منذ آلاف السنوات عندما كان الإنسان يسكن الكهوف ويعتمد على الصيد كمصدر طعامه الأساسي كانت بعض النباتات والحيوانات هي وسيلة علاجه الوحيدة من الأمراض، فمثلاً كان يستخدم لحاء الأشجار لتسكين الآلام وسم الأفاعي في علاج التهاب المفاصل، حتى أن الطب الصيني القديم يعتمد على مكونات من 36 فصيلة من الحيوانات كوحيد القرن والدب الأسود والنمر وحصان البحر في علاج الأمراض .
وبالرغم من أنها أنقذت الإنسان القديم من الأمراض إلا أن الحيوانات أيضاً هي أحد أسباب تفشي الأوبئة كما هي الحال التي نعيش فيها الآن في ظل وباء كوفيد-19 الذي يُعتقد أن مصدره الرئيسي حيواني من الخفاش و البنغول، لكن يعتقد العلماء حالياً أن بالرغم من احتمالية انتشار الأوبئة بسبب الحيوانات تزيد فأيضاً احتمالية اكتشاف علاجات جديدة مدهشة لبعض الأمراض مأخوذة من تلك الحيوانات هي أيضاً تزيد بشكل كبير في المستقبل.
عنكبوت سيدني ذو الشبكة القمعية (Funnel-web spider)
هو عنكبوت يعيش في أستراليا ويُعد من أخطر أنواع العناكب حيث أن سمه قد يكون مُميت للإنسان إذا لم يتم إسعافه بسرعة. استخدم دكتور جلين كينج الباحث في أمراض الجهاز العصبي في جامعة أستراليا سم هذا العنكبوت في صنع دواء يمنع تلف خلايا الدماغ لمن هم نجوا من السكتتات الدماغية.
يعمل هذا الدواء على منع حدوث آثار جانبية للسكتات بنسبة تصل ل 90% إذا تم العلاج به في غضون 4 ساعات من حدوث الجلطة، حيث أن الدواء الوحيد المعتمد من منظمة الغذاء والدواء والذي يُعطَى لمريض السكتة الدماغية في تلك الحالة كان يتخلص من الجلطة فقط دون أن يمنع الآثار التي سببها نقص تشبع خلايا المخ للأوكسجين والتي قد تُسبب شلل للأعضاء في بعض الحالات وهنا تأتي أهمية هذا الدواء الجديد.
عقرب فلسطين الأصفر (Deathstalker scorpion)
هو نوع من العقارب السامة المنتشرة في الشرق الأوسط وسمه خطير للغاية حيث يحتوي على مجموعة من السموم العصبية القادرة على إحداث تشنجات قد تصل للوفاة في بعض الحالات. تمكن بعض العلماء في مركز فريد هاتشينسن لأبحاث السرطان في الولايات المتحدة الأمريكية من استخدام سم هذا العقرب في صنع دواء قادر على الارتباط بخلايا السرطان في الجسم دوناً عن باقي الخلايا السليمة وذلك من شأنه أن يُسهل على الجراحين رؤية حجم السرطان كله لإزالته بسهولة.
أثبت هذا الدواء فعاليته بجدارة في إظهار الخلايا السرطانية حيث أن له حساسية أعلى ب 500 مرة من التصوير بالرنين المغناطيسي. يمر حالياً الدواء بمرحلة التجارب السريرية وبانتظار الموافقة عليه من منظمة الغذاء والدواء.
أفعى رأس الرمح البرازيلية (Brazilian Arrowhead Viper)
بالرغم من أن لدغات الأفاعي السامة تتسبب بقتل نحو 100 ألف شخص سنوياً حول العالم إلا أن بعض منها صنع أثر إيجابي تسبب في علاج الملايين من البشر حتى الآن. فأفعى رأس الرمح مثلاً هي نوع من الأفاعي الشديدة السُمية المنتشرة بأمريكا الجنوبية وأستراليا، تستخدم تلك الأفعى سمها في أن تجعل فريستها ثابتة مكانها فاقدة الوعي حتى تتمكن من اصطيادها وذلك عن طريق خفض ضغط الدم بصورة كبيرة.
ألهمت طريقة عمل هذا السم العلماء لاستخدامه في الوصول لعلاج لارتفاع ضغط الدم، حيث يقول زولتان تاكاكس مؤسس مشروع بنك السموم العالمي ” سم هذه الأفعى فتح فئة جديدة كلياً من الأدوية تُعرف بمثبطات (ACE) والتي تُستخدم الآن في علاج أكثر من 40 مليون شخص حول العالم” وبالفعل تم إطلاق الدواء المستخلص من السم في عام 1975 تحت اسم Captopril.
سحلية الهيلية العملاقة (Gila Monster)
هي نوع من السحالي التي تعيش في صحراء جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية وشمال المكسيك، وتُمثل نوع واحد من نوعين فقط من السحالي التي تُنتج السموم. الهيلية من ذوات الدم البارد وبالتالي فهي وقت الشتاء تدخل في سبات طويل حتى يحل وقت الربيع، وحينها يقوم السم بجسمها بإطلاق هرمون يُحفز أعضاء الجسم لكي تعمل من جديد.
اكتشف هذا الهرمون دكتور جون انج عالم الغدد الصماء في معمل سولومون بيرسون البحثي بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1992 وأطلق عليه اسم exendin-4. وجد دكتور جون أن هذا الهرمون يعمل بطريقة تشبه للهرمون الذي يفرزه الجهااز الهضمي في جسم الإنسان والذي يُحفز على زيادة إنتاج هرمون الإنسولين عندما ترتفع نسبة السكر في الدم، كما أن هرمون exendin-4 يبقى فعال لوقت أطول من الهرمون البشري.
تلك المميزات جعلته مرشح مثالي ليتم به صنع دواء لداء السكري من النوع الثاني حيث تم بالفعل الموافقة عليه من قِبل منظمة الغذاء والدواء في عام 2005 تحت اسم Byetta.
الأفعى الجرسية (Pygmy Rattlesnake)
هي أفعى صغيرة تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، سمها ليس بشديد الخطورة لكنه يملك خصائص مدهشة حيث أن جزيئ واحد منه يتسبب في جعل الفريسة تنزف بغزارة ويمنع حدوث أي تجلطات في الدم وبالتالي يسرع موتها لكي تفترسها الأفعى.
تم بالفعل تطوير جزيئات هذا السم لتُصبح في النهاية دواء تحت اسم eptifibatide الذي يمنع تكون الجلطات التي من شأنها أن تسد الشرايين وتتسبب بحدوث سكتات قلبية، وبالتالي يصبح مناسب لأصحاب أمراض القلب وخاصة الفئة المُعرضة لخطر حدوث نوبات قلبية مفاجئة.
في النهاية، يوجد في الطبيعة من حولنا الكثير من المفاجآت التي تنتظرنا لكي نكتشفها، وهنا يأتي الدور العظيم للعلماء في فك تلك الألغاز واستخدامها في صالح البشرية كلها.