تبعاً لدراسة حديثة نشرت في مجلة (PLOS ONE) فإن القيام بالمهام المتعدة المرتبطة بوسائل الميديا ( أي ما يحدث عند مشاهدة التلفزيون أثناء تصفح الكمبيوتر والتحقق من جهاز المحمول) يرتبط بوجود مساحة أقل من المادة الرمادية في الدماغ، ولكن هذه الدراسة لم تحدد أي من الأمرين يسبب الآخر، حيث لم يكن بالإمكان معرفة فيما إذا كان وجود مناطق صغيرة من المادة الرمادية في دماغ يؤدي إلى دفع الشخص للقيام بمهام متعدة متعلقة بوسائل الميديا، أو أن قيام الشخص بأكثر من مهمة سوياً يؤدي إلى تقلص حجم المادة الرمادية في الدماغ.
بحسب الباحث الرئيسي في هذه الدراسة (كيب كي لوه) وهو خريج دراسات عليا في الطب من سنغافورة ديوك، في جامعة سنغافورة الوطنية، فإن الطريقة التي نتفاعل بها مع وسائل الميديا قد تؤثر على طريقة تفكيرنا، ويبدو أن الرابط ما بين وسائل الميديا والدماغ له أساس بيولوجي، وللتأكد من هذا قام (لوه) بإجراء دراسة على 75 شخصاً بالغاً من ذوي الصحة الجيدة، والذين كانوا أيضاً معتادين نسبياً على استخدام الحاسوب في القراءة والكتابة واستعمال وسائل الميديا، حيث طُلب منهم أن يقوموا يإتمام استبيان لمعرفة عدد المرات التي يقضونها في التنقل بين المهام المتعددة للأنواع المختلفة من وسائل الميديا، ثم تم بعد ذلك اخضاعهم لفحص دماغي بآلة التصوير بالرنين المغناطيسي، وقد بينت النتيجة أن الأشخاص الذين يقومون بمهام متعددة أثناء التعامل مع وسائل الميديا بشكل مكثف، كانت مساحة المادة الدماغية التي توجد في القشرة الحزامية الأمامية من الدماغ (ACC) لديهم أقل من غيرهم، حيث يعتقد بأن هذه المنطقة تلعب دوراً هاماً في مساعدة الأشخاص على تنظيم عواطفهم وخاصة السلبية منها.
إن انخفاض المساحة التي تغطيها المادة الرمادية في الدماغ، إضافة إلى انخفاض نشاطها كان دائماً مترافقاً مع التسبب بالعديد من الاضطرابات الاجتماعية والعاطفية مثل الاكتئاب، والوسواس القهري واضطرابات الإدمان، كما أنه يرتبط أيضاً بانخفاض القدرات المعرفية، علماً أن الدراسة التي قام بها (لوه)، لا تقدم اثباتاً يدل على أن القيام بمهام متعددة يتسبب في انكماش الدماغ، والنتيجة التي جاء بها البحث اقتصرت على إيضاح أن ارتفاع القدرة على القيام بالمهام المتعددة يؤدي إلى تقلص القدرة على السيطرة على المشاعر والأفكار، وما زل العلم مطالباً بإجراء المزيد من الأبحاث للتأكد من وجود صلة صحيحة وواضحة بين القيام بالمهام المتعددة وانخفاض مساحة المادة الرمادية في الـ ((ACC.
يخطط (لوه) للتوسّع في دراسة هذه النتائج من خلال إجراء دراسات مطولة عن العلاقة بين تعدد المهام والمادة الدماغية، بهدف معرفة الرابط ما بين تعدد المهام وانخفاض مساحة المادة الرمادية ، وبذات الوقت تقوم الباحثة المشاركة في الدراسة (ريوتا كاناي) بالعمل على مشروع بحثي حول الكيفية التي يمكن من خلالها أن يغيير التعرض للحاسوب من بنية الدماغ، ولكن هذه الدراسات لن تؤدي لمعرفة سبب نشوء الرابط أساساً.
على الرغم من أن نتائج هذا البحث لا توفر الدلائل الكافية للقول أن تعدد المهام يسبب انكماش الدماغ، إلّا أنه يوجد الكثير من الأدلة الأخرى التي قد تجعلنا نعرض عن التركيز على أكثر من شاشة أو أكثر من جهاز محمول في ذات الوقت، فإن كنت تحاول أن تصبح أكثر كفاءة فإن اتباع طريق العمل بتقنية تعدد المهام لن يحقق لك تلك الغاية، فبحسب الطبيب النفسي والمؤلف الدكتور (غاي ونش)، فإن المصطلح الأكثر دقة لتعدد المهام هو في الواقع “التنقل ما بين المهام”، ذلك لأن الشخص يقوم بالإنتقال من عمل الى آخر بدلاً من القيام بتأدية العملين بذات الوقت، وهذا يؤدي إلى هدر الطاقة للإنتقال بين الأعمال ويؤدي إلى انخفاض سرعة العمل، وبمجرد أن يصبح المرء بطيئاً في عمله، يصبح من الصعب عليه أن يعود لمتابعة العمل من حيث توقف.
في النهاية وعلى الرغم من عدم وجود نتيجة حاسمة لهذه الدراسة، إلا أنها تشير بشكل يقيني بأن تعدد المهام يؤدي إلى إحداث أضرار بالعمل وبالصحة، حيث أنه قد يسبب الإصابة بالاكتئاب والقلق الاجتماعي والشعور بالسلبية، لذلك فإن كنت ترغب بإنهاء جدول أعمالك اليومي وتحقيق أهدافك، ينصح بالتركيز على مهمة واحدة فقط واتباع نظام عمل روتيني، والحد من الأشياء التي تسبب التشوش والتشتيت، وأخذ فترات منتظمة من الراحة.