على الرغم من أن الذكريات قد تبدو حقيقية للغاية، إلا أنها قد تصبح معقدة جداً وقابلة للتغيير، وفي كثير من الأحيان غير موثوقة، قد تتغير نتيجة تقدم العمر،أو مع تغير نظرتك للعالم. قد يتذكر الناس أحداث الطفولة بشكل خاطئ ، أو يمكنهم حتى إنشاء ذكريات كاذبة جديدة، كما يمكن خداع الأشخاص لتذكر أحداث لم تحدث أبدًا، أو تغيير تفاصيل الأشياء التي حدثت بالفعل؛ وتُدعى هذه الظاهرة بالذاكرة الزائفة أوال(False Memory).
الذاكرة الزائفة هى حالة نفسية يتذكر فيها الشخص أحداثاً لم تقع بالأصل ،إذا سبق وجادلت أحد أصدقائك لأنك تشكك في حدوث شيء ما؛ فأنك على الأرجح تعرضت لهذه الظاهرة، كنتما هناك، رأيتما الشيء نفسه، لكنك تتذكره بشكل مختلف. وتكمن خطورة هذه الظاهرة في مدى صحة ذاكرة ضحايا الاعتداء الجنسي أثناء الطفولة أو ضحايا الصدمات النفسية، ومدى صحة شهادة الأشخاص المتعلقة بجرائم القتل أو السرقة؛ فقد يخيل إليهم بعض الأحداث -التى قد تكون غير حقيقية- فقط نتيجة توافر الكثير من الصور الذهنية التى تمتلئ بتفاصيل بصرية يعرضها الدماغ فيما بعد على أنها أحداث حقيقية؛ حيث أنه كلما كانت الصورة الذهنية مليئة بالتفاصيل البصرية، كلما زاد احتمال ربطها بحدث حقيقي.
ما لم يكن لديك سبب للشك في أن ذاكرة شخص ما مشوشة نتيجة مرض نفسي معين ، فلا تُوجد طريقة يمكنها تحديد ما إذا كانت الذكرى زائفة بمجرد الاستماع إليه.
قام علماء الأعصاب بفحص مسحات دماغية Brain Scans لأشخاص لديهم ذكريات حقيقية وآخرين لديهم ذكريات زائفة لمعرفة الفرق. في دراسة من جامعة دايجوDaegu University في كوريا الجنوبية ، طُلب من 11 شخصًا قراءة قوائم الكلمات التي تندرج في فئات ، مثل “حيوانات المزرعة”، ثم سُئلوا عما إذا ظهرت كلمات محددة في القوائم الأصلية ، كشف التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي (fMRI) تغيرات في تدفق الدم إلى مناطق مختلفة من المخ.
عندما كان المشاركون واثقين في إجاباتهم وكانوا على صواب، زاد تدفق الدم إلى الحصين The Hippocampus – منطقة الدماغ المختصة بالذاكرة- وإذا كانوا واثقين في إجابتهم ولكنهم كانوا مخطئين، أضاءت المنطقة الأمامية Frontoparietal region ؛المنطقة المرتبطة بـ الشعور بالشيء المألوف.
إحدى التفسيرات المحتملة للظاهرة هي نظرية (Fuzzy Trace Theory)؛ والتي تضمنت تجربة إعطاء أشخاص قائمة بكلمات ذات صلة، مثل السرير والنوم والحلم والتثاؤب ، ثم طُلب منهم استدعاء أكبر عدد ممكن من الكلمات. و بالفعل، تذكر الأشخاص كلمات تشبه الكلمات المدرجة في المعنى، مثل الغفوة أو القيلولة، والتي لم تكن موجودة في القائمة في المقام الأول.
أظهرت النظرية أن هناك نوعان من الذاكرة: الذاكرة الحرفية Verbatim Memory تمثل تذكر الأشياء بالتفصيل بشكل واضح، بينما الذكريات الجوهرية Gist Memory تمثل تصور غامض غير واضح لحدث سابق.
ومع تقدمنا فى العمر نعتمد على الذاكرة الجوهرية أكثر من الحرفية، بمعنى آخر؛ نصبح صانعين للمعنى أكثر من تذكرنا للتفاصيل؛ لأن أدمغتنا تنحاز أكثر لإيجاد معنى بمعدل أسرع.
توضح نظرية أخرى أن الذكريات الزائفة لا تعد كذباً بالضرورة؛ ولكنها محاولة من المخ حتى يملأ فراغات في ذكريات معينة فيقوم بإنشاء ذكريات أخرى ليكمل القصة مستخدماً خبرات سابقة، أو صور ذهنية، أو كلام سمعه مسبقاً؛ أو ربما بالتخيل والتشابه بين الأحداث، كما حدث في قضية الشاب الأمريكي ستيف تايتسSteveTitus و الذي تشابهت سيارته وملامح وجهه بشكل كبير مع سيارة وملامح مجرم قام بإغتصاب فتاة، وعندما صورته الشرطة لعرض صورته على الضحية؛ قالت الفتاة أنه الأقرب شبهاً للجاني، ولكن فى المحكمة أكدت أنه الفاعل. كيف تحول كلام الضحية من ” هو الأقرب” إلى” أنا متأكدة تماماً أنه الفاعل”؟
تم العثور لاحقاً على الجاني الحقيقي بمساعدة محرر محلى بإحدى الصحف ولكن بعد أن قضى تايتس عاماً بالسجن.
وهذه القضية ليست الوحيدة التي يُدان فيها شخص بريء لفعل لم يقترفه.
لذلك قام العلماء بتكثيف أبحاثهم وتجاربهم فيما يخص الذاكرة الزائفة،إلا أنها لم تُسفر عن طريقة يمكن بها كشف تلك الذكريات؛ ولكن في كل الأحوال مازال أمامنا الكثير لنتعلمه فى ذلك المجال الغامض.