لقد بدأ تاريخ البحث العلمى بالفحص والتمحيص لمكتسب علمى معين، حتى وصل بنا الأمر الى أنه أصبح يتوقف طويلا بالفحص والدرس للوصول بهذا المكتسب الى منتج ملموس ينتهى بقضاء حاجة مجتمعية ملحة. حيث فرض الانتاج المعرفى نفسه وأهميته وضروريته على رفاهية البحث العلمى التى كانت تسود وتفرض نفسها على المجتمع لعقود طويلة. حتى أصبحت فلسفة البحث العلمى غير قائمة على استهداف المعرفة لمجرد المعرفة ، وأصبحت قائمة وبقوة على استهداف هذه المعرفة فى انتاج كل متطلبات المجتمع المادية والمعنوية. فلن تدرك ولن تعى ما هى فلسفة البحث العلمى الا عندما تراه بعينك وتلمسه بيدك وتسمعه بأذنك، وهذا ما نجده فى النغمات الموسيقية وفى ساعة اليد وفى الهاتف المحمول وفى السيارة الكهربية وفى انطلاق الطائرات وتحليقها فى السماء وفى الغواصات البحرية وفى الألات الحربية …..ألخ.
ولن ندرك ولن نعى ما مفهوم البحث العلمى الا عندما نبدأ بتطبيقه فى المدرسة وفى الجامعة وصولا الى المركز أو المنتزه البحثى. ولا يتوقف الأمر عند حد تطبيق التجارب البحثية عند كل ما سبق ولكنه لن يكون الا عندما ندرك ونعى ما الهدف وما المعنى الحقيقى من اجراء كل هذه التجارب. وبمعنى آخر وبمفهوم أكثر دقة، لابد أن نتعرف على المعنى الحقيقى والهدف المأمول من وراء دراسة الشئ فى حد ذاته سواء كان كامنا فى دراسة الكيمياء أو الفيزياء أو التاريخ أو الجغرافيا….ألخ، فان لم يكن بهدف الابداع والابتكار فلن تجد أى فائده من دراسته غير أنك سوف تكون مثقفا فقط ولن نكون أمام أى تطبيق لهذه الثقافة.
ولكى يتم تفعيل دور البحث العلمي في ضوء فلسفة الجامعة أو المركز أو الهيئة أو المعهد البحثى المنتج، لا بد من توافر عدة متطلبات منها على سبيل المثال لا الحصر:-
- عدم استهلاك وقت وجهد الباحث العلمى فى أى شئ خارج اطار المنظومة البحثية سواء كانت معوقات ادارية أو ما الى ذلك، مع توفير البيئة المناسبة والأجواء الصافية التى تضمن للباحث التركيز فيما يهدف وتهدف وتسعى اليه مؤسسته، مع ضرورة القضاء التام على روتينية الأمور وتثاقلها فى أى أمر متعلق بالباحث.
- تحديد مجموعة محددة من الاستراتيجيات القصيرة والبعيدة المدى والتى لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة حتى لا يغيب الهدف المطلوب والذى قد يموت فى كثير من الأحيان.
- وجود قنوات رسمية تعمل على الاستفادة من نتائج البحوث التي يجريها الباحثين في قطاعات العمل والخدمات المختلفة ( مراکز التميز والحاضنات ومراکز الاستشارات والکراسي العلمية ) ، کمراکز التميز الموجودة في کندا ومنتزهات العلوم في أمريکا ومدينة تسوکوبا للعلوم في اليابان.
- الاهتمام بعمل شراکة بحثية حقيقة بين رجال الصناعة والمهتمين بالأبحاث العلمية مع أعضاء هيئة التدريس؛ لإثراء المعرفة العلمية بالبحوث النظرية والتطبيقية، ويمکن الاستفادة من التجربة اليابانية في توظيف أعضاء هيئة التدريس کمدراء أو أساتذة زائرين في الشرکات.
- العمل على استبدال المنتج الأجنبي بالمنتج المحلي من خلال تعظيم الاستفادة من الخامات المحلية الأكثر اشتراكا فى تكوين المنتج المطلوب.
- العمل على تفعيل الادارات المتخصصة فى تسويق المنتجات والابتکارات.
- التقييم السنوى المستمر لكافة مكونات المنظومة البحثية مع تطبيق مبدأ الثواب والعقاب، الثواب من خلال كل صور وأشكال التقدير المادى والمعنوية مع التحفيز على الاستمرار، والعقاب من خلال اما التوقف أو اعادة التوجيه الى ما يتناسب مع بقاء واستمرار المنظومة البحثية.
- المخاطبات المستمرة مع الجهات والمؤسسات المختلفة للتعرف على كل المتطلبات والمستحدثات والمشكلات التى تواجهها.
- اعادة هيكلة منظومة عمل الباحثين الأقل تاثيرا فى المنظومة الكلية للبحث العلمى.
- ضرورة الربط بين المتطلبات والاحتياجات الحياتية للباحث وبين ما يتقاضاه من راتب شهرى حتى لا تستحوذ على تفكيره وتؤثر سلبا على المنظومة البحثية.
- استحداث وتحديث قاعدة بيانات كاملة لكل الباحثين فى كافة المؤسسات البحثية والجامعة.
- العمل على توحيد كافة القواعد المعمول بها مع اعضاء الهيئة البحثية فى الجامعات والمراكز والهيئات البحثية من ترقيات وتعينات فى كافة المناصب.
ولكى تكتمل ورقة العمل المطلوبة لاستبيان مقومات الابداع والابتكار واحداث تأثير قوى وفعال للبحث العلمى فى فلسفة الجامعة والمراكز والمعاهد والهيئات البحثية المنتجة، لابد من تضافر كل الجهود بين كل أعضاء المنظومة البحثية من باحثين وادارييبن مع انصهار كافة المصالح فى بوتقة المصلحة العامة القائمة على انتاج المعرفة الكائن فى الابداع والابتكار.