بقلم: أ. د. نصرالله محمد دراز
أستاذ علم المواد والنانوتكنولوجى
[[ المركز القومى للبحوث- الدقى – مصر ]]
عالم الحفازات هو عالم يضم كل بحور ومحيطات الحفازات التى لاتقل أهمية عن البحور والمحيطات المائية لما لها من ضرورة قصوى فى حياة الكائنات الحية والغير حية. ليس قولا غريبا أو فعلا غير طبيعى أن تصبح الحفازات كالبحور والمحيطات، فهى تحتوى بداخلها كنوزا لاتحصى ولاتعد. فكما تحتوى البحار والمحيطات على المياة التى هى أكسير الحياة وما بداخلها من نعم الله (عز وجل) من أسماك وشعب مرجانية وكائنات أخرى حيوانية ونباتية ….ألخ، نجد الحفازات التى تحتوى بداخلها على عناصر ومواد لها سلوكيات وكفاءات معينه تتأثر وتؤثر فى الوسيط المحيط بها. فالحفازات وان قل حجمها وخف وزنها فلها ثمن ثقيل وكبير فى كافة مناحى الحياة، صناعيا وبيئيا وبيولوجيا وطبيبا وهندسيا…..ألخ.
بحور ومحيطات الحفازات
محيطات متعددة للحفازات أحاطت بالحفازات المتجانسة والغير متجانسة والبيولوجية، وكأننا أمام محيطات متنوعة من الحفازات الكيميائية والبيولوجية. حفازات متجانسة ضمت كل من الحفاز والمواد المتفاعلة فى نفس حالة المادة سواء كانت غازية أو سائلة أو صلبة، وحفازات أخرى غير متجانسة استقل الحفاز فيها بحالة مختلفة عن الحالة الطبيعية للمواد المتفاعلة. على الجانب الأخر،نجد الحفازات البيولوجية كالانزيمات التى لها عظيم الأثر فى حياة الكائن الحى. فالإنزيمات عبارة حفازات بيولوجية جزيئية، لها دور أساسى ومحورى كلكل الحفازات اعتمد على زيادة سرعة التفاعلات الكيميائية وبالتالى ظهور المنتج أو المواد الناتجة فى أقل وقت وبأقل جهد لما لديها من ملكة تخفيض طاقة تنشيط التفاعل. وفى حقيقة الأمر، تمارس الأنزيمات تأثيرها ووظيفتها على جزيئات تسمى بالركائز، حيث يحوّل الإنزيم الركيزة إلى جزيئات تُعرف باسم النواتج. قدرة ما بعدها قدرة وكفاءة مابعدها كفاءة كلف الله تعالى بها الأنزيم فى انجاز مهمته فى كثير من الأحيان فى ثوان معدودة ويتضح هذا التكليف جليا مع إنزيم أورتيدين 5- فوسفات ديكربوكسيلاز الذي يسمح بتحوّل الركيزة إلى المنتج أسرع بملايين المرات من التحول دون وجود هذا الإنزيم، والذى فيه غيابه قد تستغرق عملية التحول الى ملايين السنين. وانبثق من المحيط الحفزى البيولوجى بحورا متعددة منها بحور الأنزيمات التجارية الكائنة فى تصنيع المضادات الحيوية التى لها تأثير علاجى مهم، ومساحيق الغسيل التى تحطم البروتينات أو النشا أو الدهون الموجودة الي تسبب بقع الملابس. تكاد تكون الأنزيمات الطبيعية صناعة الهية لها من المميزات مايفوق مثيلاتها من حفازات كيميائية. حفازات كيميائية سواء كانت متجانسة او غير متجانسة، محيطات حفزية كيميائية جابت كافة التطبيقات الصناعية والبيئية التى ماكان لها وجود بدون هذه الحفازات. وفى محيط الحفازات الغير متجانسة نجد التفاعل الكيميائى الذى يطعم العالم، تفاعل غازى النيتروجين مع الهيدروجين بنسبة 1: 3 لانتاج الأمونيا التى هى من أهم المواد الكيميائية في عالمنا المعاصر؛ ذلك لأن أهم استخدام للأمونيا هو إنتاج الأسمدة النيتروجينية التي يعتمد ثلث سكان العالم عليها في زراعة المحاصيل المهمة للغذاء. وقد يخال للبعض أن هذا التفاعل سهلا وبسيط، ولكن كان الأمر أكثر تعقيدا، ففى عام 1909 ابتكر العالم الألماني فريتز هابر Fritz Haber (الحائز على جائزة نوبل فى الكيمياء 1918م) عملية يُمكن من خلالها إنتاج الأمونيا بكمية لا بأس بها ولكنها كانت على المستوى المعملى.
3H2+ N2 ↔ 2NH3
وبكل أسف كانت الصعوبات الكبيرة التى سرعان ماانفجر بركانها عند الانتاج على المستوى الصناعى، لأن هذا التفاعل قابل للانعكاس، وهو طارد للحرارة في اتجاه تكوين الأمونيا مما كان يؤدى الى تفككها وانحلالها وعودتها الى العناصر المكونة لها. ومن هنا جاءت العناية الألهية من خلال ابتكار العالم الألمانى كارل بوش Carl Bosch (الحائز على جائزة نوبل فى الكيمياء 1931م) الذى عمل على تطوير طريقة هابر لتلائم الاستخدام الصناعي من خلال استخدامه عنصر الحديد كعامل حفاز ومن ثم أطلق على عملية انتاج الأمونيا السائلة عملية هابر- بوش. وكأن لسان حال هذه العلمية يخبرنا بأنه لولا وجود الحفاز ماكانت الأمونيا السائلة موجودة على المستوى الصناعى، وماكانت معظم المحاصيل الغذائية المهمة المعتمدة على الأسمدة النيتروجينية موجودة بهذا الشكل، ومن ثم كان اصطدام أكثر من ثلث سكان العالم بفجوة غذائية كبيرة كانت سوف تأخذ فى طريقها كل شئ الأخضر واليابس.
غواصى بحور الحفازات
غواصى بحور الحفازات هم نخبة مختارة من العلماء كرسوا كل وقتهم وجهودهم وكذلك أموالهم بحثا عن كنوز بحور الحفازات ليخرجوا لنا بكل ما هو نفيس وغال. فهناك غواصى النانوتكنولوجى والحفازات وسعيهم الحثيث فى تقنين وضع الحفازات فى المدى النانوى للوصول الى خواص مميزة وفريدة لم تكتشف من قبل مع الحفازات التقليدية. وبما أن الغوص هو أعلى درجة من درجة السباحة التقليدية التى من شأنها الحركة فوق سطح الماء، كان الغوص هو اختراق السطح والذهاب نحو العمق لاستخراج ماتم ستره طبيعيا. ومع التطور التكنولوجى، كان هناك ما يسمى بالعالم المحترف الذى مكنته التقنيات الحديثة من الغوص فى باطن البلورة الحفزية ومن مقابلة دومات الحفازات المتجانسة. كما ان هناك نوع أخر من علماء الحفز غاصوا فى التحكم فى البنية الهيكلية للحفاز فكان لهم ماأرادوا وماسعوا اليه من نسج محدد لحجم وشكل الحفازات ذو الكفاءة الحفزية العالية والانتقائية المميزة. فلقد استطاع غواصى بحور الحفازات أن يجلبوا لنا طرق جديدة ومتطورة وصديقة للبيئة فى تصنيع وانتاج هذه الحفازات. طرق انتاج من أعلى الى أسفل بهدف الاستفادة من الموارد الطبيعية الموجودة، كما كان فى المقابل طرق بدأت من أسفل الى أعلى معتمدة على تكوين جزيئات نانوية أدت فى النهاية الى الحصول على حفازات نانومترية ومن هذه الطرق كانت طرق الاحتراق الذاتى لأملاح بعض المواد من خلال أستخدام مواد تدفع عملية الاحتراق الذاتى الى الأمام كاليوريا والجلايسين علاوة على طرق الصول جل…ألخ. ولكن ماهى مهارات غواصى أوعلماء الحفازات؟ مهارات تكمن فى الفهم الصحيح لعلم المواد ومن ثم هندسة البلورة خصوصا علماء الحفز غير المتجانس علاوة على ملاحقة كل ماهو جديد فى علم كيمياء السطوح. فى النهاية، نجد أن بحور الحفازات لازالت تموج بالعديد من الحفازات الذكية التى توارت عن فكر وعيون الباحثين التقليدين، ولكنها وبعون الله لن تفلت من مصيدة محترفى الغوص من علماء النانوتكنولوجى.
كنوز بحور الحفازات
لابد من وجود هدف يسيطر على فكر وكيان غواصى بحور الحفازات، ولن يخرج هذا الهدف عن العثور على الكنوز المختبئة فى بحر الحفاز. وكنوز بحور الحفازات نجدها فى المواد الفعالة ذات المواقع النشطة التى تشترك فى التفاعل الكيميائى للحصول على المنتج المرغوب فيه. وتزداد قيمة وأهمية هذه المواقع عندما تكون ذات حجم نانومترى وفى شكل أو هيكل يمتلك مساحة سطحية كبيرة علاوة على توزيع منتظم ومتجانس لهذه المواقع دون تجمع لها أو نمو يزيد من حجمها فيجعلها تفقد قدرا معينا من كفاءتها او انتقاءيتها. كنز أخر فى بحور الحفازات هو المواد الداعمة أو الحاملة للمواد الفعالة أو الحفزية والتى لها مواصفات محددة منها رخص ثمنها ومقاومتها للتفاعل مع المواد الحفزية وعملها على زيادة نسبة توزيع المواقع النشطة على سطحها. كنز المواد الداعمة للحفازات، هو قيمة مضافة لكنز المواد الفعالة أو الحفزية، لأنه يؤدى الى استخدام أقل كمية من المواد الحفزية مع زيادة نسبة توزيع المواقع النشطة بها لتعطى كفاءة حفزية تكاد تكون أعلى من تلك لكمية أكبر من هذه المواد بدون المادة الداعمة ومن ثم فان هذه المادة الداعمة تقلل من اجمالى ثمن أو تكلفة الحفاز.
التنمية المستدامة والحفازات
بحور نغم الحفازات يفوح منها عطر الحياة لما فى تطبيقاتها من أنظمة حياة مترامية الأطراف. فنجد أن للحفاز تطبيقات فى مجال التصنيع الدوائى، وتنقية مياة الصرف الصحى ومعالجة ملوحة مياة البحار، والحد من تلوث الهواء. كما يمتد التأثير الحفزى فتنال مخالبه قلب صناعة البترول وقد يتعدى الأمر كل هذا فنجده محورى الوظيفة فى تحويل الموارد الطبيعية غير المتجددة الى أخرى متجدده. قد يسأل أحدهم، ألهذا الحد بلغ تغلغل الحفاز فى قلب جسد التنمية المستدامة؟ نعم وأكثر من كل هذا، فكأنه خامة أولية قابلة للتشكيل والهيكلة للوصول الى قمة التنمية فبتطوره تتطور الحياة. فالحفاز هو هذا الساحر العظيم الذى بلغ سحره عنان السماء وغاص فى اليم دونما خطورة على وجوده. الحفاز هو ذلك الغائب الحاضر والذى قد لاتتلمس وجوه ولكن المحيط العام والنتائج والمكتسبات لتفاعل كيميائى حفزى يشعرك أنه بدونه ماتم هذا التفاعل وماكان هذا المنتج.