فريق متعدد التخصصات في مركز سدرة للطب ينتج أول قطرات لبلازما العين في البلاد لعلاج طفلة قطرية تعاني من مرض نسبة الإصابة به “واحد في المليون”
في أوائل عام 2020، تواصلت أسرة رضيعة قطرية لا يتجاوز عمرها 10 أشهر مع مركز سدرة للطب، عضو مؤسسة قطر، لعلاجها من مرض غاية في الندرة يسمى نقص إنزيم البلازمينوجين والذي يفضي إلى حدوث التهابات خشبية الشكل في ملتحمة العين. كانت الأسرة حينها تقطن في المملكة المتحدة وتتحرق شوقًا إلى العودة إلى دولة قطر في ظل الارتفاع الكبير في أعداد المصابين بكوفيد-19 في المملكة المتحدة، ولكنها كانت تخشى في الوقت ذاته ألا تتلقى ابنتهم العلاج المناسب في أرض الوطن.
ورغم ذلك، كان الأطباء في مركز سدرة للطب، المستشفى الوحيد في دولة قطر الذي يقدم خدمات الطب الدقيق للأطفال المرضى، على يقين بتمتعهم بالخبرة اللازمة لعلاج هذه الحالة، وهو ما علقت عليه الدكتورة كيارا كوجنو، مدير مركز العلاج الخلوي المتقدم في سدرة للطب، قائلة: “عندما أُبلغنا بهذه الحالة، كنا على ثقة تامة ومنذ اللحظة الأولى بأننا نتمتع بالخبرة اللازمة للتعامل مع هذه الحالة. فالعلاج الوحيد المتاح لهذا المرض هو قطرات بلازما العين والتي لم يسبق إنتاجها في مركز السدرة من قبل ولا في أيّ مكان آخر في دولة قطر. وأدركنا حينها أن الموافقات التنظيمية قد تستغرق وقتًا نحن في أمسّ الحاجة إليه. ولكن لعلمنا أن المستشفى تتمتع بالمرافق الطبية التي تكفل لها إنتاج قطرات العين بشكل داخلي، عمدنا إلى جمع خبراتنا كافة لمساعدة هذه الرضيعة”.
قالت والدة الطفلة: “مرت أوقات لم تستطع طفلتي أن تفتح عينيها؛ وقد تملّكني الرعب من احتمالية فقدان بصرها”.
يقدّر معدل الإصابة بنقص البلازمينوجين بحالة واحدة لكل 1.6 مليون فرد. ولا يوجد سوى سبيل واحد للتعامل مع هذا المرض النادر، ألا وهو الطب الشخصي الذي يتم فيه استخدام قطرات العين. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المرض هو أحد الأمراض النادرة التي لا يتوفر لها علاج ناجع حتى الآن. لذلك، فإن التعامل مع هذا المرض يقتضي إعطاء المريض قطرات للعين تحتوي على إنزيم البلازمين الذي يعاني المريض من نقصه. وتصنع قطرات العين باستخدام بلازما مستخلصة من متبرع متوافق مع المريض.
من جانبه، أكد الدكتور بيدرو مطر، كبير الأطباء المعالجين في قسم طب العيون بسدرة للطب، قائلًا: “بإمكاننا بطبيعة الحال إزالة الالتهابات الخشبية الناتجة عن نقص البلازمينوجين جراحيًا، ولكن للحيلولة دون عودة نموها مرة أخرى، فعلى المريض استخدام قطرات عين خاصة مصنعة من البلازما البشرية أو مصل يحتوي على إنزيم البلازمينوجين”.
ورغم أن أسرة الطفلة لجأت إلى استيراد قطرات العين من المملكة المتحدة في بادئ الأمر، إلا أن فريق العمل في سدرة للطب كان حريصًا على إنتاج هذه القطرات محليًا، وذلك لأن قطرات العين هذه ليست أحد العلاجات التي تستخدم لمرة واحدة، بل يتعين استخدامها كل بضع ساعات، الأمر الذي قد يشق على أسرة الطفلة إذ ستكون في حاجة مستمرة إليها في المستقبل، ولو لم يتوفر بديل محلي لها سيتعين عليها إما استيرادها من المملكة المتحدة أو السفر إليها كل ثلاثة أشهر لإحضار المزيد.
وفي هذا الصدد، أوضحت الدكتورة كوجنو، قائلة: “في الواقع، الحال، لا يعدّ أيًّا من هذين الخيارين حلًا مستدامًا أو اقتصاديًا. لذلك، ليس أمامنا خيار سوى إنتاج هذه القطرات هنا في دولة قطر”.
تألف فريق العمل المنخرط في إنتاج قطرات العين هذه من أعضاء من مختلف الأقسام في مستشفى سدرة للطب، من بينها أقسام أمراض الدم لدى الأطفال وطب العيون وبنك الدم الباثولوجي ومركز العلاج الخلوي المتقدم. وللإسراع في إنتاج القطرات، لم يلجأ الفريق إلى تحديد أحد المتبرعين ثم إخضاعه للفحص للتأكد من سلامته الصحية، ولكنه قرر الاستعانة بعينات البلازما الحديثة والمجمدة التي تم الحصول عليها من متبرعين سبق خضوعهم للفحص والتي عادة ما يتم استخدامها في عمليات الحقن.
كما صرحت الدكتورة إيلين ماكبرايد، المدير الطبي في مختبر طب نقل الدم في مركز السدرة للطب، قائلة: “لا يتطلب تحويل بلازما الدم المتبرع بها إلى قطرات للعين قدرًا كبيرًا من التخطيط فحسب، بل يتطلب أيضًا مراجعة دقيقة وشاملة للبحوث المتاحة لضمان اتباع سدرة للطب لأعلى بروتوكولات ضمان الجودة العالمية. ولأن هذه هي المرة الأولى التي ننخرط فيها في مثل هذا الأمر، بحثنا عن نظام إنتاج آلي معقم قادر على إنتاج عدة قوارير من قطرة العين تكفي لاستخدام العائلة لثلاثة أشهر. ومع ذلك، تسببت الجائحة الحالية في تأخير كل خطوة من خطوات العملية إلا أنه بفضل إصرار جميع فرق العمل نجحنا في إنتاج القطرات في نهاية المطاف”.
كانت الشكوك ومشاعر القلق تساور والدة الطفلة حيال ما إذا كان الأطباء والباحثون في سدرة للطب قادرين على تخصيص ما يكفي من وقتهم والتزامهم تجاه حالة طفلتها، نظرًا لأنها كانت الحالة الوحيدة التي تعاني من هذا المرض في بلد بأكمله.
تقول والدة الطفلة: ” كان يبدو كمّ المجهودات المبذولة هائلًا ليتم تكريسه لحالة مرضية واحدة، ومع ذلك خصص الأطباء لها كل الوقت بل وبحماسة والتزام منقطع النظير. وعلى الرغم من ظروف الجائحة، تم التعامل مع حالة طفلتي كأولوية طوال الوقت”.
وفي شهر مايو من عام 2021، تلقت الأسرة أول عينة من قطرات العين المنتجة محليًا لعلاج طفلتهم، وهو ما علق عليه الدكتور أيمن صالح، رئيس قسم أورام الأطفال وأمراض الدم في سدرة للطب، قائلًا: “لم يكن هذا سوى ثمرة جهد مشترك، ليس بين مختلف فرق العمل في سدرة للطب فحسب بل مع الأسرة أيضًا. ونحن غاية في الامتنان للثقة التي أبداها والدا الطفلة تجاهنا وإتاحتهما الفرصة لنا لإنتاج قطرات العين هذه. ولم يكن هذا المشروع سابقة في مستشفى سدرة للطب فحسب، بل وفي دولة قطر بأسرها”.
في السابق، كانت تقع مسؤولية نقل قطرات العين من المملكة المتحدة إلى قطر بالكامل على والديّ الطفلة. كانت العملية صعبة للغاية بالنسبة لهم، ليس فقط على الصعيد النفسي، بل الجسدي أيضًا.
تتأثّر قطرات العين بشكل كبير بدرجات الحرارة، فيجب أن يتم تجميدها خلال نقلها. وتُعتبر تلك العملية عالية المخاطر وتتأثر بالعديد من العوامل؛ وقد يؤدي الفشل في أي خطوة من خطوات النقل إلى فساد شحنة بأكملها.
تقول والدة الطفلة: “بعد أن أصبحت سدرة للطب تُنتج قطرات العين، تم إعفاؤنا من هذه المسؤولية الشّاقة. فإن وجود مستشفى من الدرجة الأولى مثل سدرة للطب، قادرة على صناعة الدواء وتخزينه وضمان توافر كميات منه، جعلني أشعر بالراحة والطمأنينة مرة أخرى، وأن لدينا الوقت والطاقة للنظر إلى جوانب أخرى في الحياة.”
ورغم العقبات التنظيمية التي واجهها الفريق والتأخير الناجم عن انتشار جائحة كوفيد، فإن الفريق تغمره السعادة إزاء قدرته على توفير العلاج للطفلة في نهاية المطاف. وأضافت الدكتورة كوجنو في هذا الصدد قائلة: “لا شك أن نجاحنا في إنتاج قطرات العين هذه بأنفسنا دون مساعدة من أيّ من المراكز الأجنبية لمثال رائع على عزيمة دولة قطر في رحلتها التي أطلقتها لتوفير الطب الشخصي وفي غايتها نحو الاكتفاء الذاتي في مجال الطب. لقد مهدت هذه التجربة الطريق أمامنا لإضافة المزيد من الأدوات والتجهيزات إلى قائمة الموارد العلاجية التي طورناها لعلاج الأطفال في دولة قطر، حتى لا تلجئنا الحاجة إلى السفر إلى الخارج أو الاعتماد على وسائل علاجية باهظة الثمن قادمة من الخارج”.