تمكن (بن وليامز) من علاج أحد أكثر الأورام السرطانية عدوانية في دماغه باستخدام العلاجات التقليدية ومزيج من الأدوية الشائعة، بما في ذلك علاج حب الشباب، والأرق، وارتفاع ضغط الدم، وذلك بحسب ما أشار إليه في فيلم وثائقي جديد، فهل يمكن أن يعمل هذا النهج مع الآخرين؟
في شهر آذار من عام 1995 تم تشخيص حالة البروفيسور (بن وليامز) بالإصابة بورم أرومي دبقي – وهو أحد أكثر أنواع الأورام الدماغية فتكاً -، وقد كان الورم حينها قد انتشر بالفعل على كامل الجانب الأيمن من الدماغ وأصبح بحجم برتقالة كبيرة، ولأن هذا الأمر من الأشياء النادرة الحدوث سارع الفريق الطبي لإخضاع (وليامز) لعملية جراحية بعد ظهر اليوم الذي تلا التشخيص، ولكن مع ذلك، أصرّ البروفسور (وليامز) على البحث عن علاجات خاصة به.
على الرغم من نصائح الأطباء المشرفين على حالته بالتمسك بنظام العلاج التقليدي من العلاجات الإشعاعية والكيميائية، أصرّ خريج هارفارد المتمرد على إضافة كوكتيل من الأدوية الأخرى، فعمد إلى إضافة حبوب حب الشباب – على الرغم من أنه لم يكن يعاني منه – وأدوية لمعالجة ارتفاع ضغط الدم وأقراص لمعالجة الأرق إلى نظامه العلاجي، وهذه الأدوية جميعاً كانت تتصف بأنها رخيصة الثمن وقليلة أو معدومة السمية، وتمتلك بعض الأدلة الموثقة من تجارب علمية سابقة بأنها يمكن أن تحد من الورم الأرومي الدبقي وتعزز من جهاز المناعة لدى المريض وتجعل العلاج الكيميائي أكثر فعالية، ولكن لم يكن أي من هذه الأدوية قد تم الموافقة عليه في الولايات المتحدة للاستخدام في علاج أورام المخ، لذلك رفض طبيبه المعالج إعطائها له.
يشير البروفسور (ويليامز) في الفيلم الجديد الذي أصدره (Surviving Terminal Cancer) أنه كان خلال فترة بحثه عن العلاجات الجانبية دائم القلق حول أن تسبب له هذه الأدوية الضرر أكثر من الفائدة، ولكنه يعود ليضحك في النهاية مذكراً نفسه بأنه يعاني من أحد أكثر أنواع الأورام الدماغية عدوانية، وأنه من المتوقع أن يموت في غضون سنة، فماذا لديه ليخسره؟
تبعاً للأطباء المتخصصين فإن متوسط العمر المتوقع للمرضى الذين يعانون من ورم أرومي دبقي هو تقريباً 15 شهر فقط، على الرغم من أن هذه المتوسط يكون أعلى لدى الشباب، كما أن أقل من 10% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 50 وما فوق يستطيعون البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات بعد إصابتهم بالورم.
بحسب البروفسور (ويليامز) فإن الأطباء كانوا قد أخبروه بأن العلاج الكيميائي لن يخلّصه تماماً أو بشكل مؤكد من الورم، لذلك ركزت أبحاثه بشكل أساسي على إيجاد العوامل التي قد تجعل من العلاج الكيماوي يعمل بشكل أفضل بالنسبة له، وبعد توصل البروفسور (ويليامز) لذلك الكوكتيل من الحبوب وتناوله لها أثناء خضوعه لعلاجات السرطان التقليدية، أظهر الفحص بالرنين المغناطيسي بأن ورمه قد اختفى تماماً بعد الجولة الرابعة من العلاج الكيميائي في عام 1996، ولم يعد أبداً للظهور مجدداً، وبهذا أظهر بأنه يمكن أن يكون هناك طريقة للقضاء على أحد أنواع الأورام السرطانية التي كانت تعرف في يوم من الأيام في الأوساط الطبية بأنها “مدمرة”.
أصبح البروفيسور (ويليامز) يعتبر في أوساط معالجة الأورام بأنه إحدى القضايا الغريبة، وأن استراتيجيته في محاربة السرطان “باستخدام كل ما يمكن الوصول إليه من الأدوية التي قد تساعد في زيادة فعالية العلاج الكيماوي” تثير الشكوك، ولكن مع ذلك فإن هناك عدد متزايد من المتخصصين والباحثين الذين يقولون بأن هناك أدلة تشير إلى أن بعض الحبوب الشائعة التي تؤخذ بشكل يومي من قبل الملايين لعلاج أمراض أخرى، يمكن أن يتم إعادة توجيهها للمساعدة في المعركة ضد السرطان.
تعمل شركات الصناعات الدوائية حالياً على استخدام التقدم الذي توصل إليه الباحثون في مجال علم الوراثة لخلق ما يسمى بـ ”الرصاصة السحرية”، وهي عبارة عن جيل جديد أكثر ذكاءً من أي وقت مضى، وأكثر قدرة على استهداف الأورام أيضاً، فهي تتداخل مع بروتينات الخلية المعينة أو مسارات الإشارة التي تلعب دوراً في الإصابة بالسرطان، وإحدى النجاحات الكبيرة التي استطاع العلماء التوصل إليها باستخدام هذا النهج تشمل التوصل إلى دواء لمرض ابيضاض الدم النقوي المزمن (إيماتينب) أو ما يعرف بـ (Glivec) الذي يمنع إفراز البروتين الذي يساعد الخلايا السرطانية على النمو والانقسام.
ولكن، تبعاً للأستاذ (انجوس دالجليش)، وهو رئيس المؤسسين في قسم علم الأورام في مستشفى سانت جورج، في جامعة لندن، بأن العديد من العلاجات التي تستعمل مبدأ الاستهداف يكون محكوم عليها في نهاية المطاف بالفشل، فمن المعروف بأن مرض السرطان سوف يفعل كل ما بوسعه من أجل البقاء وتجنب التعرض للضربات التي يمكن أن توجه إليه، فبعد أن يتم توجيه ضربة له من قبل أحد الأدوية، يعمل الورم على إعادة تشكيل نفسه بسرعة من خلال التطور، لذلك عادة ما يؤخر الأطباء إعطاء العلاجات المستهدِفة لأطول وقت ممكن لأنهم يعلمون بأنها لن تكون فعالة بعد بضعة أشهر من العلاج.
الخبر السار هو أن هناك بعض التجارب الأولية التي تم إجراؤها في المختبرات والدراسات السريرية، تشير إلى أن هناك عشرات من الأدوية التي يتم استعمالها بأمان من قبل الملايين من الأشخاص كل يوم لمعالجة أمراض أخرى، وقد تمتلك لخصائص في مكافحة السرطان، والأسبرين هو مثال على ذلك، فقد أظهرت البحوث الممولة جزئياً من قبل معهد أبحاث السرطان في المملكة المتحدة أن الأسبرين يمكن أن يقلل بشكل كبير من مخاطر الإصابة بسرطان الأمعاء والحلق والمعدة إذا ما تم أخذه يومياً من قبل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 50-65.
استطاع مشروع إعادة توجيه الأدوية لأغراض أخرى في علم الأورام (ReDo)، والذي تم بالتعاون الدولي بين صندوق تمويل الأبحاث المضاد للسرطان ومنظمة علاج العالمية الغير ربحية والتي يقع مقرها في الولايات المتحدة، من تحديد 70 عامل محتمل يمكن أن يكون لديها خصائص مضادة للسرطان، وتشمل هذه الأدوية على أقراص الميتفورمين لعلاج السكري، والستاتين المخفض للكولسترول، وسيميتيدين المضاد للحموضة، وأقراص ميبيندازول للقضاء على الديدان، ويتراكونازول المضاد للفطريات، وجميع الأدوية التي تناولها البروفيسور (ويليامز) في حربه مع الورم الدماغي، وهذه الأدوية جميعها تتسم بأن لديها أهداف متعددة، حيث أنها تتداخل مع أكثر من بروتين أو مسار في وقت واحد، وباستخدامها سوياً يمكن أن يكون لها فعالية كبيرة في محاربة السرطان.
بعض الأدلة المعارضة والمؤيدة للأدوية التي يتم استخدامها في التجارب السريرية حالياً:
الميتفورمين:
تشير العديد من الدراسات إلى أن الأورام تنمو ببطء أكبر لدى مرضى السرطان الذين يأخذون هذا الدواء المكافح للسكري، وتقوم حالياً التجارب السريرية في المرحلة الأولى من التحقق من إمكاناتها في منع الإصابة بالعديد من السرطانات المختلفة بما في ذلك سرطان البروستاتا والثدي والقولون والمستقيم وسرطان بطانة الرحم.
الستاتين:
تشير الدراسات قبل السريرية إلى أن هذه الأدوية المخفضة للكولسترول قد تمنع الإصابة بأنواع مختلفة من السرطانات وتحد من انتشارها، وقد أشارت إحدى التحليلات الأخيرة إلى وجود رابط بين تناول أدوية الستاتين يومياً وانخفاض كبير في خطر الإصابة بسرطان الكبد.
ميبيندازول:
هناك أدلة تشير إلى أن هذا الدواء – الذي عادةً ما يوصف لعلاج التهابات الدودة الطفيلية – قد يمنع نمو الخلايا السرطانية والأورام الثانوية، وذلك رغم عدم وجود تجارب سريرية مكتملة تؤكد هذا الإدعاء.
سيميتيدين:
تشير التجارب إلى أن هذا الدواء الذي يعتبر من الوصفات المضاد للحموضة يمتلك لتأثيرات مباشرة في الحد من تكاثر الخلايا السرطانية، كما أنه يمنع التصاق الخلايا السرطانية على الخلايا السليمة، ويقلل من تشكل الأوعية الدموية المغذية للورم، كما أنه يعزز أيضاً من مناعة مضادات السرطان لمختلف أنواع السرطان.
يتراكونازول:
يعتقد بأن هذا العلاج الشائع لمحاربة الفطريات يمكنه أيضاً أن يكون مضاداً لتشكل الخلايا الوعائية المنشأ، وقد تبين أنه يمكن أن يكون علاجاً فعالاً لسرطان البروستاتا، وسرطان الرئة.
الايزوتريتنون:
وهو دواء لحب الشباب، يعرف تجارياً باسم (Accutane) ويستخدم أحيانا لعلاج بعض سرطانات الجلد والسرطان العصبي وكذلك لمنع تكرار ظهور بعض الأورام الدماغية، على الرغم من أن بعض الدراسات تشير إلى أنه قد يكون غير فعال.
نهاية تجدر الإشارة إلى أن التجارب السريرية تعتبر هي الإجراء الأهم لمعرفة ما إذا كانت العلاجات الجديدة آمنة أم لا، وإذا ما كانت أفضل من العلاجات القياسية المستخدمة حالياً، وأي المرضى يمكن أن يستفيدوا أكثر من غيرهم من هذه العلاجات الجديدة، كما أن الطريقة الوحيدة للتحسين من علاج السرطان هو من خلال تحليل نتائج التجارب التي تخضع للتدقيق للتأكد من أنها سليمة أخلاقياً وصحيحة علمياً، وعلى الرغم من أن هناك العديد من الطرق المختلفة لإجراء المحاكمات، إلّا أنها جميعاً تهدف لخدمة الهدف ذاته، وهو إيجاد أفضل وأسلم طرق العلاج، فالأشخاص الذين يشاركون في التجارب يعلمون أنه حتى ولو لم يستفيدوا هم أنفسهم من هذه العلاجات، فإنهم يكونون قد ساهموا في مساعدة العديد من الأشخاص الآخرين في المستقبل.