يمتلك التعرق سجلاً سيئاً لدى أغلبنا، فنحن نلقي اللوم عليه عند صدور رائحة كريهة منا، كما أننا نتهمه بتوسيخ الملابس وتخريب البيضاء منها، ونتصرف باشمئزاز عند ظهوره، ولكن هذه السمعة السيئة التي يمتلكها العرق قد تكون غير منصفة، فالحقيقة هي أننا بحاجة للعرق بذات مقدار حاجتنا لمضادات التعرق التي نستعملها لمحاربته وحماية ملابسنا من العلامات البيضاء وتغيّر الألوان إلى الأصفر.
بحسب (وليام بيرنز)، خبير التعرق في جامعة ولاية كولورادو، فعندما تبدأ درجة حرارة جسمك بالارتفاع، سواء أكان ذلك بسبب ممارسة الرياضة، أو العمل، أو الجو الحار، فإن الدماغ يتفاعل مع هذا التغيير عن طريق إفراز العرق من أكثر من 2.5 مليون غدة مفرزة للعرق منتشرة في جميع أنحاء جسمك تقريباً، ويخفض السائل من خلال المسام درجة حرارة جسمك، ولكن عندما تتساقط قطرات العرق منك لتسقط على الأرض، فإنها لا تستطيع خفض درجة حرارة جسمك، لذلك فلجني فوائد العرق المبردة، يجب على ذلك السائل الملحي أن يتبخر من الجلد ويتحول إلى غاز.
من ناحية أخرى، فإن العرق المبرد ليس النوع الوحيد للعرق، فالبشر يمتلكون أيضاً غدداً مفترزة، والتي توجد في المقام الأول في الإبط والفخذ، وهذه الغدد تعمل أيضاً بمثابة غدد للرائحة- ففي الحيوانات، يمكن لرائحة العرق أن تساعد في جذب كل من الذكور والإناث- والسائل اللبني الناتج من هذا العرق يحتوي على العديد من المواد المغذية، مما يجعله جاذبياً لبكتيريا المكورات العنقودية البشرية، والتي تتواجد بشكل كبير في الإبط والفخذ، لذلك، فعندما تتفاعل هذه البكتيريا والعرق المفرز من الجسم، تصدر عنا رائحة العرق.
بشكل مماثل للغدد المفرزة، فإن هذه الغدد تنشط أثناء ممارسة الرياضة، ولكن الغدد المتفرزة تنشط أيضاً كرد فعل على العواطف والعصبية أو الحماس، وهذا يعني أن معظم الأنشطة التي تحفز الرائحة قد لا تكون متضمنة الركض أو لعب كرة السلة، وإنما الحصول على قبلة أو تقديم عرض أمام جميع الموظفين قد يكون محفزاً لصدور رائحة العرق البشعة.
تبعاً لـ(بيرنز)، فإن التعرق لا يتحفز من خلال معدل ضربات القلب أو الحركة، ولكن عن طريق المستقبلات في منطقة ما تحت المهاد في الدماغ، فالأفراد الذين يعيشون في بيئات حارة ورطبة سيتكيفون مع الطقس، تماماً كما يتعرق الأشخاص الذين يخضعوت لتدريبات الإيروبك بطريقة أسرع وخلال وقت أقصر، حيث أن الجسم بتكييف بسرعة مع الأوضاع التي تساعدنا مع تنظيم حرارتنا.
من جهة ثانية، لأن الرائحة الكريهة للعرق لا تأتي من السائل عديم اللون والرائحة الذي ينتجه الجسم في محاولة لتبريد الجلد، بل من اتصاله مع البكتيريا الموجودة في الجسم، فيجب علينا مكافحتها من جميع الزوايا، ولكن على اعتبار أن هذه البكتيريا تتركز في منطقة الإبط، فإن استخدام مزيل عرق قوي في منطقة معينة، بدلاً من استخدامه في كل مكان، قد ثبت بأنه الطريقة الأكثر فعالية لمكافحة رائحة التعرق.
للتقدم خطوة إضافية في طريق الحصول على الحماية الكاملة من رائحة العرق، ما يزال الباحثون من جميع أنحاء العالم يجرون الدراسات حول كيفية الحد من هذه البكتيريا، ومازالت الشركات تعمل على إخفاء الرائحة باستخدام العطور ذات الروائح المبهجة.
ولكن الرائحة بالتأكيد ليست هي المشكلة الوحيدة مع التعرق، فاصفرار القمصان، والآثار الجانبية غير السارة الأخرى، لا يسببها العرق وحده، بل تأتي نتيجة للمواد الكيميائية الحمضية التي توجد في بعض مضادات التعرق التي تتفاعل مع العرق، ولكن لحسن الحظ، بدأت بعض شركات مزيل العرق بإنتاج منتجات لا تسبب تلك التفاعلات، وتمنع تلطيخ القمصان البيضاء.
لذلك، وفي المرة القادمة التي تريد فيها لعن العرق، تذكر بأن كل ما يفعله هو تبريد الجسم لخفض درجة حرارته قليلاً، وأن كل تلك الآثار السيئة مثل الرائحة النتنة والبقع الصفراء والبيضاء على الملابس تأتي من البكتيريا، لذلك ألقي باللوم على تلك المخلوقات الدقيقة وحاول الحصول على مزيل عرق قوي لمحاربتها.