يعد حقل اللغة، من بين الحقول التي تغني شجرة معرفة الإنسانية، شجرة مترامية الفروع. من بين اهتمامات الفكر الإنساني منذ القديم، اهتمام بظاهرة اللغة، التي كانت وما تزال لها أهميتها في العلوم الانسانية.
إن التفكير في اللغة، ليس وليد العصر الحديث، بل تعود ارهاصاته إلى عصور قديمة، حيث سجل في سجل تاريخ الأفكار والاهتمامات المعرفية القديمة؛ البحث في مبحث اللغة، ما يعني هذا، أن التفكير في اللغة هو قديم قدم الانسان نفسه().
تعرف اللغة على أنها “نظام من الأصوات يتواصل بها أفراد مجتمع للتعبير عن حاجياتهم المادية والمعنوية(…) إنها وسيلة للتواصل أو أداة للتعبير عن الأفكار(…) أو أنها نظام للعلامات لنقل الأفكار”().
من بين العلوم التي تتناول مبحث من مباحث اللغة، علم الصوتيات، العلم الذي يندرج ضمن العلوم التي تجعل من الظاهرة اللغوية، موضوع علمها. وعليه، الصوتيات تعرف، على أنها ذلك العلم المتفرع عن اللسانيات() والتي تهتم بدراسة الأصوات اللغوية من حيث المستويات التالية:
– مخرج الصوت؛
– إصدار الصوت؛
– خصائص السمعية للصوت؛
– آلية سماع الصوت؛
– كيف إدراك الصوت؛
أو بمعنى آخر، علم الصوتيات هو ذلك العلم الذي يقوم بدراسة كل صوت، من خلال مسار مخارجه، أي الأعضاء التي تساهم في “بلورة” هذا الصوت، والوقف على صفاته التي تميزه عن باقي أصوات الحروف الأخرى في أي اللغة.
لقد استفادة علم الصوتيات من طفرة تكنولوجيا التي وصل إليها العالم، حيث مكنت التكنولوجيا علماء بالعديد من الأجهزة التي تقارب الصوت على أكثر من مستوى، وعلى اثره، وطبيعة موضوعها، تصنف الصوتيات ضمن العلوم التجريبية، التي أبلت بلاء حسنا في استنطاق الظواهر المدروسة.
تقرر “الدراسات اللغوية الحديثة التي تنص على فشل أي دراسة صرفية أو نحوية لا تأخذ في الحسبان الجانب الصوتي للظاهرة المدروسة”(). ومن الجذير بالذكر استحضار مفارقة الرمز والصوت في اللغة، حيث يقول الدكتور كمال بشر: “هناك فرق بين الرمز والصوت. فالرمز(…) علامة كتابية تدرس وينظر إليها في اطار نظام الكتابة العادية أو الاملائية أو ما يسمى: (الألفباء)، لا في اطار نظام الأصوات. والصوت آثر سمعي أو وحدت نطقي، يدرس وينظر في اطار الصوتي للغة معينة The phonetic system a given language لا في نظام الألفباء لهذه اللغة”(). ؛
صنف علماء الفونتيكا (=الصوتيات) ثلاثة مجالات لصوتيات تدرسها ، وهي:
-دراسة أصوات من الناحية الفيسيولوجية وتسمى الصوتيات الفيسيولوجية(): على هذا الفرع من الصوتيات، تتم دراسة انتاج الصوت من خلال الجهاز الصواتي/النطقي، الذي يحدد في أعضاء النطق، مع ابراز وظيفة كل عضو، وهي() كل من: الحاجب الحاجز، الرئتان، الحنجرة، اللسان، الشفتان، الوتران الصوتيان، الحلق، الحنك، الأسنان، القصبة الهوائية، التجويف الأنفي. وتلعب هذه الأعضاء أدوار أساسية في انتاج عملية الصوت، فحسب رأي الباحثين في مجال الصوتيات، تتجلى وظائف الأساسية لهذه الأعضاء؛ في دفع التيار الهوائي من خلال الرئتين، الذي يمر عبر عملية التصويت التي يحدثها الحبلين الصوتيين، لتلي هذه العملية، عملية تتم على مستوى الأنف والفم، كالإطباق أو الاستدارة ونحوهما من العمليات التي تتم على مستوى الأنف والفم، تستأنف عملية اخراج الصوت على مستوى العملية النطقية التي يلعب فيها اللسان والشفتين أدوارهما.
-إذا كان الفرع الأول من الصوتيات يهتم بالجانب الفيسيولوجي لإنتاج الصوت الذي يحدث على مسار أعضاء أو جهاز النطقي، فإن الجانب الفيزيائي/ الصوتيات الفزيائية() يهتم بالعمليات البين جاهز نطق وجهاز الاستقبال، إذ تشكل دراسة الذبذبات الصوتية محور موضوع ودراسة هذا الجانب. حسب المختصين في الصوتيات الفيزيائية، يؤدي أي ارتجاح ناجم عن الأجسام المصوتة، إلى تصويت، هذا التصويت يسلك مساره في الهواء، حيث الهواء مجال وسط نقل الذبذبات إلى الأذن.
-من بين الفروع الثلاثة التي تدرسها الصوتيات، الفرع التالي، الذي يطلق عليه، الصوتيات الإدراكية()، فهذا الفرع من اهتماماته، دراسة التقاط الأذن للصوت، وهذا ما يجعل هذا الفروع مهتم بجهاز السمع.
من بين استنتاجات درس الصوتيات()؛ نستنتج أن الصوتيات تعنى بالجوانب النفسية، والفيسيولوجية والفيزيائية الإدراكية الذهنية العصبية، أي الجانب المحسوس والمدرك للصوت؛ العملية النطقية هي أكثر العمليات تعقيدا حسب رأي الباحثين في فرع الصوتيات؛ تتجلى أهمية درس في أن هذا العلم له أهمية تعليمية، كتعليم اللغات، وتعلمها، تعليم ذوي الحالات الخاصة من الأفراد الذين لهم وضعية خلقية_اعاقة_ جزئية أو كلية كالصم، والبكم…، تمرس الإعلاميين-المذيعين على مستوى عالي من اخراج الصوت، تجويد القرآن الكريم، تعلم الموسيقى، كما أصبحت الصوتيات في عصر البرمجة والذكاء الاصطناعي لها أهميتها عند هذه المجالات الحديثة.
المراجع:
- د. مصطفى غلفان، في اللسانيات العامة: تاريخها، طبيعتها، موضوعها، مفاهيمها، ط1 (بنغازي-ليبيا، دار الكتاب الجديد، كانون الثاني/يناير 2010).
- د. مصطفى غلفان، اللسانيات البنيوية: منهجيات و اتجاهات، ط1 (لبنان-بيروت، دار الكتاب الجديد، حزيران/يونيو2013)، ص 19.
- د. كمال بشر، دراسات في علم اللغة،(مصر، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، 1998).
- رشيد عبد الرحمن العبيدي، معجم الصوتيات، ط1(العراق، مركز البحوث والدراسات الإسلامية، 2007).
- د. عز الدين غازي، أستاذ بجامعة القاضي عياض-مراكش، “دروس في الصوتيات” غير منشور.