إذا ما أراد شخص ما بناء شيء من شأنه جمع جميع معايير الاشمئزاز لدينا، فإن الصرصور سيكون مخلوقاً مثالياً يمكن الاحتذاء به.
قليلون منا لا ينتفضون اشمئزازاً –أو يهربون- عند رؤية صرصور، ولكن كيف لا نفعل هذا! فالصراصير حشرات كبيرة مبقعة تزدهر في المناطق الرطبة والمظلمة من بيوتنا التي يجدها معظمنا منفرة.
كانت الصراصير موجودة منذ عصر الديناصورات، والمناعة التي تتمتع بها تضيف طبقة أخرى إلى القشعريرة التي تبعثها في نفوسنا، فهناك أدلة تشير إلى أن الصراصير يمكنها النجاة من تأثيرات قنبلة نووية.
ولكن من حيث مدى خطورتها على صحة الإنسان، فإن ردات فعلنا تجاه الصراصير ليست عقلانية، حيث يشير (جيفري لوكوود)، وهو أستاذ في علم البيئة في جامعة وايومنغ، بأن هذه الكراهية هي في جزء منها نتاج عن التنشئة، وليس عن الطبيعة البشرية.
بحسب (لوكوود)، فإن الأطفال الصغار يمتلكون رغبة في الاقتراب والنظر عن كثب إلى الحشرات، لكن النشوء في الأماكن الحضرية، حيث يُنظر إلى الحشرات على أنها ضيوف غير مرحب بها في أحسن الأحوال، أو على أنها كائنات تنشر المرض في أسوئها، جعل معظم الأطفال يتعلمون بسرعة أنها مخلوقات يجب ضربها أو سحقها.
ليس من الصعب إثبات أن فكرة الخوف هي تعلمية بطريقة ما، فعلى قائمة المخاوف المرضية الشائعة، نجد بأن الخوف من المهرجين كان بالكاد معترفاً به قبل أن يصدر (ستيفن كينغ) روايته (It)، وفي نفس الوقت، لم يعد الكثير الأشخاص اليوم يقلقون كثيراً حول الرمال المتحركة، في حين أنه قبل 50 عاماً كان العديد من الأشخاص يشعرون بالقلق من وجودها خلال رحلهم أو نزهاتهم.
ولكن في حين أن خوفنا من الصراصير قد يكون غير منطقياً بالمقارنة مع المخاطر التي تمثلها، يقول (لوكوود) بأن كراهيتنا لها ليست سخيفةً بالكامل.
هناك ما يقرب من 4600 نوعاً من الصراصير في جميع أنحاء العالم، وبعض الأنواع تحمل مواداً مسببة للحساسية، بما في ذلك تلك التي تسبب الربو، كما ويمكن للصراصير أيضاً نقل البكتيريا المسببة للمرض، على الرغم من أن مركز السيطرة على الأمراض يشير إلى أنه ليس هناك “أدلة كافية” تربط الصراصير مع تفشي الأمراض.
عندما يتعلق الأمر بالحشرات التي يمكن أن تؤذيك، فإن الصراصير تأتي في مرتبة متدنية جداً، فالبعوض مثلاً يعتبر من أخطر المخلوقات التي توجد على كوكب الأرض بعد الإنسان، ومع ذلك فإن ردة فعلنا تجاهها أقل بكثير من ردة فعلنا تجاه الصراصير.
إذاَ، فما هو ذلك الشيء الذي يجعلنا نفزع عند رؤية الصراصير؟ تبعاً لـ(لوكوود) فإن الصراصير تمتلك العديد من الصفات التي تثير لدينا ردود الفعل الاشمئزاز، فالخوف والاشمئزاز هما نوعان من العواطف البشرية السلبية العالمية، أحدهما يعطي إشارات لوجود خطر مباشر، والآخر يشير إلى احتمال الإصابة بالمرض أو التلوث.
إذا ما شكلت هاتان العاطفتان مخططاً فنياً، فإن الصراصير ستكون في منطقة التداخل، فالصراصير كائنات زيتية ودهنية، وهي صفات تبعث بشدة على الاشمئزاز، وأيضاً، فإذا قمت بدعس أحدها، فإن صوت الهرش الناتج يعتبر عاملاً مثيراً للاشمئزاز بحد ذاته، وعادة ما يرافقه نفحة من الرائحة القذرة، فبحسب (لوكوود)، تمتلك الصراصير رائحة كريهة، تشبه البول، لأنها حرفياً تخزن حمض اليوريك في أجسادهم، وهو المكون الرئيسي للبول البشري.
بالإضافة إلى ذلك، هناك عامل الإنزلاق، ففي حين أن العديد من الحشرات المجنحة تكون سريعة، فإن الصراصير -نظراً لحجمها- قد تكون أسرع المخلوقات البرية على الأرض، فالصرصور الأمريكي على سبيل المثال يتحرك بسرعة تقارب 3.5 ميل في الساعة، (أي ما يعادل جري إنسان بالغ بسرعة أكبر من 200 ميلاً في الساعة)، وبهذا، فإن الصراصير تباغتنا بسرعتها الخارقة للطبيعة، تماماً كما يتسلل الشبح في أفلام الرعب بسرعة كبيرة عبر الغرفة.
أضف إلى ذلك قدرة الصرصور الهائلة على الخداع – حيث أنه يستطيع تجنب كشف نفسه، حتى عندما يغزو أكثر مساحاتنا خصوصية- وستحصل على مخلوق يمتلك العديد من الصفات التي يجدها البشر مقيتة إلى حد بعيد.
يضيف (لوكوود)، “أنا أشك بفكرة أن الأشخاص يملتكون مخاوف فطرية من الصراصير، لكن بالتأكيد، بعض الأمور قد تكون أسهل لتطوير الخوف منها، والصراصير أحد تلك الأشياء، لأنها تمس جميع الميول البشرية السلبية” (وعلى الجانب الآخر، يقول (لوكوود) بأنه سيكون من الصعب إقناع الأشخاص بالخوف من الأرانب أو الجراء، حتى لو علمنا غداً أن كلاً منها يمكن أن ينقل أمراضاً رهيبة).
على الرغم من أن كل ما تقدم قد لا يشكل أي فرق لديك في المرة القادمة التي سترى فيها صرصور يظهر لك على حين غرة، ولكن نأمل بأنه سيساعدك على البقاء هادئاً حتى تستطيع الوصول إلى مبيد الحشرات دون أن تكسر شيئاً ما في طريقك.