قبل عامين من الآن، أصبح (وبرتران بيكار) و(اندريه بورشبيرغ) أول طيارين يقومان بقيادة طائرة تعمل بالطاقة الشمسية في جميع أنحاء أمريكا دون استخدام قطرة واحدة من الوقود، ولكن هذا لم يكن سوى استعداد لرحلتهما الثانية التي ستدوم لعدة أشهر، والتي من المقرر أن تبدأ يوم الاثنين، وتبعاً لـ (بيكار) وهو الشريك المؤسس للمشروع، فإن هذه ستكون الوجهة النهائية، حيث لا يمكن لأي طائرة أن تقوم بعمل يفوق الذهاب برحلة حول العالم.
ستكون مغامرة التحليق حول العالم على شكل سلسلة من الرحلات التي ستجوب عبر القارات والمحيطات، والتي ستبدأ وتنتهي في أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتبعاً لـ (بورشبيرغ)، وهو الرئيس التنفيذي لـ (Solar Impulse) والطيار الذي قام بالرحلة الأولى، فإنه كان يتطلع إلى شروق شمس يوم الاثنين 10-3-2015، حيث أنه كان يفكر فيه كل يوم تقريباً، والآن حان الوقت للبدء بهذه المغامرة.
إن رحلة (بورشبيرغ) إلى عُمان ستكون إحدى فصول الملحمة المستمرة منذ 12 سنة والتي وصلت تكلفتها إلى أكثر 150 مليون دولار، وتهدف هذه الملحمة إلى إعادة كتابة تاريخ الطيران والتكنولوجيات الصديقة للبيئة، فعلى الرغم من أن النموذج الأولي لطائرة (Solar Impulse) والذي استطاع القيام برحلة مدتها شهرين في جميع أنحاء أمريكا في عام 2013 كان بمثابة أعجوبة تكنولوجية، ولكن النسخة المطورة منها (2 Solar Impulse) تعتبر أعجوبة أهم بكثير، حيث يصل طول أجنحة هذه الطائرة إلى 236 قدم (أي ما يعادل 72 متراً) وهي أكبر من أجنحة طائرة بوينغ 747، ولكنها في ذات الوقت لا تزن أكثر من وزن سيارة ذات دفع رباعي (أي ما يعادل 2.3 طن).
تستمد الطائرة احتياجاتها من الطاقة من أكثر من 17,000 خلية شمسية موجودة على الأجنحة، وجسم وذيل الطائرة، حيث يتم تخزين الطاقة الكهرباء التي تستمدها هذه الخلايا في بطاريات ليثيوم بوليمر تزن حوالي 1,400 رطل (633 كجم) – وهي تمثل أكثر قليلاً من ربع وزن الطائرة – كما تمتلك الطائرة أربعة محركات كهربائية تصل استطاعة كل منها إلى 17 حصاناً، أي ما يعادل تقريباً قوة دراجة نارية صغيرة، أما دفع الطائرة فيتم عن طريق الهواء، ويعتبر هذا النظام فعالاً بما فيه الكفاية للمحافظة على ارتفاع الطائرة عند حدود الـ 27,000 قدم (أي ما يعادل 8,500 متر) طوال الليل، وهي تعمل بالطاقة الشمسية فقط.
الرحلة ستستمر لأكثر من أربعة أشهر
مقابل كل هذه الكفاءات، نجد أن طائرة (Solar Impulse) ليست إحدى الطائرات النفاثة السريعة، حيث أن أقصى سرعة يمكن أن تصل إليها هي حوالي 87 ميلاً في الساعة (أي حوالي 140 كيلومتراً في الساعة)، ولذلك يمكن وصف رحلاتها بأنها أكثر هدوءً من غيرها، حيث يتوقع (بورشبيرغ) أن تستغرق رحلة المرحلة الأولى من الجولة المقررة حول العالم والتي ستكون من أبو ظبي إلى مسقط في سلطنة عمان حوالي 12 ساعة، وهي رحلة عادة ما تستغرق في طائرة ركاب تجارية حوالي الساعة الواحدة فقط.
لإنهاء الرحلة كاملة حول العالم والتي سيبلغ طولها، 22,000 ميل (35,000 كيلومتر)، قام فريق (Solar Impulse) بوضع جدول زمني يمتد على أربعة إلى خمسة أشهر، يتضمن خلاله محطات في الهند وميانمار والصين وهاواي وعدد من المدن في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مناطق في جنوب أوروبا أو شمال أفريقيا، ومن ثم العودة إلى أبوظبي، وفي كل محطة ستحط الطائرة على الأرض لعدة أيام أو حتى لأسابيع، وذلك لإجراء متطلبات الصيانة وحضور المناسبات العامة، إضافة إلى تجنب سوء الأحوال الجوية مثل الرياح الموسمية الجنوبية في آسيا والأعاصير في أمريكا.
نظراً للقيود التي يفرضها وزن الطائرة، فإن قمرة القيادة لن تكون قادرة على استيعاب أكثر من طيار واحد فقط في كل مرة، لذلك سيتناوب كل من (بيكار) و(بورشبيرغ) على قيادتها، ومن المقرر أن يقوم (بورشبيرغ) بقيادة رحلة الذهاب، في حين سيقوم (بيكار) بقيادة الطائرة في رحلة العودة، كما أنه من المقرر أيضاً أن يقوم (بيكار) بالطيران عبر المحيط الهادئ، في حين يقوم (بورشبيرغ) بالطيران عبر المحيط الأطلسي، وخلال تلك الفترات التي ستكون فيها (2Solar Impulse) فوق المناطق المائية، سيكون على الطيارين البقاء في قمرة القيادة لمدة قد تصل إلى خمسة أيام وخمس ليال دون توقف، ولكن باستخدام التكنولوجيا المستدامة لتشغيل الطائرة فإن هذا لن يكون أمراً صعباً.
عند الانطلاق في كل رحلة، ستكون قمرة القيادة مزودة بكمية من الوجبات المحمولة والماء ومشروبات الطاقة، كما يمكن أن يكون مقعد الطيار مزود بغطاء يمكن رفعه لتوفير مكان للمرحاض، أو فتحه ليتحول إلى أريكة يمكن للطيار أن يغفو عليها، والجدير بالذكر أن كلاً من (بيكار) و(بورشبيرغ) قاموا بتدريب نفسيهما باستخدام التأمل واليوغا والتنويم المغناطيسي الذاتي للبقاء في وضعية الاستيقاظ خلال الرحلات الجوية التي تأخذ وقت طويلاً ويكون فيها الطيار وحيداً في القمرة.
إضافة إلى ما سبق، فإن الطائرة ستكون مزودة بنظام حاسوبي يعمل بمثابة “مساعد طيار افتراضي”، يقوم بإيقاظ الطيار إذا ما حدثت مشكلة ما، ولكن ماذا يمكن أن يحدث إذا ما كانت المشكلة لا يمكن معالجتها من قبل الطيار؟ يشير (بيكار) أنه إذا ما سارت الأمور بشكل خاطئ، فإن على الطيار أن يقذف بنفسه إلى الخارج، وتحسباً لمثل هذه المواقف سيتم تجهيز كلا الطيارين بمظلة ومجموعة من المعدات المحافظة على الحياة التي يمكن أن تساعدهم على الصمود لعدة أيام إذا ما تقطعت بهم السبل، أما إذا ما استغرق وصول الإنقاذ وقتاً أطول من ذلك، فإن على الطيار أن يعتمد على ذكائه الخاصة.
إن الهدف من هذه الرحلة هو إظهار التقنيات المتطورة التي يمكن تطبيقها في حياتنا على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال، تم بناء رغوة عازلة خفيفة الوزن على هيكل الطائرة للحفاظ على درجة حرارة البطاريات والطائرة ضمن المستويات المطلوبة، حتى عندما تكون الحرارة في الخارج تزيد عن 100 درجة فهرنهايت (40 درجة مئوية) أو تنخفض إلى ما دون الـ 40 تحت الصفر (- 40 C). وتبعاً لـ (بيكار) فإن هذا النوع ذاته من الرغوة يستخدم لبناء الثلاجات عالية الكفاءة.
تبعاً لـ (بيكار) فإن طائرة (Solar Impulse) ليست فقط عبارة عن آلة توضح مدى كفاءة الصناعة السويدية، بل هي تظهر أيضاً الروح الإنسانية، حيث أن هذه الرحلة تظهر أنه ما زال بمقدورنا تحقيق العديد من الأحلام الكبيرة، أو على الأقل المجازفة بمحاولة تنفيذها، حتى وإن فشلنا فسيكون لنا شرف المحاولة.