حين نفكر بالطريقة التي يتم تجميع أجسامنا بها في البداية تكوننا يجعلنا هذا نتساءل: كيف عرفت الخلايا بما عليها أن تفعله؟ كيف عرفت هذه الخلايا أن عليها أن تكون عصباً؟ وهذه الأخرى أن عليها أن تكون عظاماً؟ وكيف وجدت المكان الصحيح الذي عليها أن تقف فيه؟
هذه هي الأسئلة التي حاول باحثون في جامعة ميامي إيجاد إجابتها.
ففي دراستهم الجديدة قاموا بوصف اللغة التي تستخدمها الأنسجة في منطقة الرأس والجذع للتواصل بينها وبين الأنسجة المجاورة لها.
وجد الباحثون نتيجتين رئيسيتين: كان الأول أنهم كشفوا أن الخلايا الموجودة عند اتصال الرأس والجذع تستخدم لغة للتواصل فيما بينها ليس فقط بخصوص نوع الأنسجة التي عليها أن تكونها ولكن أيضاً بخصوص الموقع من خريطة الرأس والجذع الذي على هذه الخلايا أن تقف فيه، الأمر الثاني هو اكتشافهم أن إشارات هوية الخلايا منفصلة عن إشارات مواقعها المطلوبة في هذه اللغة، أي أنهما عمليتان منفصلتان، أي أنها تخبرها في البداية باسمها ما إن كانت عصبية أم عظمية، ثم تخبرها بالموقع الذي عليها أن تقف فيه، وبالتالي فإن هذه اللغة المكتشفة هي ما يبقى المخ داخل الجمجمة، والحبل الشوكي داخل الفقرات الشوكية كما يقول الدكتور إسحاق سكرومني المدرس المساعد في علم الأحياء في جامعة ميامي والباحث الرئيسي في هذه الدراسة.
وأضاف سكرومني أن الأمر يشبه معرفتك بحجم قطع الأرض الموجودة في الشارع، لكنك لا تعرف عناوينها، هذا ما يحدث للخلايا، في البداية نقول لها المبنى الذي عليها أن تكونه، ثم نخبرها بعنوانه بالضبط، وعندما يحدث خلل في هذه اللغة ينتج فرق كبير بالطبع.
أهمية هذا الاكتشاف سيكون في التأثير الذي سيلقي بظلاله على فهم وعلاج العيوب الخلقية مثل “الشوك المشقوق” حيث تبقى بعض فقرات الحبل الشوكي غير ملتحمة ومشقوقة، بسبب انغلاق غير كامل للأنبوب العصبي لدى الجنين، ومتلازمة “كياري” وهي عيب خلقي بالمخيخ حيث تصبح حجرة المخيخ ضيقة أثناء مرحلة تخليق الجنين، فيحدث ضغط عليه وإزاحة لجزء منه مما يسد مجرى السائل الشوكي.
وقال كيون لي الطالب في كلية الطب في جامعة ميامي والمؤلف الرئيسي للبحث أنه لأجل دراسة هذه اللغة التي تحدث بين الخلايا درس أجنة “أسماك الزيبرا” لأنه كان يعلم أن النتائج عن كيفية تطور هذا الكائن تنطبق على الفقاريات الأخرى، وهي الدراسة التي حملها كيون على عاتقه منذ كان طالباً في الثانوية يعمل في مختبر الدكتور سكرومني.
وكشف فيها أن هذه اللغة التي تحدد للعظام والأعصاب هويتها ومواقعها تعتمد على جزئ يسمى “حمض الريتينويك”، وهكذا كونوا صورة عن طريقة تكون الجهاز الهيكلي-العصبي في منطقة اتصال الرأس والجذع، ما سيساعدهم في إيجاد علاجات مستقبلية لأي خلل يحدث في هذه اللغة منتجاً المشاكل الخلقية، وذلك باستهداف لغة الإشارات هذه منذ البداية، ويطمح الباحثون في فهم نوع المعلومات التي تحملها هذه الإشارات بالتفصيل مستقبلاً، ومعرفة كيفية تنظيم الخلايا لجيناتها استجابة لهذه الإشارات.