أظهرت دراسة عالمية حديثة أن تمثيل الأفراد من الأصول عربية في بحوث الجينوم بلغت نحو 0.17 في المائة فقط مقارنة بـ88 في المائة من الأفراد ذو الأصول الأوروبية، ما يعرقل مسيرة تقدّم الطب الدقيق في العالم، حيث أن الأفراد الذين يتحدرون من أصول أوروبية يمثلون أقلية بين سكّان العالم، ومع ذلك يُشكلون النسبة الأكبر في بحوث الجينوم البشري، وهذا ما يؤثر بشكل مباشر على فهم الأمراض السائدة في العالم، ومنهجية تطوير العلاجات، وصناعة الدواء، وابتكار سُبل الوقاية من الأمراض.
ومن المقرر أن يناقش مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية “ويش”، إحدى مبادرات مؤسسة قطر، في نسخته السابعة من المؤتمر التي تنعقد في الدوحة يومي 13 و14 نوفمبر 2024، مسارات متعددة منها: صحة الأقليات والسكان المعرضين للخطر، والابتكار والتغيير على مستوى النظام، وذلك تحت موضوع القمة الرئيسي ” الصحة من منظور انساني: المساواة والمرونة في مواجهة الصراعات”.
ويُعتبر الطب الدقيق إحدى المجالات الرئيسية التي ستُسهم في إحداث التغيير على مستوى الأنظمة الصحية في العالم ناهيك عن الدور الذي يلعبه في تعزيز صحة الأقليات الذي لا تشملهم البحوث بشكل عام وخصوصًا بحوث الجينوم.
د.رجاء باجي إنّ
في هذا الإطار، توضح الدكتورة رجاء باجي، مدير الجينوم التطبيقي في معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة، عضو مؤسسة قطر، العوامل الأساسية التي تؤدي إلى هيمنة الجينوم الأوروبي في البحوث المتعلقة بالأدوية، قائلةً: “تاريخيًا، استثمر الأوروبيون مبكرًا في البنية التحتية للبحوث الجينية، وتم إطلاق بحوث الجينوم والبنوك الحيوية الكبرى في الدول الغربية. وقد استمر الباحثون في الاعتماد على الجينوم الأوروبي في بياناتهم كمرجع لهم بسبب غياب تمثيل الجينوم الآخر. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن الطب الدقيق محط اهتمام الاستراتيجيات الوطنية في المنطقة العربية، بسبب ارتفاع تكاليف إنشاء البنية التحتية اللازمة لتخزين البيانات وتحليلها، وارتفاع تكاليف التسلسل الجيني، والنقص في القدرات البشرية المتخصصة في علم الوراثة والمعلوماتية الحيوية والتخصصات الأخرى المرتبطة بذلك”.
في إطار مساعي دولة قطر في مجال تطوير الرعاية الصحية الدقيقة بالمنطقة، والدور الرائد الذي تلعبه مؤسسة قطر في هذا الصدد تقول الدكتورة رجاء باجي: “يُسهم معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة من خلال قطر بيوبنك وقطر جينوم إلى معالجة هذا الخلل العالمي، وذلك عبر الاستفادة من التركيبة السكانية الفريدة لدولة قطر التي تضمّ نسبة كبيرة من سكان الشرق الأوسط الذين لا يتم تمثيلهم بشكل كافٍ حالياً في قاعدة بيانات الجينوم العالمية، وذلك بالإضافة إلى مساعي المعهد الرامية إلى تكريس الطب الدقيق في استراتيجيات الصحة الوطنية”.
تضيف رجاء:”لقد أسهم (قطر بيوبنك وقطر جينوم) اللذان يعملان اليوم تحت مظلة معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة، عضو مؤسسة قطر، في تعزيز شمولية بيانات الجينوم العالمية بشكل كبير من خلال تحديد تسلسل أكثر من 14600 جينوم من سكان دولة قطر وأكثر من 2900 جينوم من 19 دولة عربية أخرى. وقد أظهرت دراسة حديثة حول الترابط الجينومي الكامل أنه اعتبارًا من عام 2022، ساهمت قطر بنسبة 96.2% من التمثيل العربي الجينوم، مقابل 3.8% متبقية تم جمعها من 10 دول أخرى. وقد أدت هذه الجهود إلى تحديد أكثر من 24.6 مليون مُتغير غير معروف سابقًا وإلى العديد من المتغيرات الجديدة المرتبطة بالأمراض. وهو ما يبرز الدور الهام الذي تلعبه مؤسسة قطر والباحثين فيها بمعالجة النقص الشديد في تمثيل الأصول العربية بأبحاث الجينوم”.
تابعت رجاء: “بالإضافة إلى ذلك، أدى دمج البيانات الجينومية مع البيانات السريرية إلى اكتشاف متغيرات جينية مسببة لأمراض القلب والأوعية الدموية الحادة. وتعتبر هذه النتائج محورية في تعزيز فهمنا لآليات الأمراض السائدة بين السكان العرب. كما تعد هذه المشاركة أمرًا بالغ الأهمية لابتكار منهجيات جديدة في تطوير الأدوية، والوقاية من الأمراض التي تلبي احتياجات مجموعات سكانية متنوعة على مستوى العالم”.
وعلى الرغم من هذه التطورات، ما زال الباحثون يواجهون تحديات متنوعة، وتقول الدكتورة رجاء باجي إنّ:” ضمان استمرار مشاركة السكّان في الدراسات طويلة الأمد أمرًا صعبًا بسبب التفاوت في مستوى الثقافة الصحية، والخصوصيات الثقافية فيما يتعلق بجمع البيانات، بالإضافة إلى غياب الموارد اللازمة وتمويل البحوث المشتركة في العديد من الدول”.
كذلك يواجه الباحثون تحديات تقنية وتنظيمية معقدة في تبادل البيانات الجينومية على المستوى الدولي، ما يتطلب مزيدًا من التعاون في هذا الإطار، وتختم الدكتورة باجي :”مع تأكيدنا على أهمية تبادل البيانات، فمن الضروري بناء أُطر تعاون ومنصات لتسهيل التبادل الآمن للبيانات والامتثال للوائح حماية البيانات الدولية، وبالتالي بناء المزيد من الشراكات القوية والتعاون في هذا المجال”.
هذا وتعقد النسخة السابعة من مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية “ويش 2024″، إحدى المبادرات العالمية لمؤسسة قطر، يومي 13 و14 نوفمبر المقبل في الدوحة، وذلك في إطار “الصحة من منظور إنساني: المساواة والمرونة في مواجهة الصراعات”. يلتئم المؤتمر على مدار يومين في مركز قطر الوطني للمؤتمرات بمشاركة أكثر من 3000 مشارك من القيادات والرواد والمبتكرين والباحثين ورجال الأعمال والعاملين في مجال الرعاية الصحية حول العالم بهدف البحث عن حلول مبتكرة لمجموعة من أكبر التحديات الصحية التي تواجه العالم اليوم.
يتعاون “ويش” هذا العام مع منظمة الصحة العالمية في إطلاق ثلاثة مشاريع بحثية رائدة، تقودها منظمة الصحة العالمية، تروم إلى إصدار تقارير علمية رصينة مبنية على الأدلة والإثباتات ستتم مناقشتها ودراستها بدقة خلال القمة.