هل يستوى الغضب مع الغيظ؟ أم أنهما صورتان لعملة واحدة؟، فالغيظ حليف للغضب ولكنه مكظوم. فالغضب عند الكائن الحى سواء كان انسان أو حيوان يكون عبارة عن جمرة توقد فى الجوف مع ظهور اثارها على الجوارج فى صورة حمرة فى العينين وانتفاخ الأوداج يلي ذلك حدوث قول أو فعل ما. أما الغيظ فهو الغضب المكظوم أو الغضب المتحكم فيه سواء جاء هذا التحكم سلبيا وذلك عند عدم القدرة على الاتيان بأى فعل او قول او جاء ايجابيا وذلك عند توافر هذه القدرة مع عدم فعل أو قول أى شئ.
فى حين أن الغضب عند الكائن غير الحى ( كما هو الحال عند المادة )، قد لا يدركه ولا يعى به الا علماء المادة. فغضب المادة واستفزازها غالبا ما يحدث عند تعرضها لمؤثر خارجى ، الأمر الذى يؤدى الى اثارة الكتروناتها وانتقالها من حال الى حال فتتغير كل صفاتها ومن ثم يتبدل سلوكها من سلوك الى سلوك قد يكون مختلف تماما. وبمقارنة غضب المادة بغضب الكائن الحى، نجد أن هذا الغضب بالنسبة لكليهما ما هو الا فطرة طبيعية كامنه فيهما وفى كل الكائنات، فدائما ما يتم تحرك هذه الفطرة بواسطة مؤثر خارجى سواء كان بقصد أو بدون قصد. ولكن وبكل أسف دائما ما نجد أن غضب الكائنات الحية غير محمود ولا طائل منه، أما غضب الكائنات غير الحية فهو محمود القول والفعل لأنه غالبا ما ينتهى بنا الى نتائج ايجابية. فغضب الانسان قد ينتهى به الى تدمير نفسه بل وتدمير كل شئ محيط به، فإذا استشاط السلطان تسلط الشيطان أي إذا تلهب وتحرق من شدة الغضب وصار كأنه نار ، تسلط عليه الشيطان فأغراه بالإيقاع بمن غضب عليه. أما اذا غضبت المادة فقد تتحول الى مادة تستخدم فى تصنيع أشباه الموصلات بل وقد تتحول من مادة غير مغناطيسية الى أخرى لها صفات مغناطيسية يمكن الاستفادة منها فى القلوب المغناطيسية والتى منها قلوب الفريتات ذات الاستخدامات المتعددة فى الكثير من المجالات الطبية والزراعية والصناعية والبيئية.
ولكن كيف ندير الغضب على مستوى الكائن الحى وغير الحى؟ وهنا تنطلق أهمية وضرورة وجود ادارة قوية للغضب. فادارة الغضب عند الكائن الحى وعند الانسان على وجه الخصوص، قد جاءت بها الأوامر الالهية فى قوله تعالى” وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ” )آل عمران: 133 -134 ). ادارة الغضب عند الانسان اعتمدها رب الكون من فوق سبع سماوات على أساس واحد وفريد ألا وهو كظم الغيط ومن بعد مرحلة الكظم كان العفو ومن بعد العفو كان الاحسان المؤدى بدوره بعد كل هذه المراحل الى مغفرة رب الكون مع الاهداء والحصول على أكبر جائزة فى الحياة الأخرة والتى تبلورت فى جنة عرضها السماوات والأرض. فهذه الادارة الشديدة التماسك والقوية البنيان والمرتبة الخطى لم ولن تجد لها أى مثيل على وجه الأرض او السماء. كما أن الخروج على هذه الاداراة المنظمة والمتناسقة سوف يؤدى الى الهبوط من مرتبة الانسانية الى مرتبة الهمجية القائمة على الشهوة الحيوانية القائمة والتى غالبا ما تسود فى عالم الحيوان.
فى حين أن غضب المادة ان طفح على سطحها كانت الفائدة عظيمة وان لم يبلغ سيلها الزبى واكتنزته المادة بداخلها كانت الفائدة أعظم. فتفكك سلائف العناصر نتيجة لتسخينها فى الهواء غالبا ما يؤدى الى مثلا الى أكاسيد هذه العناصر مع مساحة سطحية مفيده وذات طبيعة مسامية يستفاد منها فى الكثير من التطبيقات الصناعية، وعند تحميص هذه السلائف أو الأكاسيد تظهر هذه المواد فى أبهى صورها وقد تتغير هياكلها وتراكيبها بعد أن تدركها عملية التلبيد التى تؤدى بنا الى ظهور مواد بازغة ومستقبلية ذات تطبيقات جديدة ومتجدده. انها ادارة الغضب الكامنة فى كظم الغيط على كل المستويات الحية وغير الحية، وكأن فى كظم الغيط حياة، لم ولن يدركها الا أُولُو الْأَلْبَابِ.