يقضي علماء النفس المتخصصون في مجال علم نفس المستهلكين الكثير من الوقت وهم يتطفلون على العادات الاستهلاكية للأشخاص، ويبحثون في خفايا خزائنهم، ولكن بالإضافة إلى الغبار المتكدس، بدأ هؤلاء الباحثون بملاحظة وجود الكثير من الملابس والحلي الجديدة غير الملبوسة، حيث عادة ما تكون بطاقات الأسعار لا تزال معلقة بها.
نحن لا نتحدث هنا عن الهدايا السيئة، بل عن البضائع التي يتم شراءها من قبل المستهلكين أنفسهم دون أن يتم استخدامها مطلقاً، ويبدو بأن هذه العادة منتشرة جداً لدرجة أنه يمكننا التنبؤ بكل ثقة بأنك أنت نفسك عزيزي القارء تمتلك شيئاً لا تزال بطاقة السعر معلقة عليه في مكان ما من منزلك، فلماذا نهدر المال على ملابس لا نرتديها أبداً؟ فيما يلي أهم الأسباب وراء هذه الظاهرة.
تجاهل وجود عيب واضح
التفسير الأكثر شيوعاً للسبب الذي يجعل أي شخص يشتري سلعة من الملابس لا يخرجها أبداً من خزانته، هو أن معادلة الشراء لدى المتسوق كانت خاطئة، ففي معظم الحالات يكون السيناريو كالتالي: هذه السلعة رائعة حقاً، ولكن هناك أيضاً شيء غير صحيح تماماً فيها، ولكن لأنها معروضة ضمن قسم التخفيضات فسأشتريها على أي حال.
يعتبر هذا مثالاً كلاسيكياً لما يسمى بـ”دعم خيار الانحياز المعرفي”، وخلاله نقوم بتجاهل المعلومات التي لا تدعم رغباتنا، فعلى سبيل المثال، وصفت إحدى المتسوقات قميصاً من الحرير الأخضر الزمردي كانت قد قامت بشرائه مؤخراً بأن ملمسه رائع جداً، هذا كان الجزء الجيد من تجربتها الشرائية، ولكن الجزء الذي لم يكن صحيحاً تماماً هو أن هذا القميص لا يتماشى مع أي شيء في خزانة ملابسها، كما أنه غير مريح بعض الشيء، ولكن التخفيض الذي كان قد أُجري عليه وصل إلى 80%، وهذا ما دعاها لإتمام الصفقة، وعلى الرغم من أن المتسوقة كانت مصممة تماماً على ارتداء هذا القميص، إلّا أنه لم ينجح أبداً في الخروج من خزانتها.
وبشكل مماثل، قامت متسوقة أخرى بشراء حذاء بكعب عالٍ كان يصدر القليل من الصرير ولم يكن مريحاً أثناء المشي، ومع ذلك، فإنها ما تزال مقتنعة بأنها لم تقم بإجراء عملية شراء سيئة على الرغم من أنه مضى أكثر من عام على شرائها له ولم ترتده حتى الآن، فبحسب قولها، إنه الزوج الوحيد من أحذية الكعب العالي الذي تمتلكه، وقد كانت التخفيضات عليه تصل إلى 75%! لذلك فإنها تنتظر فقط الذهاب إلى مكان حيث لا يكون عليها المشي.
شراء الأشياء لارضاء الخيال
السبب الثاني الأكثر شيوعاً لشراء الملابس التي لا نرتديها أبداً يشبه السبب الأول أعلاه، ولكن في هذه الحالة يقوم المستهلك بإصدار حكم مسبق خاطئ حول نفسه وليس حول المنتج، وهذا التصور الخاطئ يسمح له نفسياً بجعل عملية شراء المنتجات تبدو عقلانية، على الرغم من أنها تبدو من دون هذا النوع من الخداع النفسي غير مناسبة أو عملاً أحمق.
عندما نتسوق، فنحن تصور أنفسنا في المستقبل، وهذا هو السبب الذي يجعل العديد من الأشخاص يحبون التسوق، فالتسوق يحفز خيالنا، فعندما نستعرض المنتجات المختلفة فإننا نتصور الكيفية التي سيتجيب فيها الآخرون لنا ونحن نرتديها، والكيفية التي سنشعر بها عند ارتدائها، وهكذا دواليك.
المشكلة هي أن الأشخاص غالباً ما يتسوقون وهم يتصورون أسلوب حياة قد لا يستطيعون الوصول إليه أبداً – مثل تصور أنفسهم وهم أقل وزناً، أو بأنهم ذاهبون للتخييم، أو وهم يقضون عطلة باذخة في أحد المنتجعات، أو يحضرون حفلة أنيقة جداً.
أكثر أنواع الملابس غير الملبوسة التي تنتمي إلى هذه الفئة هي الملابس الضيقة، مثل تلك البناطيل أو الأثواب أو ألبسة البحر التي يتم شراؤها كي تُرتدى في المستقبل، بعد الانتهاء من الحمية الغذائية، التي لا يتم القيام بها في معظم الحالات، ولكن حتى وإن وصل المشتري إلى الوزن المثالي الذي يرغب به، فقد لا تعود ذاته النحيفة راغبةً في ارتداء تلك الملابس التي اشترتها ذاته الأسمن في السابق، وفي كلتا الحالتين، في الوقت الذي يدرك فيه الشخص هذه الحقيقة، لا يعود بالإمكان على الأرجح إبدال المنتج.
حب السلعة أكثر من اللازم
هذا قد يبدو غريباً للبعض، ولكن هناك نوع من المتسوقين الذين يقعون ببساطة في حب ما يقومون بشرائه لدجة أنهم لا يريدون المخاطرة في ارتدائه، وتسمى هذه الظاهرة “كراهية الخسارة”، وهي شائعة بشكل خاص لدى الأشخاص الذين يشعرون بالحرمان أو الذين عانوا من الكثير من الخسائر في طفولتهم.
على سبيل المثال، تمتلك إحدى النساء فستاناً قطنياً أبيض تقول بأنه رائع من جميع النواحي، فهو مريح ويجعلها تبدو أنحف وعملي جداً، ومع ذلك فهي لم ترتده أبداً، وذلك لأنه وبحسب قولها: “إذا ما تلطخ بلطخة واحدة فإنه لن يعود كما كان أبداً”، لذلك، فهي تحتفظ به لمناسبة خاصة، مكان يكون فيه الفستان موضع تقدير وتشعر ضمنه وكأنها الملكة.
من ناحية أخرى، يقوم بعض الأشخاص ببساطة بشراء قطعة إضافية من ملابسهم المفضلة لخوفهم من أن تتلف القطعة الأصلية.
التسوق تحت تأثير الحالات غير الطبيعية
أخيرا، هناك المتسوقون الذين يقومون بالتسوق تحت تأثير المؤثرات غير الطبيعية، سواءً أكانت تلك المؤثرات هي الحزن الشديد أو السعادة الغامرة أو حتى تحت تأثير الحكول، نعم، هذا صحيح، وهناك العديد من المتسوقين، وخاصة متسوقو الانترنت، الذين يقومون بشراء أشياء لا يحتاجونها حقاً تحت تأثير مثل هذه الحالات.
في حين أننا جميعاً نرتكب أخطاء، فإن ما يشفع للمستهلكين هي القدرة على إعادة مشترياتهم، لذلك فإن القاعدة الأولى التي يجب عليك اتباعها دائماً هي أن لا تشتري شيئاً مشكوكاً بأمره إذا لم يكن لديك خيار إعادته.
بالإضافة إلى ذلك، تأكد من أنك تأخذ الجانب السلبي من المشتريات في حسبانك- إذا ما كان بإمكانك الذهاب لمكان لترتدي فيه هذا النوع من اللباس، وإذا كان حقاً يناسب نمط حياتك وقياس خصرك- ولا تقع أبداً فريسة لفكرة أن هذه ستكون المرة الوحيدة التي ستجد فيها تصميماً يعجبك مع تخفيض على تكلفته، فهناك دائماً خيارات جديدة ستكون مفتوحة أمامك في كل يوم، وليس هناك سبب يجعلك تشعر بالحاجة لشراء أي شيء الآن.