مهدي منصور الشاعر ودكتور الفيزياء والباحث التربوي، كان أول من اعتلى منصة قمة تيد بالعربي وبدأ أولى خطاباتها.
ربط مهدي بين الشعر والفيزياء، بين العلم والفن، بين العاطفي والمجرد، بين الطريق الواحد الذي ينتهجه الشعراء نحو القصيدة والعلماء نحو المعرفة، طريق يبدأ من نفس النقطة، الدهشة والتساؤل.
شرح منصور قصته كشاعر وفيزيائي، أو بدون واو العطف، شاعر فيزيائي فهو يرى أنه لكي تكون فيزيائياً عليك أن تكون شاعرا بالبداية، فالحالة الشعرية هي الممر الأساسي لكل علماء الكون، لأنهم يتعاملون كثيراً مع غير المرئيات، وحيلتهم الوحيدة لرؤية مالا يرى هو الحدس والخيال.
رابط بين جوهر الشعر وجوهر الفيزياء افتقد هو الدكتور مهدي منصور في بداية مسيرته التعليمية في نظام تعليمي عربي تقليدي يبدأ تصنيف الطلاب منذ سن مبكرة بين الادبي والعلمي.
نظام تعليمي وصفه بالنظام التعليبي. ينتج معلبات متخصصة تفيد السوق – سوق العمل – ولا تخلق انساناً مبدعاً، انساناً يتاح له النهل من العلوم والاهتمامات المختلفة في آن واحد، انسان لا يبنى من أول حياته ليناسب مقعد الوظيفة، بل انسان يبنى ويعطى العلم لكي يكون مبدعاً خلاقاً يضيف لهذا العلم نفسه.
مواضيع شتى ورؤى متعددة طرحها الدكتور الشاعر الباحث التربوي مهدي منصور في خطابه ثم ترجل، ولم نشأ في نقطة أن تكون تلك الخاتمة وأن توضع بعدها النقطة، فقابلناه وأجرينا معه الحوار التالي.
دكتور مهدي منصور الشعر.. والفيزياء كيف وجدت الرابط بينهم؟
في الحقيقة الرابط بينهما موجود. انتبهت له كما ينتبه الشاعر إلى جمالية قوس المطر. وينتبه العالم إلى علمية قوس المطر.
انتبهت أن الشعر هو أول الفيزياء والرياضيات هي ثالث الخطوات في عملية النظر إلى الظواهر الطبيعية وتحليلها ثم قوننتها.
في المدرسة منذ طفولتي واليوم انا دكتور في الفيزياء ولكن أعود بالزمن إلى زمن طويل إلى الوراء، أذكر أنني لم استحسن النظريات العلمية مثل ال فوتو سنتسس التي تجعل الشجر أخضر.
لم استحسنها إلا ما عندما تصورت أن الشمس رسام كبير، وأن الأرض هي لوحة كبيرة، عندما نفهم الحياة على هذا النحو نستلذ بما يحدث على المستوى المادي والجوهري والمجهري من المادة، نقطة أخرى كل قانون عندما تراه على نحو شعري لن تنساه إلى الأبد.
أعطيك مثال الآن عندما نقول أن تسارع الاشياء في الفيزياء بقانون نيوتن يساوي مجموع القوى على الكتلة، تعال نتخيل عندما تكبر الكتلة يقل التسارع، الإنسان مكبل بماضيه وعاداته، تلك هي كتلة الإنسان، عندما يكبر الوهم وتكبر القيود يصبح تسارعه أقل.
إذا ما وضعنا القانون بهذه الصورة لن تنساه إلى الأبد، وعندما تزداد مجموع قواك سوف يزداد تسارعك، ومجموع القوى يتكون من الطموح و الأسرار والأفكار، اذا رأيت القانون بشعريته فلن تنساه، إذا أينما كيفما توجهت أو فكرت سوف تجد أن هناك فكرة عبقرية وفكرة شعرية في الفيزياء.
وصفت النظام التعليمي الحالي بالنظام التعليمي.. كيف نخرج من عنق هذه العلبة؟
رائع أنا قلت أنه علينا أن نتحول من التعليب إلى التعليم، نحن نتعامل مع الطلاب كالمعلبات يدخلون أحرارا ويخرجون عبيد المؤسسة. نربي الطلاب على أن يكونوا منتجين في سوق العمل، ولا نربيهم على أن يكونوا مفكرين ومبدعين.
يعني مثلا بنيت المدرسة على تفريع الطلاب.. هؤلاء سيصبحون في المستقبل مهندسين وهؤلاء يختصون بالعلوم الإنسانية..إلخ.
لكن علينا أن نخرج من تلك الزجاجة باختصار علينا النظر الإنسان كإنسان كوحدة إبداعية متكاملة، أنا مؤمن أن التفريع ضروري لاحتياج سوق العمل، ولكن النجاح شيء والإبداع شيء،
يمكن أن نصنع مهندسا ناجحا بالتفريع ولا أصرف وقت وجهد على تدريسه اللغة والشعر والجمال والفن والإرث والتاريخ، ولكن إذا أردنا أن ننتج مهندساً مبدعاً، ينبغي أن يكون له علاقة مع الألوان وعلاقة مع الحروف و علاقة مع اللغة و علاقة مع الإرث وعلاقة مع التراث، بمثل هذا تبنى الأمم.
أضرب مثالاً؛ اليوم إذا أردت أن أبني مبنى في قطر يشبه التراث القطري لا يمكن أن يأتي بمهندس أجنبي، هذا المهندس ينبغي أن يكون وليد هذه الأرض وتشرب تراثها إلى جانب العلوم الأخرى، فلماذا نفرع مهندسينا على سبيل المثال من تلك السن المبكرة قبل أن يفهموا تماما ما يريدون، ويحصلون على كل ما تطلبه الحياة من إطلاع وإدراك للعلوم الأخرى.
سؤالي الاخير تحدثت عن نقطة مهمة وهي بداية كل بحث وحافز لكل اكتشاف.. “الدهشة”
كيف تبقي نارها حية في داخلك كشاعر وفيزيائي بعيدا عن روتين الحياة؟
يموت الإنسان عندما تموت دهشته ثم يتوفى لاحقا، هناك فرق بين الموت والوفاة، أخشى ما أخشاه كما يخشى كل الشعراء ويخشى كل العلماء أن أتوقف عن الدهشة، يا ليت لنا سعادة الأطفال، الذين يدهشهم أي شيء، ويلفتهم كل شيء.
بينما حينما نكبر ونتعود على الأشياء وندخل في الروتين كما ذكرت حضرتك، تموت بنا الدهشة شيئا فشيئا.
يموت بنا الخيال شيئا فشيئا، علينا – لكي نبقى أحياء – أن نفكر بطرق تبقي الدهشة مشتعلة، أن نجدد أن نمارس السفر؛ سيما إلى ذواتنا، سافر إلى داخل ذاتك، ليس بالضرورة أن يعني السفر تغيير البيت أو المدينة، أن نقرأ كتاباً جديداً، أن نتواضع!.
لأن جزء من مشكلتنا أننا نعتقد أننا نعرف كل شيء، وكل ما ردنا علما كل ما قلت دهشتنا، لأنه في نظرنا صرنا نعرف اكثر، ولكن عندما تؤمن بأن مالا تعلمه أكثر بكثير مما تعلمه، فأنت تبقى مستعداً نفسيا وروحياً لهذه الدهشة.
هذا رأيي الشخصي وأنا أشكرك على هذا الأسئلة لأنني أظن أنني تحدثت عن أشياء لم افكر بها من قبل، ولم يسألني أحد عنها.
العفو دكتور مهدي.
هذا كان ختام مقابلتنا مع الشاعر الدكتور مهدي منصور، أما ختام مقالتنا فأقتبسها من خاتمة خطابه على المنصة “حين نفكر بالعربية نبدع نرقى ونبتكر؛ فيا أيها العربي تمهل، دوائك فيك، وما تشعر، وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر”.