تعرض صاروخ “ستارشيب” الذي تطوره شركة “سبيس إكس”، إلى حادث مأساوي خلال أحدث اختباراته مساء يوم الخميس الماضي 6 مارس/آذار، حيث انفجر الجزء العلوي -المرحلة الأولى- من الصاروخ الفضائي بينما كان يصعد، ما أدى إلى تساقط الحطام وتعطل الحركة الجوية من ولاية فلوريدا حتى بنسلفانيا.
ويُعد هذا الفشل الثاني على التوالي للمرحلة العليا من “ستارشيب”، بعد الإخفاق الذي شهده الاختبار التجريبي في يناير/كانون الثاني الماضي للسبب نفسه، الأمر الذي سيستدعي البحث عن مدى واقعية الخطة الزمنية التي وضعها المدير التنفيذي للشركة ومؤسسها “إيلون ماسك” لإرسال البشر إلى المريخ خلال العقد الجاري على متن هذه المركبة الفضائية العملاقة.
وقد انطلق الصاروخ من موقع “ستاربيس” التابع لشركة “سبيس إكس” في ولاية تكساس، وبدا أن عملية الإطلاق تسير وفق الخطة المقررة في البداية. ونجح معزز “سوبر هيفي” في الانفصال عن الصاروخ وعاد إلى منصة الإطلاق بسلام. غير أن المرحلة العليا من المركبة واجهت أعطالا حرجة في اللحظات الأخيرة من تشغيل محركاتها، حيث تعطل عدد من محركات “رابتور”، ما أدى إلى فقدان السيطرة على المركبة وانفجارها في النهاية.

كما وثّقت مقاطع فيديو نشرها مستخدمون عبر الإنترنت اللحظات الدرامية لتفكك “ستارشيب”، لتظهر كومة من الحمم النارية المشتعلة في السماء وهي تسقط كأنها شهب أو نيازك، ويسلط ذلك الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه الشركة في تطوير منظومة نقل فضائي موثوقة للرحلات العميقة والبعيدة في الفضاء.
مخاوف أمنية وتدقيق تنظيمي
لم يقتصر تأثير الانفجار على فشل الاختبار فحسب، بل امتدت تداعياته إلى شل حركة السير الجوّية، إذ أصدرت إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية (FAA) أوامر بوقف الحركة الجوية بشكل طارئ في عدة مطارات، ما أثر على الرحلات الجوية في مدن مثل ميامي وأورلاندو وويست بالم بيتش وفورت لودرديل، وحتى فيلادلفيا.
وعلى الرغم من أن شركات الطيران أشارت إلى أن التأثير كان محدودا، فإن الحادث يسلط الضوء على المخاطر المحتملة للحطام الفضائي وأهمية تعزيز إجراءات السلامة.

وعلى إثر الحادث، أعلنت إدارة الطيران الفيدرالية إيقاف جميع عمليات إطلاق “ستارشيب” حتى استكمال تحقيق شامل في أسباب الفشل. وتشير التقارير إلى تعطل 240 رحلة جوية بسبب الانفجار الأخير. كما لم تكن هذه المرة الأولى التي يؤدي فيها التدقيق التنظيمي إلى إبطاء تقدم “سبيس إكس”، إذ أجبرت الشركة سابقا على تنفيذ تعديلات فنية عقب فشل مماثل في المرة الماضية.
المستقبل الغامض لـ”ستارشيب”
رغم هذه الإخفاقات، لا تزال “سبيس إكس” مصممة على تحسين تصميم منظومة صاروخ “ستارشيب”، وقد أجرت الشركة بالفعل تعديلات هندسية لمعالجة المشكلات السابقة، شملت تغييرات في أنظمة تغذية الوقود، وإضافة فتحات تهوية جديدة، وضبط مستويات الدفع في المحركات. ومع ذلك، فإن الفشل الأخير يشير إلى أن الطريق لا يزال طويلا قبل أن يصبح “ستارشيب” جاهزا لنقل البشر بأمان.
ويُعد هذا الصاروخ جزءا أساسيا من خطط وكالة “ناسا”، التي تعاقدت مع “سبيس إكس” لاستخدام نسخة منه في مهمة “أرتميس 3″، التي تهدف إلى إعادة البشر إلى سطح القمر بحلول عام 2027. إلا أن الإخفاقات المتكررة قد تعرّض هذا الجدول الزمني للخطر، لا سيما في ظل التغيرات السياسية المحتملة، إذ قد تؤثر سياسات الإدارة الأمريكية القادمة على أولويات تمويل استكشاف القمر والمريخ.
إلى جانب مشكلات “ستارشيب”، تواجه “سبيس إكس” أيضا تحديات أخرى تتعلق بصاروخها الأكثر استخداما، “فالكون 9”. فقد شهدت الشركة مؤخرا أعطالا عدة، منها فشل المرحلة العليا في أحد الإطلاقات، وسقوط أحد المعززات بعد هبوطه بنجاح على منصة بحرية، وهو ما يشير إلى مشكلات تتعلق بالموثوقية حتى في أنظمة الشركة الأكثر نضجا.
وفي ظل فرض إدارة الطيران الفيدرالية تحقيقًا إضافيًا وإجراءات سلامة مشددة، يبقى مستقبل “ستارشيب” غير واضح. وستحتاج “سبيس إكس” إلى إحراز تقدم ملموس في الاختبارات القادمة إذا كانت تأمل في تحقيق طموحاتها بالوصول إلى رحلات الفضاء الطويلة وفق الجدول الزمني المخطط له.