مع انزلاقات التربة عن الضفاف, وتجمّع أوراق الأشجار المتدلّية, ومخلّفات أسماك الكوي اليابانية (هي أنواع متعددة وملونة من أسماك الشبوط العادية التي تم تهجينها لإكسابها ألواناً زاهية), أصبحت أحواض المياه خارج المنشآت الصناعية قذرة تماماً.
قام (مايكل بريتشارد) بغمس زجاجة مياه بلاستيكية ضخمة في مياه تحتوي على مادة بنية لزجة, ثم قام بإغلاقها بغطاء ذو شكل لولبي, وضغط على مضختها عددة مرات, وعندما قام (بريتشارد) بفتح غطاء الزجاجة الموجودة في أعلاها, قامت بإصدار رشقات من المياه الصافية, تاركة المادة الملوثة في قعر الزجاجة, وحين تذوق (بريتشارد) المياه علّق بقوله (إنها مياه نقية وصافية وقابلة للشرب).
تلك الزجاجة التي تسمى “بالزجاجة المنقذة للحياة” والتي يمكن أن تتسع لـ 750مل من المواد السائلة, هي أول منتج من مجموعة منتجات مشابهة قام (بريتشارد) بصنعها، عمل (بريتشارد) على هذا الاختراع قبل ثماني سنوات مستخدماً تكنولوجيا الترشيح, والتي كانت تستخدم سابقاً في القطاعات الصناعية فقط.
إن نظم تنقية المياه الحالية تتركز على تطهير المياه باستخدام أقراص الكلور, وهو أمر خطير فيما اذا قام الناس بابتلاع الأقراص ظناً منهم أنها أقراص دواء, إضافةً إلى استخدام مرشحات المياه التقليدية، ولكن هذه المرشحات لا يمكنها أن تقوم بتخليص المياه من كل الفيروسات مثل فيروس شلل الأطفال.
كان (بريتشارد) حتى عام 2004 يمتهن العديد من المهن المختلفة, فعمل بشركات التطوير العقاري, وبائعاً في شركة أبل, حتى يوم حدوث إعصار تسونامي, في تلك السنة أصيب (بريتشارد) بالإحباط من صور الناس الذين كانوا يعانون من خطر عظيم جراء طوفان المياه حولهم, وعدم توفر أي مياه صالحة للشرب, وبعد ثمانية أشهر ضرب إعصار كاترينا الولايات المتحدة, ولكن على اعتبار أنها واحدة من البلدان المتقدمة, قامت الدولة بسحب كل المياه الناتجة عن ذلك الإعصار, إلا أن (بريتشارد) شعر أنه لا بد من القيام بما هو أكثر من ذلك لإيجاد حل لهذه المشكلة.
يمكن وصف إختراع (بريتشارد) الجديد على أنه (حائط من الطوب الصناعي) لا يمكن اختراقه بسهولة, لأن المياه لا يمكنها أن تخترق مثل هذا المرشح التي يحتوي على مسام بهذه الدقة, إلا بوجود قوة دفع تجبرها على ذلك, ومن هنا أتت فكرة أن تكون قوة الضغط هي الهواء، وكانت النتيجة اختراع زجاجة إنقاذ الحياة، والتي تستخدم مضخة يدوية لإجبار المياه للدخول إلى داخل أنبوب ضيق ملفوف،حيث أن هذا الأنبوب يحتوي على مسام لا يتجاوز قطرها 15 نانومتر، وهذه الثقوب صغيرة بما يكفي لتصفية المياه من البكتيريا والفيروسات.
علمياً، فإن أصغر نوع من البكتيريا يبلغ قطره حوالي 200 نانومتر، في حين أن أصغر الفيروسات يبلغ قطره 25 نانومتر، مما يجعل ثقوب جهاز إنقاذ الحياة والتي لا يتجاوز قطرها 15 نانومتر وسيلة ناجعة لفلترة البكتيريا والفيروسات ومسببات الأمراض التي تنقلها المياه، أما بالنسبة للمياه الملوثة فإنها تبقى داخل الجهاز حتى يتم تنظيفه، بشكل عام فإنه يجب استبدال خرطوش الجهاز بعد استهلاك ما بين 4000 إلى 6000 ليتر، والجهاز بحاجة إلى تبديل للمرشحات (الفلاتر) من فترة إلى أخرى.
من المتوقع أن تبلغ مبيعات هذا المنتج لهذه السنة حوالي 10 مليون جنيه استرليني, حيث تم استخدامه من قبل جنود المشاة البريطانيين في أفغانستان، وأيضاً من قبل سكان البلدان النامية التي تعرضت لكوارث طبيعية أدت إلى إفساد تدفق المياه النظيفة الصالحة للشرب.
تم عرض زجاجة (بريتشارد) في معرض معدات الدفاع والأمن في عام 2007, وتم بيع 1000 قطعة منها خلال يومين, وتم توقيع عقد بمبلغ مليون جنيه استرليني مع الحكومة البريطانية لتوريد منتجات (بريتشارد) للجنود البريطانيين في أفغانستان، بعد أن تم إعلان الاختراع على أنه نافع من قبل مدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي.
لم تتوقف اصدارات الزجاجة المنقذة للحياة على ما سبق، بل تم تصنيع خزان بسعة 18.5 ليتر يستعمل ذات التقنية جرى تصديره إلى الباكستان من قبل منظمة أطباء بلا حدود، وتم إصدار مكعب بسعة خمسة ليترات مخصص لإستعمال النساء والأطفال، كما تم تصنيع خزان بسعة 750 ليتر بذات التقنية وتم تزويده بعدة صنابير وذلك بمساعدة الحكومة الماليزية.
الشركة المصنعة لهذه المنتجات تدعى بشركة أنظمة إنقاذ الحياة (Lifesaver Systems)، واتخذت من إسيكس مقراً لها، وهي مملوكة بالكامل من قبل (بريتشارد) وزوجته، وحققت الشركة رقم مبيعات يصل إلى 6.5 مليون جنيه استرليني في العام الماضي، الشركة تخصص ثلث أرباحها نحو القطاع العسكري والترفيهي، أما ما تبقى من الأرباح فيتم تقسيمه على المنظمات الإنسانية، التي تحصل على المنتجات بسعر مخفّض، وهذا هو الوارد الذي يحقق للشركة هامشاً من الربح.
يتهم (بريتشارد) بعض العاملين داخل منظمات الإغاثة بأنهم ما يزالون يمتلكون عقلية متحجرة ويقاومون التغيير، حيث أنهم مصرين على الاعتماد على أقراص الكلور كونها ذات تكلفة رخيصة لا تتجاوز 0.8 بنس لكل قرص، ولكن (بريتشارد) يقول بأن المنتجات التي يقدمها هي منتجات طويلة الأجل ومتينة، وتعمل بآلية سهلة، وهدفها هو انتشال الناس من الفقر المائي، مما يجعل إعراض المنظمات الإغاثية عن شرائها ليس له ما يبرره.
أخيراً، يقول (بريتشارد) بأن منتجاته تمكّن العملاء العسكريين من توفير المال وذلك بتوفير أجور شحن المياه إلى مناطق الصراع، كما أن عائلات البلدان النامية والتي تنفق الكثير من مدخراتها لشراء المياه المعبأة في زجاجات، أصبح الآن لديها تقنية تمكنها من توفير هذه المصاريف من خلال استخدام هذه الأجهزة.