لابد وأنك تفتح الشباك بعد هطول المطر حتى آخره، لتملأ صدرك بهواء ما بعد المطر، لكن، هل سبق وفكرت، لماذا نشعر بهذا الانتعاش والنقاء الغريب في الجو؟
هذا هو السؤال الذي اهتم الباحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بإيجاد إجابة له، وقد أرجعوا ذلك إلى التأثير المطهر الذي تقوم به قطرات المطر على غلافنا الجوي، بإزالة الهباء الجوي والملوثات الأخرى من الهواء، ويمكن لنتائج هذا البحث أن تفيدنا في عمل تنبؤات جوية أكثر دقة وموثوقية بخصوص نوعية الهواء، وعمل نماذج أكثر دقة لتأثير التغيرات المناخية بسبب الغيوم.
الغبار الجوي يأتي من ثلاثة مصادر رئيسية، المصدر الأول هو المنتجات الثانوية من انفجار البراكين، و الثاني هو غبار الصحراء، أما المصدر الثالث الذي يتزايد باستمرار، فهو أفعال البشر أنفسهم، والذي يأتي غالباً كنتيجة لحرق الفحم والنفط في العمليات الصناعية.
الغبار الجوي له عدد من التأثيرات على الغلاف الجوي الحامي للأرض، أحد هذه التأثيرات الضارة هو تحوله إلى محفز للتفاعلات الكيميائية التي تقوم بتدمير الأوزون في غلاف الستراتوسفير الخاص بكوكبنا بشكل خطير.
قطرات المطر قادرة على إزالة هذه الجزيئات الضارة، حيث إنها تسقط عن طريق الهواء في عملية تسمى “التجلط”، تقوم فيها بجذب الملوثات الطيّارة، ليتم محاصرتها في قطرات المطر، وتعيدها إلى سطح الأرض.
السر في جذب قطرات المطر للملوثات الطيّارة يكمن في الشحنة الكهربية لقطرة الماء، لكن هذه الشحنة منخفضة جداً لدرجة أنها تجعل ملاحظة هذه الظاهرة في المختبرات أمراً عسيراً للغاية، وقد راقبت المحاولات السابقة تجارباً تراوحت فيها شحنات المطر من 10 إلى 100 مرة للمستوى الطبيعي، لكن هذه المستويات غير الواقعية للشحنات لا توجد إلا أثناء العواصف والصواعق، وبذلك يفشلون في الاستفادة منها في أي تطبيق عملي.
أما تجربة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فقد تجنبت هذا المأزق باستخدام غرفة زجاجية يبلغ طولها 3 أقدام (أو ما يساوي 0.9 متراً) ، وهو ما سمح للباحثين بالتلاعب في حجم وشحنة قطرات المطر التي يختبرونها بالاستعانة بشريحة لمادة مشعة، ثم قاموا ببث الملوثات الطيارة في غرفة الزجاج، ليجروا سلسلة من التجارب بتغيير أحجام القطرات، والبيئة المحيطة.
بمجرد مرور قطرة المطر خلال غاز الهباء الجوي، سمح له بالتبخر، ثم تم تمرير الجزيئات الباقية في مطياف كتلي، وهو ما مكّن العلماء من قياس كمية جزيئات الهباء الجوي التي تم حبسها في قطرة المطر.
بسبب هذه التجربة، اكتشف الفريق أن قطرات المطر الأصغر التي تسقط في حالات الرطوبة العالية كانت الأفضل في جذب جزيئات الهباء الجوي، بعد أن قاموا بأدق محاكاة حتى الآن لعملية التجلط التي تقوم بها قطرات المطر.
ويتوقع أن تسمح هذه النتائج للباحثين بصنع نشرات جوية أكثر دقة للمواطنين بالنسبة للتنبؤ بنوعية الهواء، وهي ميزة كبيرة في مدن مثل بكين، التي يعاني سكانها بشكل دائم من الضباب الدخاني، أو يمكن استخدامها على نطاق أوسع في حساب التأثير التطهيري العالمي الذي يحدثه هطول الأمطار.