تقوم الساعات البيولوجية الموجودة في الجسم بتنظيم دورة النوم بشكل رئيسي, حيث أنها المسؤولة عن التقلبات في المستوى الهرموني. يمتلك الجسم البشري العديد من الساعات البيولوجية, ولكننا حتى الأن لم نستطع فهم آلية العمل الحقيقة إلا للساعة الأساسية, و التي هي (الهايبوتلاموس) أو تحت المهاد – منطقة في اسفل الدماغ تتحكم في الجهاز العصبي اللاإرادي .
تقوم الخلايا الحسية الموجودة في العين (إلى جانب العصي و المخاريط التي تستعمل في عملية النظر العادية) و التي تكون موصولة مع (الهايبوتلاموس), بالتقاط الضوء الذي يلامس العين, فتنبه (الهايبوتلاموس) الذي يقوم بدوره على تحديد ما إذا كان الوقت صباحاً أو مساءً اعتماداً على مؤقت داخلي يعمل على نظام الـ24 ساعة تقريباً, فعندما يقرر (الهايبوتلاموس) أن الوقت هو ليل ينبه الغدة الصنوبرية لتقوم بفرز هرمون الميلاتونين المسؤول عن الشعور بالنعاس.
يربك الضوء الاصطناعي أثناء الليل (الهايبوتلاموس), فيعتقد بأن هناك خطأ في الساعة الداخلية للجسم, مما يجعله يحاول تصحيح هذا الخطأ بجعلك تنام عدد ساعات أطول في الصباح. إضافة إلى ذلك, كثيراً ما يحاول الناس منع دخول ضوء النهار إلى المنازل باستخدام الستائر, مربكين بذلك (الهايبوتلاموس) وهذا يدفعهم للنوم لساعات أطول خلال الصباح. ما يحصل فعلاً بأنه وفي ليلة ذلك اليوم الذي تكون فيه قد أغلقت ستائر النوافذ ونمت لعدة ساعات أكثر في النهار, يكون (الهايبوتلاموس) قد عدّل ساعة الجسم الداخلية وباشر التزامه بالجدول الجديد, وبالتالي فإنك ستنام في وقت متأخر في تلك الليلة, وهذا يدفع ساعتك الداخلية للتقدم أكثر و أكثر.
في تجربة أجريت على مجموعة من الناس تم خلالها وضعهم بعيداً عن الضوء الطبيعي, لوحظ ميلهم للحفاظ على معدل من التأخير في ساعات النوم بحوالي 20 دقيقة من التأخير في وقت النوم يومياً, و هذا يدل على أنه لا يمكننا الاعتماد حقاً على ساعتنا الداخلية, حيث أننا بحاجة لضوء النهار لإبقائها مضبوطة بالشكل الصحيح.
الجدير بالذكر بأن الساعة البيولوجية مسؤولة أيضاً عن خفض معدل سرعة ضربات القلب, وتخفيض درجة حرارة الجسم الداخلية, و خفض معدل افراز هرمون الكورتيزول أيضاً (هرمون التعب) في كل ليلة, و قد أظهرت الدراسات أن العبث في الساعة البيولوجية للجسم يؤدي إلى توقف عمل ما يقارب 1000 وظيفة من وظائف جينات الجسم.
يُعتقد أن سبب عدم انتظام أنماط النوم في المجتمعات الحديثة هو استعمال الإضاءة الاصطناعية و قلة النوم المزمنة, حيث يُزعم أن الناس في المجتمعات ما قبل الصناعة و المجتمعات القبلية كانوا ينامون على فترتين مدة كل فترة أربع ساعات تتخللها مدة تتراوح بين ساعتين إلى ثلاث من اليقظة. وقد لوحظ هذا النمط من النوم أيضاً عند مجموعة أخرى من الناس الذين تم ابقائهم بعيداً عن الأضواء الاصطناعية.
و في النهاية يجدر بنا الإشارة إلى أنه يمكن أن يكون أحد العناصر الوراثية هو المسؤول عن ما إذا كان الشخص ذو نشاط صباحي أو ليلي, كما أظهرت الصور الدماغية المأخوذة لأدمغة كل من المجموعتين اختلافات عديدة, حيث أن التصوير أظهر أن المجموعة ذات النشاط الليلي يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب و تعاطي المخدرات و الأرق, ولكن من جهة أخرى فهم أكثر منطقية و إنتاجية و هم الأكثر ثروةً و نجاحاً على المستوى المهني.
بالنتيجة وكنصيحة أخيرة ….. إذا كنت من الأشخاص ذوي النشاط الليلي, لا تدع الآخرين من ذوي النشاط الصباحي يدخلونك في دورة حياتية يمكن أن لا تتناسب مع وظائف الأعضاء الداخلية لجسمك, فالابقاء على ساعتك البيولوجية مستقرة إلى حد ما, والحصول على قسط كافٍ من النوم هو ما يهم، و ليس التوقيت الذي تذهب به إلى النوم.