على الرغم من أن المرة الأولى التي تم فيها تحديد حالة الفصام كانت منذ أكثر من قرن من الزمان، إلّا أن العلماء لا يزالون غير متأكدين من الأسباب التي تؤدي للإصابة بهذه الحالة، ولكن في السنوات الأخيرة، اكتشف الباحثون أدلة متزايدة تشير إلى أن النظام المناعي قد يكون أكثر انخراطاً في الإصابة بهذا المرض مما كان يعتقد سابقاً، والدراسة الجديدة، التي نشرت على الإنترنت مؤخراً في مجلة (Journal of Psychiatry) الأمريكية، تضيف المزيد من الدلائل لهذا الإعتقاد، حيث وجد الباحثون بأن الجهاز المناعي الدماغي لدى الأشخاص المصابين بالفصام (وأولئك الذين يعانون من خطر الإصابة به) كان أكثر نشاطاً من غيرهم.
لإجراء الدراسة ، قام الباحثون بفحص 56 شخصاً، قسم منهم كانوا بصحة جيدة، في حين كان الأشخاص في القسم الآخر إما قد تم تشخيص إصابتهم بالفصام، أو كانوا في خطر كبير جداً للإصابة به.
كان الباحثون مهتمين بشكل خاص في نوع معين من الخلايا التي تسمى بالخلايا الدبقية الصغيرة، وهي خلايا تحمي الدماغ والجهاز العصبي المركزي من مسببات الأمراض التي قد تهاجمها، ولتتبع نشاط الخلايا الدبقية الصغيرة في الدماغ، قام الباحثون بحقن نوع من الصبغات الكيميائية التي تعلق بالخلايا ومن ثم تظهر في فحص الدماغ.
وجد الباحثون بأن الأشخاص الذين سبق وأن تم تشخيص إصابتهم بمرض الفصام كان لديهم نشاط أكبر في الخلايا الدبقية الصغيرة من الأشخاص الأصحاء، كما أن نشاط الخلايا الدبقية الصغيرة لدى الأشخاص الذين كانوا عرضة لتطوير مرض الفصام كان مرتفعاً أيضاً.
على اعتبار أن الخلايا الدبقية الصغيرة تعمل أيضاً على التخلص من الاتصالات غير الضرورية في الدماغ، افترض الباحثون بأن الخلايا الدبقية الصغيرة المفرطة بالنشاط قد تعمل على تدمير الاتصالات التي يحتاجها الدماغ، وبهذا يتوقف عن العمل بشكل صحيح.
تبعاً لمقالة تم نشرها في الـ(BBC News)، نحن لازلنا لا نعرف الكثير عن الفصام وعن الكيفية التي يعمل بها الدماغ، لذا فإن هذه النتائج قد تبدو منطقية، فالفصام عادة ما يبدأ لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و 30 عاماً، وهو الوقت الذي ينتهي فيه الدماغ تقريباً من التقليم المتشابك الذي يحدث خلال فترة المراهقة، وعلى الرغم من أن السبب الذي يجعل بعض المرضى يعانون من فرط نشاط في الخلايا الدبقية دون عن غيرهم ليس واضحاً حتى الآن، إلّا أن الدراسات السابقة لمرضى الفصام تشير إلى أن ضعف الجهاز المناعي قد يكون مضمناً في الشفرة الوراثية الخاصة بهم.
إذا ما أثبتت دراسات أخرى هذا الاستنتاج، فإن العلماء قد يصبحوا قادرين على وقف الفصام قبل يظهر، عن طريق علاج الدماغ بمضادات الالتهابات لقمع نشاط الخلايا الدبقية، وعلى الرغم من أن هذا الحل قد لا يعالج بالضرورة المكونات الوراثية للمرض، إلا أنه يمكن أن يوفر المساعدة لـ51 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعانون من المرض، ولكن الباحثين لا يشجعون المرضى على أن يقوموا بتناول مضادات الالتهابات من تلقاء أنفسهم قبل أن يتم التأكد من هذه المعلومات.