بمناسبة اليوم العالمي للبيئة، خبراء من معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة التابع لجامعة حمد بن خليفة، ومركز “إرثنا”، عضو مؤسسة قطر، يناقشون لماذا ينبغي على سكان المناطق القاحلة إيلاء اهتمام أكبر لمسألة استهلاكهم للمياه
إذا حدث – من باب الافتراض ولظروف طارئة – إغلاق لمحطات تحلية المياه في قطر التي تزودنا بالمياه النظيفة، يفيد خبراء في مركز المياه التابع لمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة أن كمية المياه الصالحة للاستهلاك المخزنة لحالات الطوارئ لن تكفي لإمداد الدولة بالمياه في هذه الحالة لأكثر من بضعة أيام.
فهل سيدفعنا مثل هذا المعطى الافتراضي لتغيير نمط استهلاكنا للمياه والمحافظة عليها من التبذير؟
في هذا السياق، سلطت الدكتورة ديما المصري، العالمة في مركز المياه التابع لمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، الضوء على الخطوات التي اتخذتها قطر لزيادة مخزونها من المياه من خلال مشروع الخزانات الاستراتيجية الكبرى لتأمين المياه، والذي يهدف إلى زيادة احتياطي البلاد من المياه النظيفة إلى سبعة أيام في حالة حدوث أزمة بحلول عام 2026 كمرحلة أولى.
ومع ذلك، تؤمن هذه الخبيرة بأنه ينبغي على كل فرد من أفراد المجتمع تحمل مسؤوليته بشأن سلوكه الاستهلاكي للمياه، مشددة على أن المفتاح لتحقيق هذا التغيير يبدأ بالمعرفة وتعزيز الوعي البيئي.
وأضافت: “علينا أن ندرك حقيقة أن قطر هي واحدة من بين أكثر دول العالم التي تعاني من شح المياه، وذلك نظرًا لبيئتها الجافة التي تعتمد على مصادر قليلة للغاية للمياه العذبة.
وتُعتبر المياه الجوفية المصدر الوحيد لإنتاج المياه النظيفة في قطر، والتي تم استخراجها بشكل كبير سابقًا، لذلك، ولتجنب نفاد المياه الجوفية، اتجهت الدولة إلى تحلية مياه البحر كمصدر أساسي لإنتاج المياه الصالحة للاستهلاك في قطر”.
وأوضحت أن عملية تحلية مياه البحر تنطوي على تكلفة باهظة بالنسبة للوسط البيئي، وذلك لسببين أولهما هو أن فصل الملح عن المياه يتطلب كمية كبيرة من الطاقة، وهي العملية التي تفضي إلى انبعاث كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون.
وعليه، تُعد تحلية المياه واحدة من المسببات الرئيسية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في قطر.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن محطات التحلية الحرارية في قطر حاليًا تولد المياه النظيفة كمنتج ثانوي لعملية توليد الكهرباء من التوربينات الغازية؛ ومن ثم يصعب تقدير المساهمة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمعزل عن غيرها.
والسبب الآخر هو أن عملية فصل الملح عن المياه، ينتج عنها كميات كبيرة من نفايات الملح، إلى جانب المواد الكيميائية اللازمة لتحلية مياه البحر، والتي يجب التخلص منها في مكان ما.
ويجب الإشارة هنا إلى أن دولة قطر تشارك طبيعتها البحرية مع بلدان أخرى تعاني بدورها من ندرة المياه وتعتمد ذات الآلية للحصول على المياه النظيفة.
تقول الدكتورة ديما: “بما أن تحلية مياه البحر هي المصدر الرئيسي لتوفير مياه الشرب في قطر، فإن هناك العديد من الأبحاث التي يجريها مركز المياه التابع لمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة من أجل إدخال تعديلات على التقنيات المستخدمة في التحلية الحرارية بحيث تستخدم حرارة أقل، وبالتالي طاقة أقل”. وأضافت: “إلى جانب ذلك، يسعى المركز إلى إيجاد حلول بديلة عن التخلص مباشرة من المحلول الملحي الناتج عن فصل الملح عن المياه، حيث ندرس إمكانية فصل المعادن المفيدة عن المحلول الملحي مثل كلوريد الصوديوم والمغنيسيوم والكالسيوم وبيعها كمنتجات أو إعادة استخدامها، وهو ما سيسهم في التخفيف من أضرار ارتفاع ملوحة المياه على البيئة”.
كما سلطت الدكتورة ديما الضوء على التقنية المُطَبّقة في دولة قطر لتقليل استهلاك المياه، حيث قامت المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء “كهرماء” باستخدامها في جميع المرافق لخلط الهواء بالماء، حيث يحاكي هذا المزج بين الماء والهواء أداء صنبور المياه عالي الضغط، بينما يقلل في الواقع كمية المياه المستهلكة بنسبة تصل إلى 60 في المائة.
من جانبه، أوضح الدكتور غونزالو كاسترو دي لا ماتا، المدير التنفيذي لمركز “إرثنا”، أن جميع البشر، بغض النظر عن البيئات المختلفة التي يعيشون فيها، بحاجة إلى فهم أننا جميعًا نُعدّ جزءًا من نظام بيئي واحد، وأن الأمر يتطلب منا جميعًا التكاتف واتخاذ خطوات عملية في جميع أنحاء العالم للحفاظ على الأمن المائي.
وأضاف: “نحن بحاجة إلى إدراك أهمية المياه وقيمتها في سياق الاستدامة العالمية. أينما نكون على سطح هذا الكوكب، عندما نفتح صنبور الماء، نحتاج إلى التفكير في مصدر هذه المياه.
ففي قطر، نحصل على المياه النظيفة من تحلية مياه البحر، وفي بلدان أخرى، يتم حصر مياه الأمطار من خلال مستجمعات طبيعية في الغابات.
وإذا لم نعمل على حماية تلك الغابات التي تقوم بحصر المياه تلقائيًا من الطبيعة، فلن يكون لدينا ماء”.
أضاف: ” فهناك علاقة ترابطية قوية للغاية بين الخدمات التي نتلقاها كمستهلكين، وبين الحفاظ على المنظومة البيئية. لذا، أينما ذهبت، وبغض النظر عن المناخ السائد في بلدك، وعن موقعك الجغرافي، ستجد دائمًا أن هناك علاقة وثيقة بين الاستهلاك البشري للمياه وبين الطبيعة، ونحن بحاجة إلى تعزيز الوعي بهذا الرابط”.
وأشار الدكتور غونزالو إلى أن السياسة الحالية الموصَى بها تقوم على استخدام المياه المُعالَجة بدلاً من المياه المُحلّاة، حيثما أمكن ذلك، من قبيل أعمال تنسيق الحدائق والمساحات الخضراء، المًطبّقة حاليًا في المدينة التعليمية، وأنظمة التبريد – وهو ما تتجه إليه الحكومة بقوة من حيث صنع السياسات وزيادة الوعي.
في هذا الصدد، أوضح الدكتور غونزالو: “نحتاج أيضًا إلى تغيير أنماط التفكير السائد بشأن البيئة الصحراوية والاعتزاز بالعيش في تلك البيئة الفريدة.
فعند قيامنا بمشروعات تنسيق المساحات الخضراء، علينا الاعتماد على الفصائل النباتية المحلية، لأنها بطبيعة الحال تستهلك كميات أقل من المياه، وتحافظ على التنوع”.
وخلص غونزالو إلى القول: “إذا شرعنا في الاعتماد في هذه المشروعات على غرس المزيد من النباتات المحلية، كتلك الموجودة في حديقة القرآن النباتية، التابعة لمؤسسة قطر، فسيمكننا الاستمتاع بطبيعية أكثر مُلاءّمةً لبيئتنا الصحراوية، التي تتطلب كميات أقل بكثير من المياه.”