مع التطوّر الهائل في تقنيّات الذكاء الاصطناعي AI، يعتقد البعض بأنّ زمن البشر كأسيادٍ لكوكب الأرض قد شارف على الانتهاء، وبأن الانتظار لن يدوم طويلًا لرؤية الروبوتات تتحكّم بعالم البشر، بل وتستعبدهم في مناجم الفحم!
لقد أثبتت تلك الماكينات الذكية بالفعل، بأنها أفضل من معظم الناس في بعض المهارات، كلعب الشطرنج وإجراء العمليات الحسابية وتشخيص الأمراض، ولكنها بدت عاجزةً أمام أداء بعض المهام السهلة التي يتقنها معظم البشر، كحمل كوبٍ من الماء، أو فكّ عقدة حبل، أو نزول الدرج، وهو ما حمل العلماء على الاعتراف بحقيقةٍ مفادها، بأن تلك الماكينات بارعةٌ في أداء المهام التحليلية والمعرفية، ولكنها فاشلةٌ تمامًا عندما يتعلّق الأمر بالمهام البدنية الجسدية.
وفي محاولةٍ لتحدّي تلك الحقيقة، قام فريقٌ من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي في سنغافورة، ببرمجة عددٍ من روبوتات الأذرع، للعمل في أحد معامل المفروشات العالمية، ويدعى IKEA، وبعد التجارب والتحسينات، كانت أفضل نتيجةٍ وصلوا إليها، أن زوجًا من الروبوتات استغرق أكثر من 20 دقيقة، لتجميع كرسيٍ يمكن لشخصٍ عاديٍّ جمعه خلال دقائق معدودة.
يقول عالم الروبوتات الكندي هانس مورافيك:
“من السهل نسبياً أن نجعل أجهزة الكمبيوتر تقدّم أداءً على مستوى البشر البالغين في اختبارات الذكاء أو لعب الداما، ولكن من الصعب أو المستحيل منحهم مهارات طفلٍ بعمر سنةٍ عندما يتعلق الأمر بالإدراك والحركة”
يُطلق خبراء الذكاء الالكتروني على هذه المشكلة اسم “تناقض مورافيك”، وهي معروفةٌ منذ عقود، ولا يبدو أنها من نوعية المشاكل القابلة للحلّ بمزيدٍ من البحث، فالحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن البراعة في أداء المهام الجسدية السهلة، أكثر أهميةً بالمطلق من البراعة في إجراء الحسابات المعقّدة ولعب ألعاب الذكاء، رغم أن الكثير من البشر لا يدركون تلك الحقيقة، وهذا أحد الآثار الجانبية للتطور، فالإنسان يبرع في تنفيذ تلك المهام التي تبدو سهلة، بسبب تراكم خبرة أدائها في جيناته على مدى مليارات السنين، فيما يقلّ عمر لعبة الشطرنج مثلًا عن 2000 عام، لذا يجد الناس صعوبةً في استيعابها.
يجب مراعاة هذه الحقيقة عند التفكير في التأثيرات الفائقة للذكاء الاصطناعي والتشغيل الآلي، خاصةً مع انتقال تقنياته من عالم المعلومات والبيانات المجرّد إلى العالم الحقيقي للأشياء التي يمكن أن تسقط على قدمك، ففي 13 أبريل/نيسان الجاري، صرّح أيلون موسك، رئيس شركة تيسلا للسيارات الكهربائية، بأن مشاكل الإنتاج التي أثّرت على مصنع شركته ذي التكنولوجيا العالية، كانت –جزئياً- نتيجة الاعتماد المفرط على الروبوتات والأتمتة، على حساب البشر، وهذا ما يجب الانتباه إليه كثيرًا عند توظيف الروبوتات، فقد تتمكن تلك الماكينات قريبًا من قيادة عربات التوصيل على سبيل المثال، ولكنها ستواجه صعوبةً هائلةً إذا صادفها درجٌ زلقٌ، أو كلبٌ ضخمٌ يحرس إحدى الحدائق.
ليس هذا مجرد هراء، فأنظمة الذكاء الاصطناعي اليوم محدودةٌ من ناحيةٍ أخرى أيضًا، فمحركات التعرّف على الأنماط التي يتم تدريبها على آلاف الأمثلة، على أمل أن تطبّق القواعد التي تتعلّمها على أرض الواقع، تطبّق القواعد في الواقع بصورةٍ عمياء، دون فهمٍ –إنسانيٍّ- لما تقوم به، أو قدرةٍ على الارتقاء لإيجاد حلولٍ فوريّة، فعلى سبيل المثال، يقلق صانعو السيارات ذاتية القيادة دائمًا، من كيفية أداء سياراتهم عند المنعطفات والحواف، وهي حالاتٌ معقدةٌ وغير تقليديةٍ ولا يمكن توقعها أثناء التدريب.
وتبقى مسألة قياس مدى حدود الذكاء الاصطناعي أمرٌ خدّاع، إذ يشكو الباحثون في هذا المجال من أن جميع جهودهم في سبيل تطوير هذا العلم، قد يتمّ نسفها ونسيانها بسرعةٍ عند أوّل إخفاق، ولكنّ هؤلاء الباحثين أنفسهم يبدون أكثر حذرًا وتحفّظًا عند سؤالهم:
لماذا لم تنجح الآلات حتى الآن في تنفيذ أبسط المهام التي يقوم بها الإنسان؟