فى ميدان المنافسة أو التنافس يتنافس المتنافسون على شئ ما، حيث يختلف مدى هذا الشئ باختلاف طبيعته. فطبيعة الشئ و مداه متلازمتان يجب مراعاتهما قبل الذهاب لميدان المنافسة، كما يجب الحرص والاهتمام بهما عندما يشتد وطيس هذه المنافسة التى قد تنحدر فى كثير من الأحيان الى سفح الحرب الدامية.
فمحدودية الشئ وضآلته غالبا ما تكون دنيوية، والتى ما يغلب عليها حب الذات والسير على نهج عقيم فى معناه ومتدنى فى فعله لأنه لم ولن يقوم الا على أن الغاية تبرر الوسيلة. فالسائرون فى درب هوى النفس لتحقيق غايتهم ينتهجون أى وسيلة سواء كانت أخلاقية أو غير أخلاقية، انسانية كانت أو همجية، والتى هى فى الغالب ما تكون وسيلة ملوثة بدماء الأخرين. هؤلاء لا يستحون من الله عز وجل قيد أنملة، ولا يؤمنون الا بالهة قوانين قد ابتدعوها طبقا لهواهم وصنعوها من عجوى يطبقونها على منافسيهم وأعدائهم ويأكلونها عند اقترابها منهم. هؤلاء لا عهد ولا وعد لهم، كما جاء فى القرآن الكريم فى سورة البقرة ” وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) “. مع محدودية الشئ وضآلته ينشأ السباق المحموم بين الأفراد والجماعات ، والأمم، وما إلى ذلك من أجل بقعه جغرافيه، مكانا أو موقعا للموارد أو ميداليه أو لقب معين أو سلطه. فى هذا السباق المحدود بحدود أهدافه التى لم ولن تدوم يباشر المتنافسون سعيهم كل بطريقته ووسيلته المشروعة وغير المشروعة من أجل التفوق والفوز على الطرف الأخر أو الأطراف المنافسة الكائنة فى معادلة التنافس. هذا النوع من السباق والمنافسة يعتبر نوع من انواع الحرب والسقوط فى اليم والاستمتاع بالخيانة لا سيما عند اللجوء الى الوسائل غير المشروعة سواء على المستوى القانونى أو على المستوى الأخلاقى والانسانى ومن ثم المستوى العقائدى والدينى. كما أن هذا النوع من صراع المناقسة يكون على شئ ضيق لا يستحق لأنه غالبا ما يؤدى الى عداوة ضارية بين الأطراف المتنافسة. وقد يرتقى هذا السباق المحدود من حيث المكان والزمان والأهداف الى السباق الواسع المحمود الذى يجب أن يكون وقائم لنحصل على نتائج حقيقة وعادلة وذات ابعاد استراتيجية تؤدى الى وجود بيئة صحية للمجتمع. هذا عندما يبتعى المتنافس فى منافسته وجه الله تعالى ولا يعبأ بالنتائج لأنه فى كل الأحوال يكون رابحا من خلال تجارته مع اللع عز وجل.
وشتان بين المنافسة بين الكائنات الحية وبين هذه المنافسة بين المكونات أو الكائنات غير الحية، ففى الأخيرة ، تسود المثالية ويعم الالتزام بكل القوانين المتعارف عليها. فان لم يلتزم عنصر الصوديوم بآليات التفاعل مع عنصر الكلور، كانت المأساة الكبرى ولكنه ومع التزامه الشديد بكافة النواميس الطبيعية ومن قبلها الأوامر الالهية، كان ملح الطعام. وهذا عنصر الأكسجين الذى تصادق ولم يتناحر مع منافسه الكائن فى عنصر الهيدروجين ليكونا معا الماء الذى ان غاب غابت عنا الحياة ” وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ” ( الأنبياء: 30). فى حين ينفجر مخلوط الهيدروجين والأكسجين ( أوكسيهيدروجين )بالنسبة 1:2 عندما تصل درجة حرارته 570 درجة مئوية من ذاته عند الضغط الجوي العادي. حيث يستخدم هذا المخلوط في القوس الهيدروجيني لإنتاج شعلات اللحام وتحضير المواد الشديدة المقاومة للحرارة. ولا أدرى كيف للكائنات غير الحية أن تلتزم وتسبح ربها فى سكون، ونحن فى غفلة من كل النواميس هذا على الرغم من هذا العقل الكائن بأجسادنا والذى من المفترض أن يكون تاجا على رؤوسنا لا سيما أن الله قد حبانا بهذا العقل لاعمار الأرض لا لافسادها ونشر الفساد فيها. هذا العقل الكائن بأجسادنا والذى من المفترض أن يكون تاجا على رؤوسنا ناهينا عن أن اومع عدم محدودية الشئ وعظم وثقل أهميته، تكون المنافسة المأمور بها ” وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ” ( المطففين 26 ). المنافسة أو التنافس يكون عظيما ومحمودا عندما يكون محدودا بحدود الشرعية المنبثقة من القوانين الطبيعية ومن قبلها من النواميس الالهية. وبهذا ان بقيت أنت داخل محدودية الشئ وضآلته فانه لن يبقى لك، وان بقى لك لن تبقى أنت لأن كل ما له نهاية فهو قليل ولن يدوم. لذا يجب أن ننطلق من محدودية الأشياء وضآلتها الى اتساع مداها وأهميتها، حتى وان لم نخرج من المحدودية والضآلة فيجب علينا أن تكون ابتغاء وجه الله تعالى.