لا حيلة فى مصابك فيما يحل عليك من مصائب وكرب غير الصبر وقلة الثرثرة، لأنها لن تغنى من فقر ولن تشبع من جوع. فالمصيبة واقعة لا محالة والمصاب جلل عندما لا تستطيع احتوائه، فالاحتواء لن يكون الا بالصمت والتجاهل بقدر ما تستطيع. فان حاولت مرارا وتكرارا تخفيف آلام صدمة المصيبة، والعمل على منع تكرارها دون جدوى، فلا تفعل أى شئ بعدها غير التسلح بسلاح الصبر والتجاهل. فالحرث فى الماء لن يؤثر فيه، ولن تجنى غير ضياع الوقت والجهد والصحة والقلق المستمر مع انعدام راحة البال، وما ادراكم ما راحة البال التى ان توفرت توفر معها كل مقومات الحياة من حفظ للوقت والجهد والصحة….ألخ، فهى مفتاح البركة وتاج الحكم الذاتى. فأنين القلب ونيران دموع الألم التى تخترق صحراء الوجه العبوس، لن ينحدر تأثيرها الا بالصبر الجميل وبالتجاهل الواعى.
فجناحى مركبة النجاة من زلزال المصيبة ومن عاقبة براكين المصاب لن يكونا الا بادراك الصبر ووعى التجاهل، فالادراك الحقيقى لماهية الصبر تحفظ عليك لسانك وتربط عليك جأشك، فى حين نجد وعى التجاهل يكون قائما على أن ما لا يدرك كله لا يترك جله. فقمة ادراك الصبر تكون عند انكار الجميل، وقمة وعى التجاهل تكون عند الاعراض عن المسئ، فالنار تأكل بعضها ان لم تجد ما تأكله. فالصبر سلاح قتل قوى وفتاك لكل مصيبة مهما كان حجمها أو شكلها، والتجاهل مع الصبر جلد وقوة، تجتاز بهما كل مصاب.
ومعارك الصبر وميادين التجاهل، لن تجد فيها الا رجال أشداء أقوياء امتزجت عقولهم بحكمة الزمان والمكان وامتلئت قلوبهم بصلاحية وفلسفة الأشياء مع التقاط ما خف وزنه وثقل وزنه. وما بين الصبر والتجاهل تجد الجهل غير المرتبط بدرجة الثقافة، هذا الصنف من الجهل يجعل من الانسان عدوا عنيدا لنفسه لدرجة أنه لا يستطيع معها صبرا، بل ويعمل على حرق كل حقول الصبر وتدمير كل أغصان شجرة التجاهل.
ومع اختلاف درجات الصبر وتنوع أنواع التجاهل تختلف القدرة على تحمل المصائب والقفز بالذات بعيدا عن المصاب. فان استطعت أن تكون فى قلب الصبر، فثق أنك ستحاط بقالب التجاهل، فالقلب والقالب سيشكلان درع حماية وحائط صد من كل مصيبة ومن أى مصاب. وقد يكون الصبر ذاتيا ومرتبط بطبيعة الانسان كونه بطبيعة الحال صبور وحليم، وقد يكون الصبر مكتسبا بمرور الزمان أو بتغير المكان، وقد يكون منعدم الأثر عند تفاقم عنصر الجهل القائم على قلة الادراك ونقص الوعى.
ومع كل هذا فسكرات الصبر شديدة وأوقات التجاهل عصيبة على الكثير من الناس، ولكى تخف حدة هذه السكرات لابد من الايمان بالذات والجلوس على عرش الثقة بالنفس والتغلب على الجهل الهالوكى. فمرض الذات اما أن يمحو كل درجات الصبر مع طغيان ما يسمى بالهمجية البشرية، أو يدمر الذات بتكثيف جرعة الصبر مع تخطيها الحد المطلوب من الصبر المؤدى الى اختباء الشخص خلف نفسه وانطوائه على ذاته العليلة التى دائما ما تحتاج الى طبيب نفسى.
واخيرا، فان صبر الادراك ووعى التجاهل، عنوان مرحلة جديدة ومتجددة لن يملك زمام أمرها الا كل ذى عقل رشيد وقلب حى ينبض بالأمل والحياة. فبصبر الادراك ووعى التجاهل تزدهر الحياة وتتقدم الشعوب وترتقى الأمم.