عند استخدام التكنولوجيا، فنحن غالباً ما نركز بتفاؤل على جميع الخدمات التي يمكن أن تقدمها لنا، ولكن ما لا يعرفه معظمنا هو أنها يمكن أيضاً أن تفعل العكس، وتستغل نقاط الضعف في عقولنا.
لفهم ذلك دعونا نأخذ مثال الساحر، حيث أن الساحر يبدأ عرضه بالبحث عن البقع العمياء ونقاط الضعف وحدود التصور لدى الأشخاص، حتى يتمكن من أن يؤثر على ما يفعله الأشخاص من دون أن يدركوا ذلك حتى، فبمجرد أن تعرف كيف تؤثر على الأشخاص، سيكون بإمكانك اللعب بهم مثل البيانو تماماً.
هذا هو بالضبط ما يفعله مصممو المنتجات بذهنك، فهم يلعبون على نقاط الضعف النفسية لديك (عن وعي أو عن غير وعي) في سباق لنيل اهتمامك.
أريد أن أبين لكم كيف يتم ذلك من خلال النقاط العشر التالية.
- إذا كان بإمكانك التحكم بالقائمة، سيكون بإمكانك التحكم بالخيارات
تم بناء ثقافتنا لتتمحور حول فكرة الاختيارات الشخصية والحرية، فالملايين منا يدافعون بشراسة عن حقهم في اتخاذ خيارات “حرة”، بينما نتجاهل الكيفية التي يتم فيها التلاعب بنا من خلال القوائم المحدودة التي لم نقم باختيارها في الأصل.
هذا هو بالضبط ما يفعله السحرة، إنهم يوهمون الأشخاص بأنهم يمتلكون حرية الاختيار في حين أنهم يكونون قد قاموا بترتيب القائمة بالطريقة التي تجعلهم يفوزون دائماً، بغض النظر عمّا سيختاره الآخرون.
عندما يتم إعطاء الأشخاص قائمة من الخيارات، فإنهم نادراً ما يسألون:
- “ما الذي لا يوجد على القائمة؟”
- “لماذا تم إعطائي هذه الخيارات وليس غيرها؟”
- “هل أعرف أهداف صاحب القائمة؟”
- “هل تم تصميم هذه القائمة لتلبي حاجتي الأصلية، أو أنها في الواقع مجرد خيارات لإلهائي؟” (على سبيل المثال وضع مجموعة كبيرة من معاجين الأسنان على الرفوف)
تخيل مثلاً أنك تريد الخروج مع أصدقائك إلى مكان يمكنكم فيه الاستمرار في الحديث، لذلك تقوم بفتح أحد المواقع التي تتضمن قائمة بالمطاعم التي توجد في البلدة، لتعثر من خلالها على توصيات حول المطعم القريب من منطقتك، عند هذه اللحظة ستتحول أنت وأصدقاؤك إلى حشد من الوجوه التي تحدق في هواتفها لمقارنة أفضل المطاعم من حيث الإطلالة والمأكولات والمشروبات التي تقدمها، ولكن هل هذه القائمة لا تزال تلبي الرغبة الأصلية للمجموعة؟
نحن لا نتكلم هنا عن أن المطاعم ليس خياراً جيداً، ما نقصده هو أن ذلك الموقع استبدل سؤال المجموعة الأصلي (“ما هو المكان الذي يمكننا الذهاب إليه لخوض حوار مستمر؟”) بمسألة مختلفة (“ما هو المطعم الذي يمتلك أفضل الإطلالات والمأكولات؟”) وذلك كله من خلال تشكيل القائمة.
علاوة على ذلك، فستكون أنت وأصدقاؤك قد وقعتم في وهم أن القائمة التي يقدمها الموقع تحتوي على مجموعة كاملة من الخيارات للأماكن التي يمكن الذهاب إليه، ومن خلال النظر إلى هواتفكم بهذه الطريقة، لن يعود بإمكانكم رؤية الحديقة التي تقع في الطرف الآخر من الشارع والتي يوجد فيها فرقة عزف موسيقية حية، كما أنكم ستفوتون المعرض الذي يقع إلى جانبكم ويقدم الكعك والقهوة، لأن أياً من هذين الخيارين لا يظهران على قائمة الموقع.
كلما زادت الخيارات التي تقدمها لنا التكنولوجيا في كل جانب من جوانب حياتنا (المعلومات، والأحداث، وأماكن الذهاب، والأصدقاء، والمواعدة، والوظائف)، زاد احتمال أن اعتقادنا بأن هواتفنا ستقدم لنا دائماً القائمة التي تمنحنا القوة والخيارات الأفضل للاختيار منها، ولكن هل هذا صحيح؟
القائمة “التي تمنحك القوة” مختلفة عن القائمة التي تمتلك الخيارات الأكثر، ولكن عندما نستسلم بشكل أعمى إلى القوائم التي تقدم لنا، يصبح من السهل ألّا نميّز الفرق:
- الأشخاص المتوفرين للخروج معك لقضاء بعض الوقت يتحولون إلى قائمة من الأشخاص الذين تحدثوا معنا مؤخراً.
- ما يحدث في العالم يتحول إلى قائمة من آخر الأخبار.
- الأشخاص غير المرتبطين الذين يرغبون في الذهاب في موعد يصبحون قائمة من الوجوه للانتقاء بينهم على أحد تطبيقات الهواتف المحمولة المخصصة للمواعدة.
- عبارة “لا بد لي من الرد على هذه الرسالة” تتحول إلى قائمة من المفاتيح لكتابة الرد.
- عندما نستيقظ في الصباح، وننظر إلى هواتفنا لنرى قائمة الإخطارات، فهذا يعد تمثيلاً حقيقياً لعبارة التحقق من قائمة “كل الأشياء التي فاتتني منذ يوم أمس”.
من خلال تشكيل القوائم التي نختار منها، يمكن للتكنولوجيا أن تصادر الطريقة التي ننظر من خلالها إلى خياراتنا وتستبدل بها خيارات أخرى جديدة، ولكن كلما أولينا انتباهاً أكبر للخيارات المقدمة لنا، سنلاحظ أكثر مدى عدم ملاءمتها لاحتياجاتنا الحقيقية.
- وضع آلة الحظ في جيوب المليارات من الأشخاص
إذا كنت أحد التطبيقات، كيف يمكنك إبقاء الأشخاص مدمنين دائماً على استخدامك؟ ببساطة تحويل نفسك إلى آلة حظ.
تبعاً للإحصائيات، فإن الشخص العادي يتحقق من هاتفه 150 مرة في اليوم، ولكن لماذا يفعل هذا؟ هل جميع اختياراته في هذه المرات الـ150 هي اختيارات واعية؟
أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك، هي العنصر النفسي الذي يجعل الأشخاص يدمنون على آلات الحظ لأنها دائماً ما توفر مكافآت متغيرة بشكل متقطع.
إذا كنت ترغب في تحقيق أقصى قدر من الإدمان، فكل ما يجب على مصممي التكنولوجيا القيام به هو ربط عمل المستخدم (مثل الضغط على زر) مع الحصول على مكافأة متغيرة، حيث أنه عند ضغطك للزر ستحصل وعلى الفور إما على أي مكافأة مغرية (جولة ثانية، أو جائزة!) أو لا تحصل على أي شيء، وكلما كان معدل تغير المكافأت أعلى كلما أدمن الشخص أكثر على ما يفعله.
هل هذا التأثير يعمل حقاً على الأشخاص؟ نعم إنه يعمل، فآلات الحظ تستطيع جمع قدر أكبر من المال في كازينوهات الولايات المتحدة مما تفعله مباريات البيسبول ودور الأفلام والمتنزهات مجتمعة، وبالنسبة للأنواع الأخرى من ألعاب القمار، يبدو بأن الأشخاص يصبحون أسرع تعلقاً بآلات الحظ بـ 3-4 مرات مما يفعلونه مع غيرها من الألعاب، وذلك وفقاً لأستاذة جامعة نيويورك (ناتاشا داو شال).
الحقيقة المؤسفة، أن هناك الملايين من الأشخاص الذين يمتلكون آلات الحظ في جيوبهم:
- عندما نسحب هواتفنا من جيوبنا، فنحن في الحقيقة نكبس على زر آلة الحظ لمعرفة ما هي الإخطارات التي وصلتنا.
- عندما نقوم بتحديث بريدنا الإلكتروني، فنحن نلعب آلة الحظ لمعرفة البريد الإلكتروني الجديد الذي وصلنا.
- عندما نمرر أصابعنا على شاشات الهاتف لنعرف ما هي الصور التي تم وضعها على الإينستاجرام، فنحن نلعب بآلة الحظ لمعرفة ما هي الصورة التي ستظهر بعد ذلك.
- عندما نقلب بين أوجه الأشخاص على تطبيقات المواعدة، فإننا نلعب بآلة الحظ لنرى ما إذا كنا سنجد الشخص المناسب.
- عندما نضغط إخطاراً باللون الأحمر، فنحن نلعب بآلة الحظ لنعرف ما الذي سيكون تحته.
إن التطبيقات والمواقع تنشر جميع أنواع المكافآت المتغيرة المتقطعة في جميع أنحاء منتجاتها، لأن هذا أمر جيد لجعلها تستمر في العمل، ولكن في حالات أخرى، يمكن لآلات الحظ أن تظهر عن طريق الصدفة، على سبيل المثال، ليس هناك شركة خبيثة وراء البريد الإلكتروني الذي اخترت بوعيك أن تجعله يتحول إلى آلة حظ، فليس هناك من يستفيد عند اختيار الملايين التحقق من بريدهم الإلكتروني دون أن يكون هناك شيء جديد فيه، كما أن هدف مصممي كلاً من شركتي أبل وجوجل لم يكن تصنيع هواتف لتعمل مثل آلات الحظ، فقد حدث الأمر بالصدفة.
ولكن الآن أصبحت الشركات مثل أبل وجوجل مسؤولة عن الحد من هذه الآثار عن طريق تحويل المكافآت المتغيرة متقطعة إلى شيء أقل إدماناً، وأكثر قابلية للتنبؤ باستخدام تصاميم أفضل، على سبيل المثال، إعطاء الأشخاص قدرة أكبر في تعيين الأوقات التي يريدون فيها فتح تطبيقات “آلات الحظ” خلال اليوم أو الأسبوع، وضبط الأوقات التي يتم فيها تسليم الرسائل الجديدة لتتماشى مع تلك الأوقات.
3: الخوف من تضييع أحداث مهمة
هناك طريقة أخرى تقوم فيها التطبيقات والمواقع بخطف عقول الأشخاص، وهي زرع فكرة أنه قد يكون هناك احتمال1% من أن تضيع عليك فرصة معرفة حدث مهم.
إذا استطعت إقناعك بأنني قناة للحصول على المعلومات المهمة، والرسائل، والصداقات، فسيكون من الصعب عليك إيقافي عن العمل، أو إلغاء اشتراكك بي، أو إزالة حسابك عني، لأنك بذلك ستعرض نفسك لاحتمال تضييع حدث مهم:
- هذا ما يجعلنا نحافظ على إشتراكنا في الرسائل الإخبارية حتى بعد أن يكون قد مر فترة طويلة منذ أن قدمت لنا فوائد حقيقية (“ماذا لو ضيعت حدثاً مهماً في المستقبل؟”)
- هذا يبقينا على “صداقة” مع أشخاص لم نتحدث إليهم منذ زمن طويل (“ماذا لو ضيعت شيئاً مهماً منهم؟”)
- هذا ما يجعلنا نستمر في تقليب الوجوه على تطبيقات المواعدة، حتى ولو كنا لم نلتقِ مع أي شخص منذ فترة (“ماذا لو ضيعت ذلك الشريك المحتمل؟”)
- هذا ما يجعلنا نستمر في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي (“ماذا لو ضيعت ذلك الخبر المهم أو لم أنتبه إلى ما يتحدث عنه أصدقائي؟”)
ولكن إذا أمعنا أكثر في النظر في هذا الخوف، سنكتشف أنه غير محدود، فنحن سوف نضيع دائماً شيئاً مهماً في أي لحظة عندما نتوقف عن استخدام ذلك الشيء.
- هناك لحظات سحرية سنضيعها على الفيسبوك إذا لم نستخدمه لمدة ساعة 6 ساعات .
- هناك لحظات سحرية سوف نفوتها على تطبيقات المواعدة (الشريك المثالي) من خلال عدم البحث في الشركاء المحتملين الـ 700 الذين يظهرون لدينا.
- هناك مكالمة طارئة سنفوتها إذا لم نكن متصلين على مدى الـ24/7.
ولكن العيش لحظة بلحظة ونحن خائفون من أن نضيع شيئاً علينا ليست الطريقة التي تم تصميمنا فيها لنعيش، وستدهش عندما ترى مدى السرعة التي ستستيقظ فيها من الوهم بمجرد أن تترك ذلك الخوف، وتبتعد لمدة يوم أو يومين، حيث أنك ستلاحظ فوراً أن القلق الذي اعتقدت بأنه يتملكك لم يكن موجوداً في الأصل، لأنك ببساطة لا يمكن أن تضيع ما لا تراه.
- الموافقة الاجتماعية
نحن بالمجمل ضعيفون أمام قضية الموافقة الاجتماعية، حيث تعتبر الحاجة إلى الانتماء، وأن يتم الموافقة علينا أو تقديرنا من قبل نظرائنا، من بين أكثر الدوافع الإنسان إلحاحاً، ولكن الآن، يبدو بأن الموافقة الاجتماعية علينا أصبحت في أيدي شركات التكنولوجيا.
عندما يتم إضافة اسمي إلى صورة من قبل أحد أصدقائي، فأنا أتصور بأن ذلك الشخص قام باختيار واعٍ للإشارة لي عليها، ولكني لا أرى كيف يمكن لشركة مثل الفيسبوك جعل ذلك الشخص يقوم بالأمر في المقام الأول.
يمكن للفيسبوك والإنستاغرام أو السناب شات أن يتلاعبو بعدد المرات التي يتلقى فيها الأشخاص وسوماً على الصور، وذلك عن طريق تقديم اقتراحات تلقائية لجميع الوجوه التي يجب على الأشخاص توسيمها (مثل إظهار مربع يمكنك النقر عليه مرة واحدة لتأكيد إضافة الوسم).
لذلك عندما يقوم أحد أصدقائي بإضافة اسمي إلى صورة ما، يكون ذلك في الحقيقة استجابة لاقتراح الفيسبوك، وليس لأنه اتخذ قراراً مستقلاً بفعل ذلك، ومن خلال تصميم خيار مثل هذا، يسيطر الفيسبوك على عدد المرات التي يحصل فيها الملايين من الأشخاص على الموافقة الاجتماعية.
الشيء نفسه يحدث عندما نغير صورة ملفنا الشخصي، فالفيسبوك يميز تلك اللحظة التي نكون فيها ضعفاء أمام الموافقة الاجتماعية، لذلك فإنه يقوم بالتلاعب بطريقة أو بأخرى بالطريقة التي نحصل فيها على اهتمام أصدقائنا والطريقة التي نعرف من خلالها رأيهم في الصورة، وذلك من خلال جعل تلك الصورة متواجدة لوقت أطول في قائمة آخر الأحداث وأهمها، وبذلك يمكن لعدد أكبر من الأصدقاء رؤيتها ووضع إعجاباتهم أو تعليقاتهم عليها، وفي كل مرة يقومون بذلك، يعود الفيسوك ويدفع بها لتظهر في المقدمة.
الجميع يستجيب بالفطرة للموافقة الاجتماعية، ولكن بعض الفئات الاجتماعية (المراهقين) تكون أكثر عرضة لها من غيرها، لذلك من المهم جداً أن ندرك مدى قوة المصممين عندما يستغلون هذه الثغرات.
- المعاملة الإجتماعية بالمثل (العين بالعين)
- إذا صنعت لي معروفاً فسأكون مدين لك بمعروف آخر في المرة القادمة.
- إن قلت لك “شكرا”، يجب أن تقول لي “عفواً”.
- إذا أرسلت لي بريداً إلكترونياً فسيكون من قلة التهذيب مني أن لا أرد عليه.
- إذا قمت بتتبعي على أحد المواقع الإجتماعية، فسيكون من الوقاحة أن لا أتتبعك عليها.
نحن ضعيفون أمام الحاجة للرد بالمثل على الآخرين، ولكن كما هو الحال مع الموافقة الاجتماعية، فإن شركات التكنولوجيا الآن تتلاعب في عدد المرات التي نعيش فيها هذه التجربة.
في بعض الحالات، يحدث الأمر عن طريق الصدفة، فتطبيقات البريد الإلكتروني، والرسائل النصية هي عبارة عن أماكن طبيعية لتقديم المعاملة الإجتماعية بالمثل، ولكن في حالات أخرى، قد تستغل الشركات هذه الثغرة عن قصد، ولينكدإين هو أكثر المستغلين وضوحاً في هذه الناحية، فهذا الموقع يسعى لخلق أكبر عدد ممكن من الالتزامات الاجتماعية، وذلك لأنه في كل مرة ترد بالمثل على شيء ما (مثل قبول جهة اتصال جديدة، أو الرد على رسالة) سيكون عليك العودة مرة أخرى إلى linkedin.com حيث يمكنك الحصول على المزيد من الأشخاص لقضاء المزيد من الوقت.
وتماماً مثل الفيسبوك، يستغل لينكدإين التباين في وجهات النظر، فعندما تتلقى دعوة من شخص ما ليكون ضمن قائمة اتصالاتك، فأنت تتخيل بأن ذلك الشخص يقوم باختيار واعٍ عند دعوتك، بينما في الحقيقة، قد يكون على الأرجح قد فعل ذلك كاستجابة غير وعية إلى قائمة لينكدإين للاتصالات المقترحة، وبعبارة أخرى، فإن لينكدإين يحول اللاوعي الخاص بك (لـ”إضافة” شخص) إلى التزام اجتماعي جديد يشعر الملايين من الأشخاص بأنهم مضطرين لسداده، وكل ذلك يزيد من استفادة الموقع من الوقت الذي يمضيه الأشخاص وهم يفعلون ذلك.
بئر لا قاع له، أخبار لانهائية، وتشغيل تلقائي
هناك طريقة أخرى لخطف عقول الأشخاص، وهي من خلال إبقائهم مشغولين في استهلاك الأشياء، حتى عندما لا يكونون يريدون المزيد منها.
كيف؟ الأمر سهل، خذ تجربة كانت في السابق محدودة وذات نهاية معروفة، وحولها إلى تجربة لا نهائية تستمر في تقديم المزيد والمزيد.
أظهر أستاذ كورنيل (بريان وانسينك) هذا في دراسته، حيث أنه بيّن كيف يمكن خداع الأشخاص وجعلهم يستمرون في تناول الحساء من خلال منحهم وعاء لا قعر له يقوم تلقائياً بإعادة ملء نفسه أثناء أكل الأشخاص منه، حيث أنه وباستخدام مثل هذا الوعاء، تناول الأشخاص أكثر بـ 73% من السعرات الحرارية التي عادة ما يحصلون عليها عند تناولهم الطعام من الأطباق العادية، كما أن تقديراتهم لعدد السعرات الحرارية التي تناولوها كانت أقل بـ140 سعرة حرارية.
شركات التكنولوجيا تستغلال المبدأ ذاته، حيث أن الأخبار الجديدة تم تصميمها عمداً لتقوم تلقائياً بـ”إعادة تعبئة نفسها” لتجعلك تستمر في المشاهدة، وتقضي على أي سبب يجعلك تتوقف عن ذلك، أو تعيد النظر فيه أو تغادر الموقع.
هذا هو السبب أيضاً الذي يجعل الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل (Netflix) و (YouTube) أو الفيسبوك تقوم تلقائياً بتشغيل الفيديو التالي بعد إنتهاء عد تنازلي، بدلاً من إنتظارك لتقوم بإتخاذ قرار واعٍ، والجدير بالذكر أن حجمًا كبيراً من حركة المرور على هذه المواقع يعود لميزة التشغيل التلقائي للأشياء التالية.
كثيراً ما تدعي شركات التكنولوجيا بأنهم يحاولون فقط أن يسهلوا على المستخدم مشاهدة مقاطع الفيديو التي يريد مشاهدتها، ولكنها في الواقع تخدم مصالحها التجارية، ونحن لا يمكننا إلقاء اللوم عليهم، لأن زيادة “الوقت الذي يقضيه العميل” هو الأمر الذي تتنافس عليه المواقع.
- الإعتراض الفوري مقابل التقديم “المحترم”
تعلم الشركات بأن الرسائل التي تعترض الأشخاص بشكل فوري تكون أكثر إقناعاً في حملهم على الاستجابة لها من الرسائل التي يتم تسليمها بشكل غير متزامن (مثل البريد الإلكتروني أو أي رسالة في الصندوق الوارد المؤجل).
بناءاً على ذلك، تم تصميم رسائل الفيسبوك (أو الـWhatsApp، أوالـWeChat أو السناب شات) لتقاطع المستلمين على الفور (من خلال إظهار مربع الدردشة فوراً) بدلاً من مساعدة المستخدمين على احترام اهتمام بعضهم البعض، وبعبارة أخرى، فإن المقاطعة جيدة للأعمال التجارية.
من جهة أخرى، فإن من مصلحة الشركات التكنولوجية تتحقق بزيادة شعور العجلة ومبادلة الفعل الاجتماعي بالمثل، فعلى سبيل المثال، يخبر فيسبوك المرسل تلقائياً بأنك رأيت رسالته، بدلاً من السماح لك بتجنب الكشف عما إذا كنت قد قرأتها، ولكن على النقيض من ذلك، أتاحت شركة أبل مؤخراً خياراً أكثر احتراماً للمستخدمين من خلال التبديل بين تشغيل “تقارير القراءة” أو إيقاف تشغيلها.
المشكلة هي أن تعظيم دور المقاطعات تحت عنوان تحسين العمل، يخلق مأساة للعديد من الأشخاص، ويدمر سلسلة الاهتمام العالمي ويتسبب في مليارات الانقطاعات التي لا لزوم لها في كل يوم، وهذه مشكلة كبيرة أصبحنا بحاجة إلى إصلاحها.
- جميع أسبابك مع أسبابهم
من الطرق الأخرى التي تخطفكم بها التطبيقات هي إيجاد الأسباب التي دفعتك لزيارة التطبيق (لتنفيذ مهمة) وجعلها جزء لا يتجزأ من الأسباب التجارية للتطبيق (تعظيم كمية استهلاكنا للتطبيق بمجرد الدخول إليه).
على سبيل المثال، في العالم المادي لمحلات البقالة، يعد السببان الأكثر شعبيةً لزيارتها هو إعادة تعبئة الوصفات الطبية وشراء الحليب، ولكن محلات البقالة تريد تحقيق أقصى قدر من عدد الأشخاص الذين يشترون منها، لذلك يقمون بوضع قسم الصيدلية والحليب في الجزء الخلفي من المتجر.
بعبارة أخرى، يجعلون الأشياء التي يريدوها الزبائن (الحليب، والصيدلة) جزء لا يمكن فصله من متطلبات العمل، وإذا كانت المخازن منظمة حقاً بطريقة تدعم احتياجات الأشخاص الأساسية، لكانت وضعت العناصر الأكثر شعبية في المقدمة.
تقوم الشركات التكنولوجيا أيضاً بتصميم مواقعها على شبكة الإنترنت بنفس الطريقة، فعلى سبيل المثال، عندما تريد البحث عن حدث على الفيسبوك يحدث هذه الليلة (سببك الخاص) فإن تطبيق الفيسبوك لا يسمح لك بالوصول إليه دون المرور الأول على آخر الأخبار (أسبابه)، وهذا الأمر مقصود، فالفيسبوك يريد تحويل كل أسبابك لاستخدامها لخدمة أسبابه الخاصة وهذا يزيد من الوقت الذي تقضيه في استهلاكه، في حين أنه في العالم المثالي، سيكون على التطبيقات دائماً أن تعطيك طريقة مباشرة لتحصل على ما تريد بشكل منفصل عن ما تريده هي.
- خيارات مزعجة
لقد قيل لنا بأنه يكفي للشركات بأن “تجعل الخيارات متاحة”.
- “إذا لم تعجبك فسيكون بإمكانك دائماً استخدام منتج آخر.”
- “إذا لم تعجبك، يمكنك دائماً إلغاء إشتراكك بها.”
- “إذا كنت من المدمنين على تطبيقنا، يمكنك دائماً إلغاؤه من هاتفك”.
بطبيعة الحال، فإن الشركات تريد أن تجعل الخيارات التي تريدك أن تأخذها أسهل، والخيارات التي لا تريدك أن تأخذها أصعب، فالسحرة أيضاً يقومون بذات الشيء، فإذا كنت ساحراً فإنك ستجعل من الأسهل على المشاهدين اختيار الشيء الذي تريد منهم اختياره، وستجعل الوصول إلى الشيء الذي لا تريدهم أن يختاروه أكثر صعوبة.
على سبيل المثال، يتيح لك موقع NYTimes.com “خياراً حراً” في إلغاء اشتراكك الرقمي فيه، ولكن بدلاً من مجرد القيام بالأمر بمجرد كبس زر “إلغاء الاشتراك”، فإن ما يقومون به هو إرسال رسالة على بريدك الالكتروني تحتوي على معلومات حول كيفية إلغاء حسابك من خلال الاتصال على رقم الهاتف الذي يكون متاحاً فقط في أوقات معينة.
بدلاً من رؤية العالم على أنه مكان تتوفر فيه العديد من الخيارات، ينبغي أن ننظر إلى العالم من ناحية الاحتكاك اللازم لتفعيل الخيارات، تخيل عالماً توصف فيه الخيارات تبعاً لمدى صعوبة انتقائها وأن يكون هناك إدارة أغذية وعقاقير للتكنولوجيا تقوم بوضع توصيفات لهذه الصعوبات ومعايير لمدى السهولة التي ينبغي أن تكون عليها عملية إنتقائها.
- توقع الأخطاء، وإستراتيجيات “وضع القدم على العتبة”
أخيراً، أصبح بإمكان التطبيقات استغلال عدم قدرة الأشخاص على توقع النتائج المترتبة على القيام بالنقر على الخيار المتاح أمامهم.
لا يمكن للأشخاص القيام بتوقع حدسي للآثار الحقيقية المترتبة على النقرة التي سيقومون باختيارها عندما تكون مطروحة أمامهم، فمعظم المواقع التشاركية تستخدم تقنية تدعى “وضع القدم على العتبة”، وهي تقنية عادة ما يستخدمها البائعون، حيث أنهم يبدؤون من خلال طلب بسيط صغير، ومن ثم ينطلقون من ذلك للوصول إلى هدفهم.
تخيل لو أن متصفحات الويب والهواتف الذكية، وهي الأبواب التي يأخذ الأشخاص من خلالها خياراتهم، كانت بالفعل تهتم بالأشخاص وساعدتهم في تنبؤ عواقب النقرات (بناء على بيانات حقيقية حول ما هي العواقب التي يواجهها معظم الأشخاص).
كيف يمكننا إصلاح هذا؟
نحن بحاجة لتحويل هواتفنا ذكية، وشاشات الإخطارات لدينا ومتصفحاتنا على شبكة الإنترنت لتكون هياكلاً خارجية لعقولنا وعلاقاتنا الشخصية التي تضع قيمنا، وليس دوافعنا، في المقام الأول، فوقت الأشخاص ثمين، ويجب علينا حمايته بنفس الصرامة التي نحمي فيها خصوصيتهم وغيرها من حقوقهم الرقمية.