دائما وأبدأ ما يختبأ المخطأ وراء الكثير من الأقنعة الزائفة التى هى فى حقيقتها مكشوفة وواضحة أمام أصحاب القلوب السليمة ذات العقول الراجحة. وعلى الرغم من كثرة هذه الأقنعة الا أنها لن تمتلك غير لونا واحدا ومقاسات مختلفة، تختلف فيما بينها باختلاف المكان والزمان، حيث يغلب عليها اللون الأسود ويتسع ويضيق مقاسها طبقا لتكييفها لكل حدث وحديث. غاية المخطأ المتعمد ارتكاب الأخطاء تبرير أى وسيلة يتبعها كى يصل الى غايته فلا مبدأ ولا أخلاق ولا دين، لأن المبدأ فى المصلحة، والأخلاق فى التجمل مع الكذب، والدين دين الشيطان. حقيقة المخطأ كتاب مفتوح وكلمات لا تحتمل التأويل أمام قوة وفكر وابداع المبدعين من أصحاب النفوس النقية والمبادئ التى لا تتغير مع تغير المكان أو الزمان. قد يعتقد صاحب القناع الأسود أنه قد خدع الأخرين دون أن يدركوا حقيقة أمره، أو أنه أكثر ذكاء منهم، وأنهم لن يستطيعوا كبح جماح غايته، وهو يعتمد فى هذا على هوى النفس فى استغلال الظروف وتكييفها طبقا لمصالحه، واعتمادا منه على تنازله عن مبادئ العفة والشرف التى تشكل فى أصلها اللبنة الأولى فى قصر الكرامة الذى لن ينال شرف النظر أو الوقوف أمامه.
فالادبيات فى التصرفات شئ عظيم، لن يستطيع كل شخص أن يقترب من حماها، والقواعد لن يستطيع كان من كان أن يلتزم بها نظرا لتضادها غالبا مع هوى النفس، وبين هذه وتلك يتصارع كل مدع أثيم وكل فاقد لأهلية التصرف السليم. فأهلية التصرف عند الملتزمون بأدبيات الحياة، لا تعنى أنك بالغ عاقل فقط بل هى فى أصل معناها فى عالم أدبيات التصرف أنك يجب أن تكون صاحب مبدأ متزن وسليم، لأن الاتزان هو جوهر أدبيات التصرف. أما تنفيذ القواعد والأخذ بسنون المكان والزمان، لن يقوى عليه غير الملتزمون وان كانوا لا يمتلكون بعض أو كل الأدبيات، لأنه وحفاظا على هيبة المكان أى مكان ان لم تمتلك أدبيات الأشياء فيجب عليك على الأقل أن لا تتخلى عن قواعدها. ولكن عندما تطرح بالأدبيات أرضا، وتضرب بالقواعد عرض الحاط، وتذهب لترتدى من الأقنعة ما يستر عورتك، فأنت عندها وعندها فقط لن تكون أكثر من وعاء لهموم وآثام كثيرة وثقيلة قد جلبتها لنفسك وبنفسك وبمساعدة من غاب عقله وتخلى عن مسئولياته الحقيقة واتبع هو الأخر هوى نفسه وهو يدرى ويدرك مدى الجرم الذى ارتكبه وزج بك زجا وسط نيران الآثام والمعاصى وغضب الله الذى سيحل عليك ان آنفا أو عاجلا. ولن تختفى آثامك الا باختفاء آثام من جعل منك عجينة طرية بين يديه على الرغم من علمه ويقينه أنك جاهل فى قولك وفعلك وكل تصرفاتك. ولن تسقط الأقنعة الا بتمزيقها أو بمنع تصنيعها أو بمنع ارتدائها أو بسحق أصحابها. كل هذا لن يكون الا اذا عادت الأمور الى نصابها من خلال محاكاة الطبيعة التى أخبرتنا بأن تخفيف زيت الزاج يجب أن يكون طبقا لمجموعة من الأدبيات والقواعد التى تلزمنا باضافته أولا الى الماء نظرا لقوته والتزامه الكامل بهذه الادبيات وتلك القواعد.
ولكن كيف لنا أن نمهل المخطأ ونمنحه الفرصة تلو الأخرى؟ وكيف لنا أيضا أن ننتظر حتى تسقط الأقنعة؟. ان أى ظاهرة سواء كانت سيئة أو غير سيئة، ما كان لها أن تكون الا مع وجود المتخاذلين المتواكلين على غيرهم فى توطين حقوقهم واحقاق الحق وابطال الباطل. ومع كثرة المتخاذلين لن تسقط الأقنعة ولن نستطيع أن نطور أو حتى أن نحصل على ما استطاع قدمائنا الحصول عليه من زاجات بيضاء وخضراء وصفراء وحمراء أشار اليها الرازى في “سر الأسرار” والتى منها القلقديس الذى هو الزاج الأبيض الذي استعمل محلوله المائي المخفف قطرة للعين، وذلك لغرض التعقيم وإزالة التهابات العين، وهو كبريتات الخارصين المتبلورة. اضافة الى القلقند: “القلقنت”: ويعرف الآن بالزاج الأخضر، وهو كبريتات الحديدوز المتبلورة ، ناهينا عن القلقطار: وهو الزاج الأصفر، و السوري: وهو الزاج الأحمر.
ولا عزاء للمنادين بأى ابداع أو ابتكار أو ريادة لأى أعمال، حال عدم اعدام الأقنعة وحال عدم التخلى عن أصحاب الأيدى الخفية والآثمة التى رفعت أقرانها، من منعدمى الخبرة وفاقدى الكفاءة، فوق أعناق الجميع، هذا مع تفاخرها بفعلتها الشنعاء التى ادت الى زيادة الأمر سوء وانحدار. وبناء عليه فقد اصبح لزاما على أصحاب القواعد والأدبيات ارتداء هيبة الصمت نظرا أن ثوب الكلام أصبح ضيقا ومتسخا. وكأننا أمام أناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وأصبح من الضرورى امساك اللسان والكف عن البيان والأخذ بما نعرف وذر ما ننكر مع الأخذ بخاصة أنفسنا وذر أمر العامة.