإنسانية لاستخدامها الخاص.
ولكن قدرة أبناء عمومتنا الرئيسيات على فعل كل هذا قد يتوقف على ما إذا كان بإمكانها تجاوز معرفتنا التراكمية بطريقة أو بأخرى، بما في ذلك كيفية استخدام التقنيات، وكيفية الانخراط في الحروب الفعالة، وكيفية فهمنا للعدو، والكثير الكثير من الأشياء، فتسخير هذه المعرفة لاستخدامها الخاص قد يكون أمراً أساسياً لتمكنها من الهيمنة على باقي الأنواع، ولكن هذا من غير المحتمل أن يتحقق قبل أن يتم إخراجها أيضاً من السباق على أيدي البشر، حيث يشير (كول) اذا ما أُعطيت القرود كل هذه المعرفة فسيكون لدينا تعادل بين البشر والقرود، أما إذا لم تستطع القرود فعل هذا، فعلى الرغم من أنها ستشكل منافساً قوياً، إلّا أنها لن تصبح النوع السائد أبداً.
مع مرور الوقت، فإن القدرة على التكيف بسرعة مع البيئات والظروف المتغيرة، ستكون على الأرجح هي السلاح الأقوى في السعي للهيمنة على العالم، وبالطبع، فإن هذه هي إحدى الصفات التي تميز البشر وهي ما مكّنهم من الاستيلاء على الأرض اليوم، فعلى الرغم من أننا تطورنا على الأراضي العشبية الدافئة، إلّأ أننا سرعان ما وجدنا وسائل للسكن في بيئات متنوعة بشكل كبير مقارنة مع أصولنا البدائية، من قمم الجبال إلى السهول الجرداء، كما أن العدد سيلعب دوراً أيضاً، وكذلك القدرة على الاختباء.
من ناحية أخرى، تشير كل الدلائل إلى أن البكتيريا والميكروبات الأخرى هي وريثة الأرض، ولكن البكتيريا لا تمتلك جهازاً عصبياً، وبالتالي فإن فكرة احتمال تحولها إلى كائنات ذكية أبعد بكثير من احتمال تحول باقي الأنواع الأخرى المتعددة الخلايا للمنافسة على منطقتنا، ولكن هذا المستحيل من المحتمل أن يكون نعمة، وذلك نظراً لانتشارها، فبحسب (كول) فإن البكتيريا توجد بالفعل في كل مكان، بما في ذلك في داخلنا، لذلك إذا ما تمتعت بالذكاء ستكون المنافسة محتدمة للغاية.
يضيف (كول)، “سيكون البشر في ورطة كبيرة إذا كان عليهم محاربة البكتيريا الذكية، وخصوصاً السيئة حقاً منها، والمشكلة هي أنه ليس بإمكاننا التخلص منها جميعاً، لأنها ضرورية لبقائنا”.
حتى وإن أُبيد الجنس البشري، فإن الصراعات ستستمر بالاشتعال، فليس هناك سبب للاعتقاد بأن هناك أي نوع من الحيوانات، حتى لو امتلك مستوى الذكاء البشري، سيتصرف بطريقة مختلفة عن تصرفاتنا من حيث استغلال الأنواع الأخرى والموارد، وبالمثل، سيظهر الصراع داخل النوع أيضاً، فبحسب (كاسيلنيك) فإن الحيوانات لا تحل المشاكل من أجل صالح نوعها، بل تتنافس ضمن نوعها لمصلحة فصيلتها الخاصة، أو لصالح ثقافتها أو أسرتها الخاصة.
تبعاً لما سبق، يبدو بأن الأمر سينتهي بشكل سيء للجميع تقريباً، فمع زوال بعض الأنواع سينهار النظم البيئي، ولن يبقى سوى الناجين الذين لا يمتلكون أي رحمة – مثل البكتيريا والصراصير والفئران ربما – ليرثوا الأرض، وحتى عند ذلك الحين، فإن العالم لن يكون في حالة من اليوتوبيا السلمية، بل على الأرجح سيعيث النوع الفائز بالأرض فساداً، تماماً كما نفعل نحن الآن.