لقد انتبانى شئ من الذهول عندما وقعت عيناى على مجموعة قصص بعنوان ” نحن والحمير فى المنعطف الخطير” للأديب اليمنى محمد مصطفى العمرانى، هذا لتكرارية المعانى والمواقف التى جاءت فى القصة الأولى والتى حمل عنوانها نفس عنوان هذه المجموعة. فما أشبة الليلة بالبارحة، وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ، فلا يغرنك كل قادم أو جديد لأننا وبكل تأكيد ما زلنا وسنظل قابعين فى الماضى الذى لم نستطع أن نغيره. فعندما نكون نحن والحمير فى المنعطف الخطير كما جاء على لسان ” العمرانى” فلن تقودنا الا الحمير، لا لشئ غير أننا أغبى من الحمير عندما اعتمدنا عليها وعلى خطة سيرها التى لن تكون الا من خلال المرور فى المنعطف الخطير أو السقوط منه الى الهاوية المؤدية الى الموت أو العجز على أقل تقدير. حيث كان من الضرورى على أهل القرية أن يجتازوا هذا المنعطف ذهابا وايابا للوصول الى عين الماء والعودة بحاجتهم من الماء، ولم يكن هذا الأمر بالشئ اليسير نظرا لعقم ابداعهم واعتمادهم على قيادتهم من خلال الحمير التى ينساقون خلفها مع تحميلها بالماء المتحصل عليه. مرت السنون مع فقد أهل القرية للكثير من أطفالهم وعجز البعض الأخر من من سقط من هذا المنعطف الخطير، حتى استطاعوا ايصال الماء الى منازلهم ولكنهم وكعادة البشر اختلفوا فيما بينهم ودمروا مشروعهم بأيدهم وعادوا الى حميرهم ورفضوا أن يفكروا فى طريق أو وسيلة أخرى للحصول على الماء بحجة أنهم يسيرون وراء حميرهم، وكأن لسان حالهم ينطق بقولهم ” حسبنا ما وجدنا عليه حميرنا”.
عندما نفقد الوعى والادراك ونبتلى بعقم الابداع ونعتمد فى اختيارنا على وثائق واهية جاءت على أثر أننا كنا من أهل الثقة، فلا شك أننا نكون قد سلكنا نحن والحمير المنعطف الخطير. فلا ابداع ولا ابتكار من حمير أهل الثقة غير درب المنعطف الخطير المؤدى بنا الى فقد الحياة أو الى العجز الكلى لكافة شئون الحياة. فوثائق أهل الثقة التى امتلكوها، لم ولن تكون هى المعيار الحقيقى لاستحداث طرق أخرى غير هذا المنعطف الخطير، ولم ولن تكون هى الآلية التى من خلالها سوف نجد درب آخر غير درب المنعطف الخطير. فحصول أهل الثقة على وثائق تعزز من موقفهم عند التقييم والاختيار، لن يكون الا بمثابة النار التى سرعان ما تلتهم الابداع والابتكار.
فتساؤلات الواقع ومنطيقة الأشياء وعقلانية الأمور تتنافى تماما مع وثائق أهل الثقة الممتدة أذرعتهم فى كل مكان وزمان، فعلى الرغم من عقم فكرهم وضآلة حيلتهم وانعدام وسائلهم تجدهم فى الصدارة. فهذه وثائقى وهذه خبراتى التى عجزت من خلالها عن استحدث ما هو جديد، غير أنى كنت تابع أمين ” لا أسمع ولا أرى ولا أتكلم”، فكل ما لدى من وثائق وخبرات قامت وما زالت تقوم على اتقانى للثلاث لئات السابقة. وعقم الابداع عندى لا ذنب لى فيه وانعدام الابتكار عندى يسأل عنه من أدى بى الى كل هذا.
عقم الابداع وضرورة المرور فى المنعطف الخطير، يأتى من كون أن الفاحص هو من آمن بضرورة المرور فى المنعطف الخطير، فمعيار التقييم عند هذا الفاحص هو أن نكون نحن والحمير فى المنعطف الخطير. فهذا الفاحص يعتمد على الحمير ولا يعرف غير طريقهم الذى يعرفونه، لذا لم يتقدم ولم تتقدم قريته عندما قادها وحاول جلب الماء لها، وفى هذا الصدد جاء ليسلم الشعلة بنفس الفكر والايمان الى من وثق فيهم وأعدهم اعدادا جيدا بالوثائق والمستندات ليوم يقوم هو نفسه باختيارهم كى يستكملوا السير مع الحمير فى المنعطف الخطير مع ضمان احترامهم وولائهم الكامل للفاحص العظيم رمز الفكر المستنير بطريق وقيادة الحمير فى المنعطف الخطير.
رؤية الحمير عادة متكررة ومستمرة حتى وان بدت للبعض انها متجددة، لأن هذا التجدد هو تجدد فى اعادة عرض الصور الباهتة غير واضحة المعالم بل والمكررة بفشلها وضبابية ملامحها. فالحمير لا تمتلك الابداع ولكنها تمتلك قوة التحمل والطاعة العمياء التى تسلبها أى ابتكار أو ريادة. فالابداع هو طاقة جديدة ومتجددة والابتكار حليف الابداع والريادة ناتج امتزاج الابداع والابتكار، ولن يكون كل هذا الا بانطلاق الفكر وتحليقه فى سماء زرقاء صافية مع نقاء الهواء من سموم أهل الثقة وتبعية اللئات الثلاث، وأيضا مع امتلاء ماء الحياة بالسمع النافع والرؤية الجيدة والكلام الهادف المؤثر.