بحسب دراسة جديدة، فإن الأشخاص طوال القامة عادة ما يكونون أفضل من قصار القامة في تقدير مدى بعدهم عن الأشياء في المسافات المتوسطة، ويشير الباحثون إلى أن النتائج هي دليل على فكرة أن قدرات الإدراك المكاني لدى الأشخاص تتأثر بمقدار طولهم، وتتطور مع مرور الوقت.
بحسب الباحث المشارك في الدراسة (تنغ ينغ أوي)، أستاذ البصريات في جامعة ولاية أوهايو، فإن الدماغ البشري يعتمد على نموذج معين لتقديم “أفضل تخمين عن المكان الذي قد تكون الأشياء موجودة فيه”.
عادة ما يظهر هذا النموذج، أو “الانحياز الجوهري”، عندما لا يمتلك الأشخاص سوى القليل جداً من المعلومات حول المكان الذي يقع فيه الكائن، مثل ما يحدث عندما يكونون موجودين في مكان مظلم ويكون عليهم تكهن مكان شيء ما، وبشكل عام، فإن الأشخاص يقدرون المسافة التي تفصلهم عن الكائنات بشكل أقل من المسافة الحقيقية، وكلما كانت الكائنات أبعد عنهم، كان تأثير هذا الانحياز أكثر وضوحاً.
تبعاً لـ(أوي)، فقد أظهرت الدراسات السابقة بأن الانحياز الجوهري هو منحنى وهمي يمتد من قدمي الشخص ويميل صعوداً إلى مسافة بعيدة.
في الدراسة الجديدة، تم تقسيم 24 شخصاً إلى مجموعتين تضم كل منهما 12 شخصاً، وذلك استناداً إلى طولهم، وكان متوسط الطول في المجموعة الأولى يقدر بحوالي 4 أقدام و11 بوصة (149.3 سم)، وفي المجموعة الثانية حوالي 5 أقدام و8 بوصات (173.4 سم)، بعد ذلك قام الباحثون بإجراء ثلاث تجارب، عُرضت خلالها كائنات مختلفة للمشاركين في مستويات مختلفة من الإضاءة –الإضاءة الكاملة، إضاءة معتمة، ظلام- وكميات مختلفة من المعلومات لتساعدهم في تحديد الموقع، ومن ثم خمن المشاركون المسافات التي تبعدهم عن الكائنات عن طريق مجموعة متنوعة من الوسائل، مثل تحديد المسافة وعيونهم مغلقة، وبالتالي لم تكن الدراسة تعتمد على حاسة المتطوعين لوحدات القياس.
أظهرت النتائج أن الأشخاص في كلا المجموعتين، سواءً تلك التي تضم الأشخاص طوال القامة أو قصار القامة، أظهروا تحيزاً، وأن سوء تقديرهم لمسافة الأشياء كان يزداد مع ازدياد بعدهم عن الأشياء، ولكن وتبعاً للباحثين، فقد كان المشاركون طوال القامة أكثر دقة في تخميناتهم، وكان الفرق في الأداء بين المجموعتين ثابتاً في جميع الظروف.
عندما قام الباحثون بوضع المشاركين طوال القامة على كرسي والمشاركين الأقصر قامة على صناديق لضبط مستويات أعينهم، بقي الأشخاص الأطول قامة أكثر دقة في تحديد متوسط المسافات، ولأن التجارب السابقة أظهرت بأن الأشخاص يكونون أفضل في تحديد المسافة إذا ما رؤوها من منظور أعلى، فقد أشار الباحثون أن نتائج الدراسة الجديدة تدل على أن الأشخاص الأطول قامة يصبح لديهم تراكم في خبرة تخمين المسافة التي تفصلهم عن الأشياء، وأن طولهم قد شكل نموذجاً عقلياً للمسافات.
مع ذلك، وتبعاً لباحثين آخرين كانوا يشككون في النتائج، ومنهم (ماري جين وراجا)، وهي طبيبة نفسية في كلية سميث في ولاية ماساشوستس لم تشارك في الدراسة، فإن النتائج التي تظهر بأن الأشخاص الأطول قامة يكونون أفضل في تخمين المسافات مشكوك بها، فبسبب الاختلافات في رؤية الأفراد، فإن الدراسة، التي لم تستخدم سوى12 شخصاً فقط من المشاركين في كل فريق، كان يمكن أن تستفيد من عدد أكبر من المشاركين، لذلك فإن أي نمط يبرز من خلال هؤلاء الأشخاص في الدراسة قد يكون متسقاً على اعتبار أن الباحثين كانوا قد أجروا جميع التجارب الثلاث على المشاركين ذاتهم.
علاوة على ذلك، فإن كان هذا التأثير حقيقياً، فإنه تأثير متواضع، فبحسب (وراجا) فقد كانت الفروق في الأداء بين المجموعتين في المسافات التي تصل إلى نحو 33 قدماً (10 أمتار) صغيرة، كما أن معظم الأشخاص يتفاعلون مع كائنات أقرب إليهم من ذلك في كثير من الأحيان في حياتهم اليومية، لذلك فإن هذا ليس تأثيراً موحداً، بل يظهر غالباً عى المسافات التي تعتبر بعيدة إلى حد ما.
بحسب (جون فيبيك) وهو طبيب نفسي في جامعة جورج واشنطن في العاصمة واشنطن، فإن الأفكار التي يقدمها هذا البحث مثيرة للاهتمام، ولكنه في الوقت نفسه كان قلقاً إزاء تكرار النتائج، وأشار بأن حجم العينة أصغر من أن يتم الاعتماد عليه.
تشير (وراجا) بأنه إذا كان هذا التأثير حقيقي، فإن هناك طرق للتعويض عن ذلك في العالم الحقيقي، مثل تحريك رؤوسنا وأجسامنا لجمع المزيد من المعلومات، وهو الأمر الذي يفعله الأشخاص عادة، ولكن تم إقصاؤه في التجربة لاختبار النموذج العقلي فقط.