متى كانت المرة الأخيرة التي جلست فيها بصمت كلي ومطلق؟ على الرغم من أنه ليس من السهل العثور على السلام والهدوء الحقيقي، فهناك الآن أدلة ستجعلك ترغب في العثور على المزيد من الفرص لتجلس في صمت طوال يومك.
نحن نعلم بالفعل بأن كثرة الضوضاء ليس بالأمر الجيد بالنسبة لأدمغتنا أو أجسامنا، فقد ربطت الكثير من الأبحاث التلوث الصوتي بارتفاع ضغط الدم، قلة النوم، وأمراض القلب، وقد أدت هذه النتائج إلى إجراء المزيد من الأبحاث حول الآثار الطويلة الأمد للضوضاء، وخلال ذلك، وعن طريق الصدفة تقريباً، اكتشف العلماء الذين يدرسون الضوضاء فوائد غيابها.
كشفت المقالة التي تم نشرها مؤخراً في مجلة (Nautilus) بالتفصيل الآثار الإيجابية التي يمكن أن يوفرها الصمت لأدمغتنا، حيث قام الصحافي (دانيال غروس) بمراجعة العديد من الدراسات التي أجراها الباحثون لدراسة تأثير الأنواع المختلفة من الأصوات – مثل الموسيقى والأصوات القصيرة المتقطعة، والضجيج الأبيض – ليكتشف بأن نتائج الصمت من بين جميع أنواع الأصوات التي تمت دراستها كانت هي الأكثر إثارة للاهتمام، وفيما يلي بعض الفوائد التي كشفت عنها هذه البحوث.
تنمية خلايا دماغية جديدة
من خلال تعريض مجموعة من الفئران لمجموعة مختارة من الأصوات، كانت أستاذة عالم الأحياء التجددية في جامعة ديوك (إيمكه كيرست) تحاول معرفة أياً من هذه الأصوات يمكن أن تحفز تشكل الخلايا الدماغية الجديدة، وكانت تستخدم الصمت كتقنية ضابطة.
وجدت (كيرست) بأن قضاء ساعتين من الصمت يومياً ساهم في تشكل خلايا جديدة في منطقة تلفيف الحصين، وهو الجزء الرئيسي من الدماغ المرتبط بالذاكرة، وعند مراجعة النتائج، خلصت (كيرست) إلى أن الصمت كان يمثل خروجاً غريباً عن القاعدة لأنه زاد من اليقظة لدى الفئران.
بحسب (كيرست)، فقد تبين بأن الصمت يساعد حقاً الخلايا المولّدة حديثاً على التمايز والتحول إلى خلايا عصبية والاندماج في النظام العصبي.
تفعيل ذاكرة الدماغ
حتى عندما يكون العالم من حولنا هادئاً تماماً، فإن أدمغتنا تعمل بشكل جيد للغاية في ذاك الصمت، فلنأخذ على سبيل المثال الاستماع إلى أغنيتنا المفضلة، فإذا ما توقفت الأغنية فجأة في منتصفها، وكنت تعرفها بشكل جيد، فإنك ستستمر بالاستماع إلى الأغنية في رأسك.
من خلال استرجاع موسيقى الأغنية وكلماتها، يقوم العقل بخلق وهم صوتي، وهذا يرجع إلى أن نشاط القشرة السمعية في المخ يبقى كما هو، فحتى وإن لم يتم تحفيز الأذنيين عن طريق الأصوات الخارجية، فإن الدماغ يجد دائماً طريقة للبقاء بحالة نشطة.
تشجيع التفكير الذاتي
في حال عدم وجود محفزات وإلهاء، لا يكون الدماغ بحاجة للتركيز، لذلك فإنه يدخل في حالة من الفرز الافتراضي، وهذا لا يعني أنه يتوقف عن العمل، بل في الواقع فإن العكس هو الصحيح، فالعقل في حالة الراحة يستمر في فرز وجمع المعلومات، وهنا يأتي دور التفكير الذاتي.
إن التحفيز السمعي يجبر الدماغ على معالجة الأصوات والاستماع إلى ما يدور من حولك، ولكن دون وجود ضجيج خارجي، يتم توجيه الدماغ للاستماع إلى ما يجري داخله.