سعى العلماء والمفكرين والمبتكرين والمخترعين وراء بصيص نور بزع ضياؤه فى قلوبهم وعقولهم قبل أن تتناوله أيديهم. كانت أهداف سفراء العلم والفكر والابداع والابتكار، أهدافا نبيلة، وكانت جهودهم أيضا عظيمة كونها قد استنفذت الكثير والكثير من أوقاتهم وأموالهم من خلال رغبتهم التى استجابت دون أى تردد لنداء قلوبهم الصافية ونفوسهم الطيبة الطامحة الى تعمير الأرض وخدمة مجتمعاتهم. لم تنتظر هذه القناديل المضيئة أى تكريم أو تفخيم ولكنها على الجانب الآخر لاتنتظر أى اساءة أو انكار لجميل عمرهم الذى ضاع منهم أثناء سعيهم الدؤوب وراء شعاع أمل قد يضيع لولا أفكارهم التى حباهم الله بها.
وعند الغوص فى أنهار وبحار ومحيطات الاختراعات والابتكارات والتجول بين حدائق وبساتين وصحارى الكنوز الابداعية نجد أن معظم الاختراعات حتى القرن العشرين كانت من إنتاج مخترعين أفراد كانوا يعملون كل على حدة، معتمدين فى اختراعتهم وبشكل واسع على محتوى معرفتهم ومهاراتهم الشخصية. ولكن حديثا ومع التقدم الحضارى والنمو المجتمعى، حل محل المخترع المنفرد وعلى نطاق واسع، ما يسمى بمجموعات بحثية من العلماء الفنيين الذي يعملون معا في مختبرات حكومية أو صناعية أو جامعية ، الأمر الذى أدى الى تنامى الأفكار وتشابك وكثرة الأيدى للامسال بالمزيد من أشعة الأمل المخترقة للدائرة المظلمة من الجهل التقليدى ناهيك عن تدميرها لسراب الجهل الأسود من أشباه المتعلمين وأنصاف العلماء. ولكن ومع وجود هذه المجموعات العلمية المستنيرة، مازال هناك من يتربع على عرش الاختراعات والابداعات، انه هذا المخترع المنفرد ( المستقل حتى وان كان ينتمى الى أى مؤسسة علمية أو غير علمية) الذى حباه الله تعالى بقوة المجموعة وبقدرة تحمل الجبال بالاضافة تمتعه بشدة الابصار العلمى وقوة البصيرة النافذة حتى وان تم محاربته فى عقر داره.
ومع امتداد الحياة، كانت البدايات الابتكارية والابداعية فى العصر الحجرى القديم الذي استمر إلى عام 8000 قبل الميلاد تقريبا، وهى الفترة التى تسمى بفترة ما قبل التاريخ. وخلال هذا العصر القديم، اخترع الإنسان الفؤوس وآلات أخرى، عن طريق تشذيب العظام والصخور وقرون بعض الحيوانات مع التركيز على أهمية العاج. وقرب نهاية هذا العصر، تعلم الإنسان الحجرى القديم سبل إنتاج المحاصيل الزراعية وصيد الحيوانات، ومن ثم، قد قام باخترع المناجل والمعازق والآلات الأخرى مع استخدم فرائ الحيوانات وجلودها في صنع الملابس . ولكن ومع عدم كفاية عدد الحيوانات وقلة امكانيات الصيد اتجه المزارعين إلى البحث عن مصدر آخر لملابسهم. حيث دفعتهم شدة الحاجة الى هذا الى المنسوجات و من ثم وجدنا اختراع المغازل أو الأنوال لغزل ونسج الخيوط للحصول على الأقمشة. و مع نهاية العصر الحجرى القديم، كان بزوع نور العصر الحجري الحديث الذى تعلم فيه الانسان طرْق المعادن (النحاس والذهب والفضة)، الأمر الذى أدى بمخترع العصر الحجرى الحديث الى تصنيع أدوات الزينة والأسلحة والادوات المختلفة. ولأن الحاجة دائما وأبدا هى أم الاختراع، كان تعلم الإنسان صناعة البرونز واخترع العجلة عند عام 3500 ق.م.
ومع بدايات كتابة التاريخ ظهرت أولى الحضارات فى وديان الأنهار في مصر وبلاد ما بين النهرين فى الفترة ما بين 3100 -3500 سنة ق.م.، حيث تمثلت هذه الحضارات فى اخترع الإنسان لنظم القنوات والخزانات والسدود للتحكم في مياه الفيضان. علاوة على اخترع السومريون أول نظام للكتابة حوالي عام 3500 ق.م.، كما قام الاغريق بالعديد من الاختراعات، حيث قام أرشميدس أو أرخميدس، في المائة الثالثة ق.م. باختراع الطنبور الذي استعمله المصريون في الري والصرف. كما قام هيرو في القرن الأول ق.م. باختراع المكبس اللولبى لعصر الزيتون والكروم. و منذ أكثر من 2000 عام أيضا أخترع الصينيون الورق و الخزف والبوصلة. ومع عام 1045 الميلادي، اخترع أحد الصينيين العاملين في مجال الطباعة آلة طابعة متحركة. كل هذا فى حين كانت أوربا تعيش فى ظلمة الجهل وكان المسلمون والعرب يعيشون في عصرهم الذهبي (العصر الذهبي للإسلام) الذى امتد من القرن الخامس الميلادي إلى القرن السادس عشر. حيث شهدت هذه الفترة العديد من الاختراعات من قبل المهندسون والعلماء والمخترعون المسلمون في مجال الزراعة، والنقل وأدوات القتال والعلوم والكيمياء والعمارة،….ألخ.
ولكى نرتقى بأى عمل بحثى من المفهوم البحثى التقليدى الى المفهوم الابداعى والابتكارى (براءة الاختراع)، لابد من توافر ثلاث عناصر هامة تضم بين جدرانها كل من الجدة (ما هو جديد) والجودة (ما هو أصيل) والجاهزية ( مدى الامكانية). حيث يبدأ المخترع، وبصفة خاصة المخترع العربى، بفحص وتمحيص جهود العلماء السابقين معتمدا فى بحوثه واختراعاته على قوة ومتانة الزمن الجميل لعلمائنا العرب. وبنظرة ثاقبة واستشرافا لمستقبل منير يتخذ المخترع العربى من معوله البسيط ومن مركبته المتواضعة ومن جهوده المكثفة وسائل وآليات للوصول الى منتج ابتكارى واقتصادى هام معتمدا فى ذلك على محاكاة الطبيعة واستخدام منتجاتها وما تكتنزه من كنوز وخامات.