لا يجدر بنا الاستهانة بأهمية المضادات الحيوية (Antibiotics), فقد كان هذا الدواء يعد الركن الأساسي للحضارة الحديثة, حيث ساهم بالتقليل من حالات الوفيات الناجمة عن الإصابة بجميع أنواع الالتهابات الشائعة, إضافةً لتوفير الكثير من الوقت والمال على المجتمع، وكوننا استعملنا المضادات الحيوية بكثرة, لذا فإنها لم يعد لها المفعول ذاته كما في السابق, ووفقاً لما أشار إليه تقرير جديد لمنظمة الصحة العالمية “نحن ندخل إلى عصر ما بعد المضادات الحيوية”.
من الناحية التطبيقية فيمكن تفسير ذلك بأن العدوى ستصبح صعبة الشفاء أو حتى يمكن أن تصل لتكون مستحيلة الشفاء, سيزيد خطر انتشار العدوى يوماً بعد يوم, وستزيد المدة التي سيقضيها المريض في المستشفى وهو يعاني من المرض، أضف إلى ذلك التكلفة الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة, وزيادة عدد الوفيات الناتجة عن الالتهابات في بعض الحالات, وازدياد عدد المصابين ببكتيريا مقاومة للمصول.
يشير تقرير منظمة الصحة العالمية أن المشكلة خطيرة جداً بحيث يمكن أن تشكل تهديداً لإنجازات الطب الحديثة, ستصبح حقيقة أن الأمراض الشائعة أو حتى الإصابات الخفيفة يمكن أن تؤدي إلى الموت هي حقيقة قائمة في القرن الـ21، ويعد هذا التقرير هو الأول من نوعه الذي يقوم بمسح على مستوى العالم لاكتشاف مدى انتشار المشكلة, وتبين فيه أن معدلات مقاومة البكتيريا للأدوية كانت عالية جداً لدى البكتيريا التي تسبب التهابات المسالك البولية والالتهاب الرئوي, فمثلاً الفلوروكينولونات، التي كانت توصف لعلاج العدوى القولونية E المتصلة، لم تعد فعالة لأكثر من نصف المرضى في أجزاء كثيرة من العالم.
ويكمل التقرير أن الأمر الأكثر إثارة للقلق, أنه حتى المضادات الحيوية الواسعة الطيف التي كانت تعد الملاذ الأخير عند فشل الأدوية التقليدية, لم تعد فعّالة بما يكفي, حيث أن الأدوية واسع الطيف لم تكن مفيدة لأكثر من نصف السكان البلدان التي تضمنها التقرير الذين يعانون من إصابات الكلبسيلا الرئوية ، وهي بكتيريا شائعة توجد في الأمعاء.
وتقول الدكتورة (أليس بارك) في حديث لها في صحيفة (التايم)، أن الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية قام بالتأثير على مقدرة الجسم على محاربة الالتهابات, لأن المضادات الحيوية تقوم بقتل كل من البكتيريا الجيدة و السيئة الموجودة في المعدة.
أخيراً، فإن منظمة الصحة العالمية تدعو لمراقبة مقاومة الالتهابات عند البشر والحيوانات, وزيادة الوعي عند الأطباء و الأفراد على حد سواء, حيث بالنسبة للمرضى يجب عليهم معالجة مناعتهم عن طريق متابعة الوصفة الطبية التي يحصلون عليها من الأطباء حتى انتهائها و عدم وصف الحبوب لأي كان، أما بالنسبة للأطباء فيجب عليهم عدم وصف المضادات الحيوية إلا للحالات المخصصة لها، وليس وصفها لحالات البرد على سبيل المثال.