وجد الباحثون بأن الأشخاص الذين يعانون من العصاب يمتلكون بنية وراثية مماثلة تقريباً لأولئك الذين يعانون من الاكتئاب والقلق.
يدرك علماء النفس بأن الشخصية يمكن أن تؤثر في الصحة العقلية – فعلى سبيل المثال، يؤدي السعي إلى الكمال للإصابة بالاكتئاب السريري واضطرابات القلق – ولكن العلاقة بين بعض سمات الشخصية والأمراض النفسية لا زالت غير واضحة تماماً.
الدراسة الجديدة الرائعة التي نشرت في مجلة (Nature Genetics) مؤخراً، استطاعت أخذ هذا الارتباط خطوة أخرى إلى الأمام، حيث تشير النتائج إلى أن سمات الشخصية والمرض العقلي هما أمران متصلان، ويمتلكان تأثيرات رئيسية متبادلة على المستوى الجيني.
بعبارة أخرى، فعندما تكون سمات الشخصية الفطرية ظاهرة إلى حدها الأقصى بحسب العمر، فإن الشدائد أو غيرها من تجارب الحياة، قد تحول هذه الصفة الحميدة لدى الشخص إلى مرض عقلي.
بحسب الدكتورة (تشي هوا تشن)، وهي أستاذة مساعدة في علم الأشعة في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو والمؤلفة الرئيسية للدراسة، فقد وجد الباحثون تداخلاً وراثياً بين الشخصية والأمراض النفسية – بعض المتغيرات الجينية التي تؤثر على الشخصية والتي تسهم أيضاً في مخاطر الإصابة بالأمراض العقلية- وبهذا يمكن اعتبار الأمراض العقلية بأنها تغير شديد التطرف لسمات الشخصية.
قامت (تشن) وفريقها بفحص الصفات الجينية لأكثر من 260,000 شخصاً، ومن خلال تحليلهم، تمكن الباحثون من تحديد ست مناطق جينومية ترتبط مع مجالات رئيسية للشخصية، ولكن الباحثين ركزوا على “العوامل الخمسة الكبرى” للشخصية – وهي الانبساط، العصابية، الطيبة، والانفتاح على الخبرة والضمير الحي- والتي طالما اعتبرها علماء النفس بأنها الأبعاد الأساسية للشخصية الإنسانية.
عندما تمت مقارنة مناطق الشخصية هذه من الجينوم بالمناطق المرتبطة بالأمراض النفسية، تبين وجود بعض التداخل الملفت للنظر.
اقرأ ايضا:
هل تختلف شخصيات النساء عن شخصيات الرجال؟
فلسفة النانوتكنولوجى فى بناء الشخصية
أولاً، رأى الباحثون أن الأماكن التي توقعت فيها الاختلافات الجينية وجود العصابية – سمة تنطوي على كون الشخص عرضة ليكون أكثر نكد وقلقاً وحزناً وغيرها من أنماط التفكير والعواطف السلبية – كانت نفس المناطق التي توقعت فيها الاختلافات إصابة الشخص بالاكتئاب واضطراب القلق العام.
في حين كان علماء النفس قد حددوا سابقاً الصلة بين العصابية والاكتئاب واضطرابات القلق، فإن التداخل الجيني بين سمات الشخصية والاضطرابات العقلية لم يظهر حتى الآن، ويبدو بأنه عندما تصبح السمة سائدة للغاية أو غير صحية، فإنها يمكن أن تتحول إلى اكتئاب.
بحسب (تشن) ففي بعض النواحي، لم تكن هذه النتيجة مستغربة للغاية، وذلك لأن البيانات السريرية والسلوكية كانت قد أظهرت في السابق وجود روابط بين سمات الشخصية والأمراض النفسية، وخاصة بين صفة العصابية والاكتئاب الشديد والقلق، ولكن مع ذلك، فإنه من المثير للدهشة أن تكون هذه الروابط تمتلك مثل هذا الأساس الجيني الواضح.
الجدير بالذكر أن التحليل وجد أيضاً جزء الجينوم الذي تم فيه تحديد وجود سمة العصابية يشتمل أيضاً على الجينات التي تتعلق بالمناعة والجهاز العصبي، مما يوحي بأن العصابية يمكن أن ترتبط بمخاطر صحية جسدية أيضاً، حيث تعبر هذه المنطقة مركزاً محتملاً للسرطان والاضطرابات العصبية النفسية التنموية.
تم ملاحظة وجود تشابه مماثل بين سمة الانبساط واضطراب نقص الإنتباه وفرط النشاط، وبين الانفتاح وانفصام الشخصية والاضطراب الثنائي القطب.
توفر العلاقة بين سمة الانفتاح ومرض انفصام الشخصية والاضطراب الثنائي القطب، نافذة رائعة للنقاش حول المرض العقلي الذي يولد الإبداع، فالانفتاح على الخبرة – وهي سمة تشتمل المخاطرة، والفضول الفكري والخيال والفنون – هي سمة الشخصية الأولى التي تتنبؤ بوجود إبداع فني وعلمي لدى صاحبها.
وأخيراً، تجدر الإشار إلى أن كلاً من الانفتاح والاضطرابات الذهانية يرتبطان مع اشتداد الابداع، وأيضا مع زيادة نشاط الدوبامين، فقد وجدت دراسة سويدية تم إجراؤها في عام 2010 أن أنظمة الدوبامين لدى الأشخاص الاصحاء البالغين والذين يمتلكون درجة عالية من الإبداع تكون متشابهة إلى حد مامع تلك الموجودة في أدمغة الأشخاص المصابين بالفصام.