الخليط الالهى من الروح والمادة يأتى لنا بكل ماهو حى، خليط تفاعلت مكوناته فأثرت وتأثرت ببعضها البعض حتى جاءت لنا بحياة الكائن الحى. فلن نلتقى بمنظومة الحياة طالما غابت الروح عن المواد، فبالروح تحيا المواد ومن ثم نسمع ونرى سيمفونية وحركة الحياة التى لن تبعث الا بالمزج الشديد بين الروح والمادة. عندما تتداخل أو تمتزج الروح مع المادة، تدب الحياة فى الاشياء فتتحرك الكائنات الحية. وعلى الجانب الآخر نجد أن الخط الفاصل الغير مستقيم بين قطبى الحياة القائمين على الروح والمادة، يؤكد دائما أن هناك امتزاج مستمر بين كل من الروح والمادة. رسخت هذه المفاهيم فيما جاء به الفلاسفة لدرجة أن أفلاطون اعتبر الروح هى الأساس لكينونة الانسان على اعتبار أنها مستقلة عن المادة فى حين اعتبرها آرسطو أنها المحور الأساسى للوجود وأنها غير مستقله عن المادة. اختلف الفلاسفة كثيرا فيما بينهم ومن بعدهم العلماء حول ماهية الروح، اختلاف زاد من ممارسة رياضة العقل والمنطق فى ملعب الحياة فى مزج فكرى فريد من نوعه، تلاطمت أمواجه فى تطور مستمر الى أن تنتهى الحياة.
ماهية الروح
ان النفس قد تستريح بعض الشئ الى فطرة التفكير القائمة على أن الروح هي كيان خارق للطبيعة ٬ غالبًا ما يكون ذو طبيعة غير ملموسة وغير مرئية على غرار كيانات مماثلة أخرى ليس لك أن تلمسها أو تراها كالملائكة أو الجان ….ألخ. وفى هذا الصدد تمخضت لنا الكثير من الثقافات والاعتقادات بل والأديان بما مفاده أن الإيمان بالروح لن يكون أكثر من تجسيد كامل لمفهوم اللامادة أو المادة الأثيرية الأصلية الخاصة بالكائنات الحية.
كيميائية المادة وفيزيائية اللامادة
لن تتحرك الكتلة الكثيفة من كيمياء المادة الا بما تمتزج به وبما يحيطها من فيزيائية اللامادة المتمثله فى الروح. هذا يعنى أن هناك علاقة تلازمية بين كيمياء المادة المتمثلة فى التركيب الكيميائى للمادة وفيزيائية الروح التى تعد مصدرا أساسيا لحركة المادة ومن ثم استمرارية الحياة.
كرة امبيدوكليس
لما كان الفليسوف اليونانى واللاعب الفكرى امبيدوكليس موجود، كان لابد من ظهور ملعب الحياة الذى استقبل كرته المحتوية فى داخلها على العناصر الأربعة المكونة لكل الأشياء. ومن هنا كان امبيدوكليس المنشأ والمؤسس لنظرية العناصر الأربعة التى تضمنت كل من التراب والنار والماء والهواء. فى الحقيقة ما كان لدائرية كرة امبيدوكليس أن تكون بدون وجود القوى المحركة لهذه العناصر، وكانت هذه القوى هى قوى المزج والعزل التى تصورها امبيدوكليس فى قوى الحب والبغض. ومما لا شك فيه أن قوة الحب كانت هى الأساس الحاكم لمزج العناصر الأربعة فى حين أن قوة البغض كانت هى ملح الطعام الذى يحرس حواف الكرة لحفظ شكلها الدائرى ومن ثم ظهور جميع مناحى الحياة. وبحكم الطبيعة الكونية لن يدوم الأمر هكذا، لأنه وفى فترات معينة سوف تطغى قوة البغض على قوة الحب ومن ثم سوف تنحل الرابطة فيما بين العناصر الأربعة ثم تعود الكرة مرة أخرى ويتجدد تكوين الكرة فى مرحلة تالية. والحال هكذا، نجد أنفسنا أمام كون دائرى رسمه خيال امبيدوكليس الذى أكد على احتواء الكون على الكثير من التناقضات والتضاربات التى لا مفر منها. تناول تلاميذ امبيدوكليس هذه الكرة بالفحص والتمحيص، وكان من بين هؤلاء كل من أفلاطون وأرسطو الذين سعوا وراء الروح ناهيك عن فلسفتهم حول العناصر الأربعة وأن اختلاف نسبها قد أدى بدوره الى اختلاف وتعدد الأشياء.
كرة الحياة وبقايا اللاحياة
عندما تدب الروح فى المادة، لن تجد أمامك غير الحياة التى هى آية من أيات الله. وعندما تسلب الروح من المادة لن تجد أمامك الا الموت ومن ثم الفناء. كرة الحياة مكونة من العناصر الأربعة لامبيدوكليس والتى امتزجت بالروح. أما بقايا اللاحياة أو الموت ستكون فى عودة العناصر الى طبيعتها الى أن ينفخ الله من روحه فيها فتعود اليها الحياة والتى ستستمر فى دائرية كونية الى قيام الساعة.
الاتزان الحياتى
تفاعل كيميائى متزن قام بين كل من العناصر الأربعة لتكوين الأشياء والروح كى تستمر الحياة. تتفاعل المادة والروح فتنتج الحياة، ولكن عندما تخرج الروح من المادة نجد الموت بعدما يكون قد حدث تفاعل من نوع آخر تمثل فى التزاوج والتناسل كى تستمر الحياة. يستمر الأمر هكذا ما بين الحياة والموت الى أن يأذن الله بأمر كان مفعولا. أى ان كرة الروح والحياة هى نموذج كونى صنعه الله فأحسن صنعه.