مع اقتراب بداية عام 2015 الذي يعتبر الموعد النهائي لتحقيق الأهداف التطويرية لهذه الألفية، لابد أن نلاحظ التقدم الهائل الذي أحرزه العالم في مجال تحسين التغذية، ولكن هذا التقدم ما يزال ناقصاً، حيث أن هناك فئة سكانية أساسية ما يزال العالم لا يقوم بواجبه تجاهها، ولا يقدم لها المساعدات اللازمة لها، وهي فئة المراهقات، والمشكلة تكمن في عدم وجود ما يكفي من بيانات توضح أسباب الضرر الذي يصيب الفتيات المراهقات جرّاء سوء التغذية، وكذلك عدم وجود الاستراتيجيات الصحيحة الضرورية لمعالجة هذه الأضرار.
إن معظم جهود القائمين على مجتمع التغذية تركز على الأطفال الصغار والنساء الحوامل، وهم محقين بذلك، لأن هؤلاء الأشخاص هم الفئة التي تتكون لديهم احتياجات غذائية مباشرة وكبيرة، إضافةً إلى أنه من السهل تحديد مشاكلهم ومعرفة ما الذي يجب القيام به لتصميم برامج غذائية صحيحة تفيدهم، وفعلاً ظهر أثر هذه التدخلات من خلال المبادرات مثل مبادرة منظمة (Scaling Up Nutrition)، التي تشمل إجراء تدخلات الصحية ذات تكلفة منخفضة وتأثير كبير، كالتدخل لتأمين فيتامين A، أو مكملات الزنك أو غيرها للأطفال.
ولكن عندما يصبح هؤلاء الأطفال مراهقين، تظهر لدينا فجوة كبيرة في ما يخص معرفة وضعهم الغذائي آنذاك، فعلى سبيل المثال، الجميع يعلم أن معدلات نقص الحديد تكون مرتفعة بين الأطفال الصغار والنساء الحوامل في الدول النامية، ومن هنا يمكن استنتاج أن العديد من الفتيات المراهقات يعانين من نقص الحديد أيضاً لدرجة تصل إلى فقر الدم، والجدير بالذكر أن الفتيات المراهقات يعانين من فقر الدم أكثر من الفتيان المراهقين بسبب فقدانهم للدم بصورة شهرية نتيجة للحيض.
هؤلاء الفتيات المراهقات اللواتي يعانين من فقر الدم يكنّ دائماً في حالة من الإنهاك والإرهاق، كما أن فقر الدم يؤدي إلى نقص قدرة الفتيات على التعلم، ويجعلهن يكافحن بشكل دائم للقيام بمهامهن اليومية المعتادة، مثل رعاية اخوتهن الصغار أو العمل في المزارع العائلية، وعلى الرغم من أنهن يواصلن حياتهن من يوم إلى آخر، إلّا أنهن لا يحصلن على نوعية حياة ملائمة، سواءً الآن أو في المستقبل، فإذا ما قررن أن ينجبن الأطفال عندما يكبرن قليلاً بالسن، فإن فقر الدم سيضع هؤلاء النساء الشابات في خطر كبير للوفاة بسبب حدوث نزيف ما بعد الولادة.
ولكن بسبب عدم وجود البيانات الكافية عن الفتيات المراهقات على مستوى العالم، فنحن لا نعرف مدى انتشار مشكلة فقر الدم، وفي ظل عدم توافر البيانات، لا يمكن معرفة ما هي الحلول الأكثر فعالية، والجدير بالذكر أنه يوجد أبحاث بسيطة تم إجراؤها في الهند، بينت نتائجها الأولية وجود نسبة عالية من فقر الدم بشكل غير مقبول بين المراهقات في الهند بنسبة تصل إلى 85-89٪، وكان الهدف من هذا المشروع هو تخفيض هذا المعدل من خلال توفير مكملات الحديد وحمض الفوليك بشكل منتظم، وقد تم تنفيذ ذلك من خلال اشراك دوائر حكومية متعددة وقادة المجتمع والمدارس المحلية، حيث تم تنبيه المعلمين ومديري المدارس إلى خطورة نقص الحديد وتأثيره على قدرة الطالبات على التعلم، وبعد ذلك طُلب من المعلمين والمرشدين أن يكونوا جزءاً فاعلاً من الحل عن طريق توزيع المكملات الغذائية للمراهقات كل أسبوع، وبعد مضي 10 أشهر فقط، كان معدل فقر الدم قد انخفض بنسبة 14٪ بين الفتيات في المدارس.
المحزن في الأمر هو أن هذا المشروع لم يكن ناجحاً في جهوده للوصول إلى الفتيات المراهقات اللواتي لا يذهبن إلى المدرسة، فعلى الرغم من محاولة الوصول إليهن عن طريق المراكز الاجتماعية، إلّا أن معدل انخفاض فقر الدم لدى هذه المجموعة لم يتجاوز الـ7٪ فقط، وهذا يسلط الضوء على حقيقة مهمة، وهي أن اتباع نهج واحد لن يكون قادراً على الوصول إلى جميع الفتيات المراهقات الذين يعانين من فقر الدم، ولذلك كان لا بد من تكييف البرامج لتلبية الاحتياجات المحددة، وهذا الشيء يمكن تحقيقه فقط في ظل وجود ما يكفي من البيانات حول حالة الفتيات الغذائية وأنماط الأغذية التي يستهلكونها بالإضافة إلى وجود معلومات عن مدى إمكانية وصول الخدمات المجتمعية والصحية إلى هذه الفتيات.
إذا ما كانت غالبية المراهقات في منطقة واحدة من الهند تعانين من ارتفاع معدلات فقر الدم ، فتخيل الحجم الهائل للمشكلة في جميع أنحاء العالم، ولكن في ظل عدم وجود البيانات التي يحتاجها القائمون على المجتمعات الغذائية عن هذه المجموعة في معظم البلدان ، فإن التخيل هو كل ما يمكن عمله حتى الان، وفي أحسن الأحوال، يمكن القول أن الملايين من الفتيات في سن المراهقة تتأثرن بهذه الحالة.
إن نقص الحديد لدى الفتيات في سنوات المراهقة، يجعل من الصعب عليهن العمل بكامل إمكانياتهن عندما يصبحن بالغات، سواء في عملهن أو في حياتهن الشخصية، وإذا ما قرروا إنجاب الأطفال، فإن نقص الحديد سيؤثر على صحتهن، وعلى صحة أطفالهن، وهذا يعيدنا إلى الدائرة الأولى المعنية بصحة الأم والطفل، التي تركز عليها الحكومات ووكالات التنمية، وإذا أردنا إيقاف هذه الدورة من سوء التغذية التي تنتقل من الأم إلى الطفل، فيجب أن يتم التركيز على صحة الفتيات خلال فترة المراهقة، والهدف من هذا هو محاولة جعل المستقبل أكثر إشراقاً للأجيال القادمة.