في بحث تم نشره في مجلة (Cell Systems)، قام الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بكشف النقاب عن سلسلة من أجهزة الاستشعار، ومفاتيح الذاكرة، والدارات التي يمكن أن يتم تشفيرها في بكتيريا الأمعاء العادية لدى الإنسان تدعى بـ(Bacteroides thetaiotaomicron)، حيث قام الباحثون بترقية هذه البكتيريا “الصديقة” التي توجد داخل جهازنا الهضمي بطريقة قد تسمح لها في يوم ما من أن تصبح مبرمجة لكشف وعلاج أمراض مثل سرطان القولون والاضطرابات المناعية.
هذه العناصر الحاسوبية الأساسية تسمح للبكتيريا باستشعار، وحفظ، والاستجابة لإشارات القناة الهضمية، ومع احتمالية وجود تطبيقات مستقبلية، فإن هذه التقنية قد تؤدي للكشف المبكر والعلاج من مرض التهاب الأمعاء أو سرطان القولون.
كان الباحثون قد قاموا سابقاً ببناء دارات جينية داخل نموذج من نظام الكائنات الحية مثل (الإي كولاي)، ولكن وفقاً لـ(تيموثي لو)، وهو أستاذ مشارك في الهندسة البيولوجية والهندسة الكهربائية وعلوم الحاسب الآلي، والذي قاد فريق البحث إلى جانب (كريستوفر فويت)، أستاذ الهندسة الحيوية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فإنه لم يتم العثور على مثل هذه السلالات داخل أمعاء الإنسان سوى ضمن مستويات منخفضة.
أشار (لو)، أن العلماء أرادوا أن يعملوا مع سلالات مثل بكتيريا (B. thetaiotaomicron)، وهي سلالات عادة ما تكون موجودة لدى الكثير من الأشخاص بمستويات وفيرة، ويمكن أن تشكل مستعمرات مستقر في القناة الهضمية لفترات طويلة من الزمن، لذلك طور الفريق سلسلة من الأجزاء الجينية التي يمكن استخدامها لبرنامج التأثير الجيني داخل البكتيريا بشكل دقيق، وباستخدام هذه الأجزاء، قام الفريق ببناء أربعة أجهزة استشعار يمكن أن يتم تضمينها في الحمض النووي للبكتيريا (B. thetaiotaomicron)، بحيث تستجيب للإشارة بتشغيل الجينات أو إيقاف تشغيلها.
ذاكرة البكتيريا
للإحساس والإبلاغ عن وجود أمراض معينة في الأمعاء، بما في ذلك علامات وجود نزف أو التهاب، يجب على البكتيريا أن تتذكر هذه المعلومات وتبلغ عنها خارجياً، ولتمكينها من القيام بذلك، جهز الباحثون الـ(B. thetaiotaomicron) بشكل من أشكال الذاكرة الوراثية، باستخدام صنف من البروتينات التي تعرف باسم (recombinases)، والتي يمكن أن تسجل المعلومات في الحمض النووي للبكتيريا عن طريق التعرف على عناوين (DNA) محددة وعكس اتجاهها.
قام الباحثون أيضاً بتطبيق تقنية تعرف باسم “تشويش كريسبر”، وهي تقنية يمكن أن تستخدم للتحكم بالجينات التي يتم تشغيلها أو إيقاف تشغيلها في البكتيريا، لتعدل قدرة الـ(B. thetaiotaomicron) على استهلاك المواد الغذائية المحددة ومقاومة قتلها من قبل الجزيئات المضادة للميكروبات.
أظهر الباحثون أن مجموعة الأدوات الوراثية والمفاتيح التي كانت تعمل داخل الـ(B. thetaiotaomicron) استطاعت أن تستعمر أمعاء الفئران، وأنه عندما كان يتم تغذية الفئران بالأغذية التي تحتوي على المكونات الصحيحة، كانت البكتيريا قادرة على تذكر ما كانت تأكله الفئران.
يعتزم الباحثون الآن توسيع نطاق تطبيق أدواتهم على أنواع مختلفة من بكتيريا الـ(Bacteroides)، وذلك لأن البنية الميكروبية للأمعاء تختلف من شخص لآخر، وهذا يعني أن نوع معين من البكتيريا قد يكون سائداً لدى أحد الأشخاص، وغير سائد لدى غيره، فبحسب (لو)، الفريق يهدف الآن إلى توسيع الأدوات الجينية لتطبيقها على مجموعة واسعة من البكتيريا التي تعتبر من الكائنات المهمة في أمعاء الإنسان.
يضيف (لو) بأن مفهوم استخدام الميكروبات للإحساس والاستجابة للإشارات المرضية يمكن أن يتم استخدامه أيضاً في أماكن أخرى من الجسم، كما ويمكن أن أن يتم تطوير دوائر حاسوبية وراثية أكثر تقدماً بناءً على هذا الأدلة الوراثية في الـ(Bacteroides)، لتعزيز أدائها في التشخيص والعلاجات، فعلى سبيل المثال، لا بد من الوصول إلى درجة من الحساسية العالية والتحديد عند تشخيص مرض باستخدام البكتيريا المهندسة وراثياً، ولتحقيق ذلك، فإنه يمكن هندسة البكتيريا للكشف عن مؤشرات حيوية متعددة، والرد عليها عندما تكون موجودة كلها في آن واحد معاً.
يشير (توم إليس)، وهو رئيس مجموعة من مركز علم الأحياء الاصطناعية في امبريال كوليدج في لندن، بأن الفضل في تطوير العديد من الأدوات في هذا البحث يعود لتطبيقات البيولوجيا الاصطناعية التي تم إجراؤها على الـ(E. coli)، حيث أن الباحثين قاموا بأخذ هذه التطبيقات واستخدموها مع فئة من بكتيريا الأمعاء الأكثر شيوعاً.
يضيف (إليس) بأنه في حين أن البعض قاموا بتطوير أدوات وتطبيقات لدوائر الهندسة الوراثية، أو أجهزة الاستشعار التي يتم وضعها في البكتيريا التي توجد في القناة الهضمية، إلّا أن هذا البحث يتميز بكونه استطاع لأول مرة هندسة بكتيريا من نوع الـ(Bacteroides)، وهو النوع الأكثر شيوعاً من البكتيريا الموجودة في الأمعاء لدينا.
استطاعت الدراسة حتى الآن إظهار فعالية هذا النهج في الفئران، ولكن لا يزال هناك طريق طويل قبل أن يتم الموافقة على استخدامها لدى البشر، ومع ذلك، فإن هذا البحث يفتح الباب أمام الباحثين لإمكانية الوصول لوضع خلايا مهندسة وراثياً في أمعائنا لفترات طويلة من الزمن، يمكنها القيام بمهام مثل الاستشعار عن بعد وتسجيل، أو حتى تركيب الجزيئات العلاجية في موقعها إذا ما كان هناك حاجة لذلك.