وضعت أزمة جائحة كوفيد-19 خدمات الصحة النفسية على مفترق طرق، ما سيؤدي إلى تعزيز الوعي والاهتمام من قبل المجتمع بالصحة النفسية، أو قد يؤدي إلى تجاهلها لما ينتج عنها عواقب وخيمة يمتد أثرها على المدى البعيد، هذا ما توصل إليه الخبراء خلال نسخة إلكترونية من سلسلة محاضرات المدينة التعليمية التابعة لمؤسسة قطر، عقدت بالتعاون مع مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعية الصحية “ويش”.
مؤسسة قطر قدمت محاضرة تحت عنوان:” الصحة النفسية في عالم كوفيد -19 من منظور دولي”، وشهدت مشاركة متحدثين من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وأفريقيا، ممن سلطوا الضوء على آثار الضغوطات التي فرضها الجائحة وما تبعها من إجراءات الحجر والإغلاق على الرفاه النفسي للأفراد، والمخاطر التي قد تترتب على ذلك على مستوى الفرد والجماعة سواءً في الوقت الراهن أو مستقبلاً، والدعم اللازم توفيره لكل لمن يحاولون التأقلم والتعايش مع تلك الظروف.
من بين المتحدثين المشاركين في النقاش، بول فارمر، الرئيس التنفيذي لمنظمة “مايند”، المملكة المتحدة، وصرح قائلاً: “ما يدفعني على التفاؤل هو أن الناس باتوا يدركون وللمرة الأولى على الإطلاق، ما تعنيه تحديات الصحة النفسية. هذه الأزمة جعلت الصحة النفسية أقرب للناس، وآمل أن ذلك سيُسهم في وضعها في الاعتبار من قِبل المواطنين والحكومات”.
“لكن مع ما تواجهه الأنظمة الصحية من ضغوطات أكبر من حيث مشاكل الصحة البدنية، قد تتعرض الصحة النفسية للتهميش، كما من المحتمل أن تواجه الدول ضغوطات مالية واقتصادية هائلة، ليصبح التركيز بعد ذلك محصورًا بين الصحة البدنية والاقتصاد. سيكون من الخطأ الفادح أن تتخذ البلدان هذا النهج”.
وأضاف: “إن تجاهل العواقب النفسية لهذه الأزمة يضاعف من العواقب المالية والصحية على مدى السنوات القادمة ربما. هذه المرحلة تضعنا أمام مفترق حقيقي لندرك كيفية تحويل التقدم المحرز في السنوات الأخيرة في رفع الوعي بالصحة النفسية من قبل الحكومات والسكان، ونحن بصدد الدخول في مرحلة خطيرة لصحة مجتمعاتنا النفسية”.
من جهتها، تحدث الدكتورة ديفورا كيستيل، مديرة إدارة الصحة العقلية وإساءة استخدام العقاقير في منظمة الصحة العالمية قائلة: “يتعين علينا أن ننتهز هذه الفرصة لنصبح أقوى، ونضمن إتاحة خدمات الصحة النفسية لمن هم بحاجة إليها، وأن ننتقل من الرعاية المؤسسية إلى الرعاية المجتمعية”.
وأضافت: “نحن بحاجة إلى زيادة الدعوات المطالبة بإدراج الصحة النفسية ضمن أي خطة للتعافي من كوفيد-19، وبناء أنظمة الصحة النفسية وسبل رعاية الناس حتى في الأماكن التي لم تكن متاحة فيها سابقًا. هناك المزيد من المحادثات بشكل عام حول تأثير كوفيد-19 على الصحة النفسية للناس، لكنها ليست كافية، ونحن بحاجة إلى إجراء تغييرات تضمن تقديم الدعم اللازم على نحو مستدام”.
وفقًا للدكتورة شريفة العمادي، المدير التنفيذي لمعهد الدوحة الدولي للأسرة، عضو مؤسسة قطر، قد تقلل هذه الأزمة من الوصمة المحيطة بمشاكل الصحة النفسية والحاجة لطلب المساعدة، كما تعزز من أهمية دور الأسرة، وقالت: “يعمل الأفراد من منازلهم وفي الوقت نفسه يقدمون الرعاية لأسرهم، لذا من المهم على أولياء الأمور أن يتحاوروا مع أطفالهم وتوضيح حقيقة الوضع لهم”.
تابعت: “لكن إلى جانب تخصيص وقت للأبناء، يجب على أولياء الأمور تخصيص أوقات لأنفسهم، فعلى الرغم من التباعد الجسدي، لا زال يُمكننا التواصل وتقديم الدعم لبعضنا”.
شهدت هذه النسخة من سلسلة محاضرات المدينة التعليمية، التي أدارتها مقدمة الأخبار والصحفية العالمية وصانعة الأفلام الوثائقية مشعل حسين، مشاركة باولا باربارينو، الرئيس التنفيذي لمنظمة الزهايمر العالمية، وعلَقت قائلةً: “أثبتت لنا هذه الأزمة أننا بحاجة متزايدة لرفع الوعي بحقوق الأفراد المصابين بأمراض الخرف، وعدم استعداد الحكومات للتعامل مع هذا الأمر. لذا فذلك يتيح الفرصة لرفع احتياجات هذه الفئة من الناس إلى مستوى أعلى”.
تابعت: “على الرغم من ذلك، كشفت الأزمة عن أهمية المرونة، من حيث استخدام الناس لوسائل التكنولوجيا بطريقة لم نتوقع أنها ممكنة، مثل عقد مجموعات لمقدمي الرعاية وتقديم الدعم”.
من جهتها، شدّدت الدكتورة جانيس كوبر، مستشار مشروع أول الصحة النفسية العالمية، مركز كارتر، على ضرورة تقديم الدعم لأخصائيي الرعاية الصحية وقالت: “يجب أن نراقب مدى التأثير الذي يخلفه الفيروس على الصحة النفسية لتلك الفئة، فهو يؤثر علينا جميعًا بلا استثناء”.
أضافت: “لا توجد صحة بدون صحة نفسية، وستتقوض أنظمة الرعاية الصحية إذا لم يتم تناولها. نحن بحاجة إلى التفكير في ما يمكننا القيام به لمنع تفاقم مشاكل الصحة النفسية. وبالنسبة لأولئك الذين يعانون من مشاكل مسبقة، علينا أن نتأكد من تحسن وضعهم بدلاً من تدهوره، ونعزز نقاط القوة في أنظمتنا ونعالج نقاط الضعف فيها”.
من جهة أخرى، رأت ياسمين مجاهد، كاتبة ومتحدثة عالمية، أنه ينبغي على الأفراد “السماح لأنفسهم ليعيشوا مشاعرهم كما هي، وإيجاد هدف محدد في ظل ما قد يبدو وكأنه فوضى عشوائية”.
وقالت: “لا يمكنك الاستعانة بأحد لإبعاد فيروس كورونا المستجد عنك. أنها مسألة إنسانية نتحد فيها جميعًا. قد يُنظر إلى ذلك على أنه نقص في الاتصال، أو فرصة للتواصل بشكل أعمق مع أنفسنا وعائلاتنا. إذا حاولنا رؤيته من خلال عدسة إيجابية، قد يكون له جانب إيجابي على صحتنا الذهنية والنفسية”.